دعوةٌ أميركية لبايدن للضغط ولو بالعقوبات للدفْع نحو انتخاب رئيس
لبنان أمام عواقب مُتدحرجة لـ «جريمة العاقبية» ضد «اليونيفيل»
لولا الاعتداء الخطير على آليةٍ لـ «اليونيفيل» في الجنوب ومقتل أحد عناصر الوحدة الإيرلندية بالرصاص وجرْح 3 آخَرين، لَكان لبنان السياسي مُسْتَرْخياً عشية استراحةِ عيديْ الميلاد ورأس السنة، وكأن البلاد لا تسير على «حبلٍ مشدود» فوق أفواه البراكين المشتعلة وبوابات جهنّم المفتوحة منذ نحو 3 أعوام.
فمع ختْم نسخةِ 2022 من الانتخابات الرئاسية «المعلَّقة» بـ «الشمع الأحمر» لتُترك معاودةُ فتْحها إلى السنة الطالعة بعد أن يكون تم «تعليب» تسويةٍ شائكة تُفْرِج عن اسم الرئيس العتيد وتحدّد معالم خط الخروج من الحفرة المالية التي لا تنفكّ تتعمّق، وحده العنوان الأمني سيطبع الأيام الفاصلة عن رأس السنة الذي يُخشى أن يكون لبنان نجح معه في إكمال حلقات تبديد أي «رأس مال» مازال «يشفع» له مع الخارج.
وبعدما كاد لبنان في الأعوام الثلاثة الماضية أن يحطّم الأرقامَ القياسية لكل المؤشراتِ السلبية التي طبعتْ أزمات مالية منذ 1850 وحتى اليوم من دون أن يصل بعد إلى القعر في «سقوطه الحر» الذي انتقل الى «سرعةٍ جديدةٍ» على متن الانهيار التاريخي الجديد للعملة الوطنية أمام الدولار ببلوغها عتبة 44 ألفاً، أمس، ها هو يختم 2022 بما يشي بأن يتحوّل أزمةً مع المجتمع الدولي «الممثَّل» في قوة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب في ضوء الأبعاد الكبرى لجريمة العاقبية في ذاتها كما الانعكاسات الأخطر للمنحى الذي يؤشّر إلى أن هذا الملف مرشّح لأن يبقى «برسْم مجهول».
وعلى وقع المناشدات الدولية بتحقيق سريع وشفاف يُفْضي إلى محاسبة المسؤولين عن الاعتداء الذي تخلله إطلاق نار على آلية «اليونيفيل» ما أدى إلى مقتل العنصر الإيرلندي بعد إصابته في الرأس، تبرز مخاوفَ في بيروت من أن تكون القضية دخلت مساراً من التمييع يُفْضي إلى تعتيم تلقائي عن مُطْلِق أو مطلقي النار.
وفي موازاة الترويج لعنوان «الحادث غير المقصود» والذي يبرّره أصحابه بأن سلوكَ الآلية طريقاً داخلية بينما كانت متجهة مع سيارة أخرى الى بيروت كان وليد لحظته، فإن أوساطاً سياسية ترى أنه لا يمكن بأي حالٍ ومهما كانت ملابسات ما حصل إسقاط عاملٍ «تحريضي» وإن غير مباشر تشكّله «العدائية» تجاه اليونيفيل والتي غالباً ما تم التعبير عنها في إشكالاتٍ مع بيئة «حزب الله» في مناطق جنوبية ليزيد منسوبُها بعد تعديل مَهمة القوة الدولية بموجب قرار مجلس الأمن الأخير ومنْحها مزيداً من حرية الحركة من دون مؤازرة لبنانية.
وإذ تعتبر الأوساط أن توقيف المتورطين في مقتل العنصر الإيرلندي يُعتبر المؤشر الحقيقي و«الملموس» إلى أن ما حصل كان «فَرْدياً»، باعتبار أن أيّ تغطية من أي جهة للفاعل أو الفاعلين سيكون بمثابة «توقيع» ضمني على الجريمة وبالحد الأدنى تشجيع على غيرها، استعادتْ كلام وزير الداخلية بسام مولوي عن «أنّ الاعتداء جريمة، وليس صدفة وليس حادثاً عرضياً»، ورفْضه «أيّ ذريعة تقول إنّ الحادث من فعل الأهالي»، واعتباره أنّ «مَن يقف وراءه لا يخفي نفسه»، وإشارته إلى «انه تم اعتراض سيارة جنود حفظ السلام في موقعين، وفق التحقيقات».
وفي حين عزّز تبرؤ «حزب الله» مما جرى في العاقبية ومبادرته للاتصال عبر رئيس وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا بقيادة «اليونيفيل» للتعزية الانطباعَ الذي تعبّر عنه بعض الدوائر بأن الحزب، الخارج من تغطيةٍ لاتفاق الترسيم مع اسرائيل والذي لا يُمانع إدارة الاستحقاق الرئاسي بما يعيد وصْلَ لبنان مع الخارج، لا مصلحة له في تدحْرج هذا الملف وتحوّله باباً لمعاينة دولية لصيقة للواقع اللبناني من زاوية أمنية متعددة البُعد، فإن أوساطاً أخرى ترى أن المحك الفعلي تقف أمامه الدولة اللبنانية المطالَبة بما هو أبعد من إبداء حسن النيات وتقديم بيانات مواساة أو القيام بزيارات تعزية.
وإذ اعتُبرت زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومعه قائد الجيش العماد جوزف عون، المقر العام لـ «اليونيفيل» في الناقورة للتضامن مع القوة الدولية وتأكيد «أن البيئة التي يعمل فيها الجنود الدوليون بيئة طيبة، والتحقيقات متواصلة في مقتل الجندي الإيرلندي ومَن تثبت إدانته سينال جزاءه»، مؤشراً إلى رغبة من بيروت في استيعاب الصدمة الأمنية مع المجتمع الدولي، فإن وصول لجنة إيرلندية مكلفة متابعة مسار التحقيقات في جريمة العاقبية إلى بيروت يعكس بالتوازي جدية دبلن ومن خلفها المجتمع الدولي في ملاحقة القضية حتى النهاية.
وفيما لم تحمل التحقيقات التي يُجْريها القضاء العسكري جديداً وسط عدم توقيف أي من المتورّطين بعد، فإن هذا الملف بات يُقاس في بعض الأوساط بوصْفه جانباً جديداً من العوارض الخطيرة لتفلّت الواقع اللبناني من كل الضوابط في الوقت الذي تُصارِعُ البلاد لاستعادة مظلة خارجية ترعى خروجها من قلب «الجحيم».
وفي حين يُنتظر أن تحضر الأزمة اللبنانية التي يختزلها هذه الأيام عنوان الانتخابات الرئاسية في قمة «بغداد 2» حول العراق التي يستضيفها الأردن بحضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، برز ما كُشف عن أن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بعثت رسالة إلى وزيرِ الخارجية أنتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين تدعو إلى «مساءلة الذين يقوضون المؤسسات وسيادة القانون في لبنان»، وتحضّ الرئيس جو بايدن على «استعمال كل طرق الضغط بما فيها العقوبات لدفع النواب إلى انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة بهدف تطبيق إصلاحات ضروريّة».
وأكدت اللجنة «حاجة لبنان إلى حكومةٍ منتخبة قوية لا تخضع للتأثير الأجنبي الخبيث وتعطي الأولوية لاحتياجات شعبها»، متهمة «حزب الله» وحليفيه حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» بتعطيل نصاب جلسات الانتخاب الرئاسية (الدورات الثانية).