أدباء ومخرجون ونقاد لـ «الراي»: العادات والتقاليد... تُحكم قبضتها على «سِيَر الروّاد»
أين الدراما عن توثيق الرموز الوطنية؟
«نحن أمة لا تعبأ بالتاريخ»!
لعلّ هذه العبارة التي دُوّنت في سطور هذا الاستطلاع، أظهرت بوضوح الأسباب الرئيسية لعدم تخليد الرموز الوطنية، من فنانين وأدباء ومفكرين ومثقفين، في الدراما الكويتية...
ففيما رأى البعض من الكتّاب والمخرجين والنقاد، أن العادات والتقاليد لا تزال تُحكِم قبضتها على السير الذاتية للروّاد، لغرض بقائها في - سرية تامة - بعيداً عن أضواء الفن والإعلام، ومتاحة فقط للعائلة، كان للقانون رأي آخر، يؤكد على أن الشخصية العامة ليست ميراثاً ولا تركة لورثتها، بل هي إرث مملوك للدولة، ومن حق الفنان أن يجسدها لتوثيق سيرتها في أي عمل، إلا إذا...
«الراي» استطلعت آراء عدد ممن كانت لديهم تجربة في تأريخ السير الذاتية لشخصيات كويتية ملهمة في مجالات مختلفة، فكانت المحصلة على النحو الآتي.
الرفاعي: كتابة السيرة الصريحة تتطلّب استعداداً لتحمّل الضريبة
أشار الأديب طالب الرفاعي إلى أنه «مغرم بكتابات السيرة الذاتية»، مضيفاً «أكتب رواياتي وفق مدرسة (التخييل الذاتي) وأظهر باسمي الحقيقي وأفراد أسرتي ومكان عملي في الكثير من أعمالي الروائية. وهذا يأتي بسبب قناعتي بأن الكتابة الروائية هي توثيق وتأريخ للحظة المجتمعية، وأن حياة وسيرة الكاتب هي جزء أساسي من هذا التاريخ. علماً بأن كتابة السيرة الذاتية الصريحة تتطلب استعداداً كبيراً لتحمل الضريبة الغالية والموجعة المترتبة على ذلك، فنحن ما زلنا نعيش في مجتمعات متعصّبة لا تحتمل الصراحة عبر الكتابة، بل وتعاقب عليها!».
ومضى يقول «كتابة سيرة حياة الآخر بقدر ما تعنى بحياة ونتاج الآخر، فإنها توثّق للحظة مجتمعية عابرة، يمكن اصطيادها وتخليد أحداثها عبر الكتابة. ولذا تتكئ الكتابة هنا عن حياة شخص بعينه، لكنها تقدم مجتمعاً بأسره، خصوصاً إذا ما أُخذ بعين الاعتبار ضرورة توقف كتابات السيرة الذاتية عند حياة وعيش أولئك المبدعين الذين شكلوا رأس حربة في مجتمعاتهم».
عبدالرسول: تثير الجدل والنقاش والخلافات... وتصل إلى أروقة المحاكم
قال المخرج عبدالله عبدالرسول: «أنا شديد الاهتمام بدراما السير الذاتية، وهذا النوع مهم للغاية، يسلط الضوء على السير الذاتية لمنارات كان لها تأثير إنساني وثقافي وبصمة في حقبة من الزمن».
وأضاف «هي تتطلب تجميع كمّ كبير من المعلومات الأرشيفية والمراجعة التاريخية الدقيقة عن الشخصية على مدار فترة زمنية طويلة، تليها مرحلة التحقق من هذه المعلومات، وتأتي بعدها مرحلة خلق الخط الدرامي الذي يبني عليه المؤلف الأحداث البارزة والمؤثرة. هذا النوع من الدراما في بعض الأحيان يواجه محاذير عدم التعرض للجوانب السلبية في الشخصية، ما يضع صنّاع العمل في إطار ضيق خلال المعالجة الدرامية تعتمد على تقديم العمل كصورة ملائكية، ربما تكون مغايرة للحقيقة لأنه يخلو من ملمح الإبداع».
ولفت إلى أن هذه النوعية من الأعمال دائماً ما تثير الجدل والنقاش والخلافات وأحياناً تصل إلى أروقة المحاكم حول مجريات أحداث السيرة الذاتية للشخصية، والاختلاف حول كيفية تناول الشخصية درامياً.
الشطي: ورثة عبدالله فضالة... احتجّوا على «رحلة العمر»
لفت المخرج أحمد الشطي، ابن المخرج القدير الراحل فؤاد الشطي، إلى أن والده سبق وأخرج سباعية في العام 1984 بعنوان «رحلة العمر» تناول خلالها سيرة المطرب عبدالله فضالة، إلا أنها لم تعرض كاملة على شاشة التلفزيون بعدما احتجّ عدد من الورثة، «ومن يومها اعتزل والدي مهام الإخراج التلفزيوني، رغم أنه قدّم المطرب بصورة رائعة ومميزة للغاية، ولم يكن هناك إساءة لأحد»، مشيراً إلى أن السباعية تم عرضها كاملة قبل 3 أعوام على إحدى القنوات التابعة لتلفزيون الكويت.
وألمح إلى أن أكثر الصعوبات التي تواجه صنّاع أعمال السير الذاتية هو رفض ورثة الفنان أو الأديب القيام بتسليط الضوء عليهم في فيلم أو مسلسل، مع أن الروّاد بمثابة إرث وطني وشخصيات عامة، «ولكن بعض أبناء الأسر الكريمة يتحسّسون من الإضاءة على سيرة قريب لهم بحكم العادات والتقاليد، خصوصاً إذا كان محسوباً على الوسط الفني».
محارب: لا بد من تسمية بعض المواقع بأسمائهم
دعا الكاتب والناقد بدر محارب إلى الاهتمام بالرموز الوطنية في المجالات كافة، مبيناً أن الأمم والمجتمعات ترقى وتسمو وتشتهر غالباً بمثقفيها وفنانيها وأدبائها من الروّاد باعتبارهم القوى الناعمة لأي دولة لأنهم سفراء لبلدانهم من دون أن يكونوا سفراء رسميين، كونهم جبلوا على رفع اسم البلد في المحافل والمهرجانات الخارجية العالمية.
وزاد «الرموز الوطنية من المبدعين هم الذي يفصلون عادة بين الغث والسمين، ويعيدون التوازن إلى الساحات الفنية والثقافية والأدبية إذا ساد الارتجال من طرف أرباع المثقفين في المشهد الثقافي، وهم البوصلة والأساس الذي يضبط زمام الأمور. لذا على الدولة أن تعي هذا الدور المهم للروّاد، وأن تسعى لتكريمهم وتقديرهم ورعايتهم ودعمهم، فإذا فقدت دور الرموز وغاب الوعي عن أهمية القوى الناعمة، فلن تتطور أو تتقدم خطوة واحدة للأمام».
وختم محارب «هناك وسائل كثيرة لتكريمهم، من خلال إطلاق أسمائهم على المواقع الثقافية والفنية المهمة، أو إطلاق أسمائهم على المهرجانات أو على جوائز كبرى أو حتى تسمية بعض الشوارع بأسمائهم، فإن تكريمهم هو دليل وعي لدى الدولة».
خسروه: نحن شعوب لا تهتم بتوثيق تاريخها
قال المخرج رمضان خسروه إن «هناك أعمالاً سبق وأضاءت على هذا الجانب، كمسلسل (الرحلة والرحيل)، الذي جسد فيه الفنان علي البريكي شخصية الشاعر فهد العسكر في مرحلة شبابه، واستكملها الفنان عبدالرحمن الضويحي في مراحلها التالية، بالإضافة إلى مسلسل (عيال المباركية) الذي تم عرضه أخيراً على الشاشة، وعمل على توثيق بعض الشخصيات البارزة في تاريخ الكويت»، مردفاً «كما اجتهدنا نحن في تقديم فيلم (حبيب الأرض) حيث يُوثق مسيرة الشهيد الشاعر فايق عبدالجليل».
ولفت خسروه إلى أن ما يعرقل ظهور مثل هذه الأعمال ليس افتقارنا للنص أو الرؤية الإخراجية أو الممثل المحترف والمتخصص، مثل أحمد زكي أو غيره، «بل عندنا فنانون كبار ومبدعون مثل الفنان خالد أمين من الكويت، وعبدالمحسن النمر من السعودية، وهناك آخرون من دول خليجية عدة. المشكلة الأساسية تكمن في الفكر، فنحن كدول وشعوب خليجية لا نعبأ كثيراً بتدوين التاريخ، والدليل على ذلك أنه حتى التاريخ المبني على يد الإنسان مثل المدينة الترفيهية وغيرها، تم هدمه ولم نحافظ عليه، بالإضافة إلى تبدل منطقة شرق التراثية لتصبح منطقة تجارية، وهناك الكثير من المواقع الأثرية التي أصبحت في طي النسيان، فما بالكم بالتراث الإنساني والإبداعي؟».
الصالح: الشخصيات العامة... جزء من تراث كل أمة
رأت المحامية إيلاف الصالح أن «المسلّم به أن الشخصيات العامة هي جزء من تراث كل أمة، فتحرص الأمم على تخليد ذكراهم ونشر سيرهم، كونهم منوط فخرها وكنوع من التكريم لهم وكحافز للشبيبة من بنيها ليحذو حذوهم وينهجوا نهجهم ويسيروا على درب نجاحهم وجدهم واجتهادهم».
وأضافت «ومن ثم، فهذا التراث مملوك للأمة بأسرها، فيجيز القانون للأدباء والكتّاب والفنانين تجسيد هذه الشخصيات في أعمالهم الفكرية والأدبية أو الفنية لإبراز الضوء على مسيراتهم وجعلهم نباريس يحتذى بهم، فلا سلطان ولا ولاية للأهل أو الورثة في حجب هذه الأعمال أو منعها، فالشخصية العامة ليست ميراثاً ولا تركة لورثتها».
واستدركت قائلة: «وفي المقابل، على الأديب أو المفكر أو الفنان أن يراعي المصداقية في عمله وعدم تقديم الشخصية محل العمل بصورة تسيء إليه، وفي هذه الحالة يجوز للأهل والورثة المطالبة بوقف العمل الفني أو منع نشر العمل الأدبي والمطالبة بالتعويض الجابر للضرر المعنوي الذي لحق بهم وهذا حقهم».
4 سير ذاتية
كتب الأديب طالب الرفاعي ونشر سيرة أكثر من أديب وشخصية كويتية، مشيراً إلى «أن قلة قليلة أولئك الذين يُكتب لهم أن يكونوا مؤثرين في مجتمعاتهم ومحيطهم الأبعد، من خلال ما يقدمون من فكر وإبداع ومثاقفة. وبالتالي يُشار إليهم أثناء عيشهم ويبقى حاضراً ذكرهم بعد مماتهم».
وأضاف «من هنا أجد لديّ رغبة متجددة في الكتابة عن المفكرين والأدباء والفنانين الكويتيين، وقد صدرت لي أربعة سير ذاتية بصيغ مختلفة هي: (عبدالرزاق البصير.. رجل وقضية) في العام 2000، و(إسماعيل فهد إسماعيل.. كتابة الحياة وحياة الكتابة) العام 2009، رواية (النجدي) سنة 2017، وتتناول سيرة حياة النوخذة علي ناصر النجدي، و(عبدالعزيز حسين.. رجل فكر ودولة) سنة2021)».