منذ الثورة الصناعية الأولى، يعتبر التعاون بين مؤسسات التعليم العالي والقطاعين العام والخاص عاملاً أساسياً في إعداد وتنفيذ خطط التنمية الاستراتيجية. وفي العقود الأخيرة، بسبب تزايد وتيرة الطفرات والتحوّلات الاقتصادية، وتزامنها مع تسارع تطور العلوم والتكنولوجيّات وتكاثف تطبيقاتها، تضاعفت كثيراً أهمية هذا التعاون، ولم تعد مستوياته السابقة المتدنّية كافية ولا أنماطه التقليدية المحدودة مقبولة.
لذلك نجد أن الرئيس المؤسس لجامعة (Skolkovo Institute of Science and Technology) الحديثة المتميّزة، أستاذ الطيران والملاحة الفضائية والنظم الهندسية في جامعة (MIT) المرموقة الشهيرة، البروفيسور إدوارد كراولي، يدعو إلى تحسين وتعميم مساهمات الجامعات في تنمية الاقتصاد، من خلال تحفيز تبادل المعرفة (Knowledge Exchange)، أي عبر تدفق الأشخاص والأفكار والتقنيات بين مؤسّسات المعرفة (مؤسسات التعليم الجامعي والبحث العلمي والابتكار) وبين القطاعين العام والخاص.
لذلك، ألّف البروفيسور كراولي، وثلاثة أكاديميين بارزين، كتاباً قبل عامين عنوانه «الجامعات كمحركات للتنمية الاقتصادية»، عرضوا فيه 17 ممارسة وطريقة ملموسة و43 دراسة حالة لإعادة صياغة وتشكيل مهام مؤسّسات المعرفة لتكون أفضل وأسرع في تلبية احتياجات النمو الاقتصادي والتعافي من الأزمات الاقتصادية كأزمة «كوفيد-19».
من جهة أخرى، استحدث عدد من الجامعات البريطانية مساراً جديداً لترقية أعضاء هيئة التدريس، هو مسار تبادل المعرفة (Knowledge Exchange) مع القطاعين العام والخاص، موازياً للمسارات التقليدية الثلاثة: الأكاديمي والبحثي والتدريسي. وتتطلب المسارات الأربعة مساهمات في تبادل المعرفة إلى جانب المساهمات في التدريس والبحث العلمي، ولكن بنسب متفاوتة.
المراد أن العديد من الجامعات يشترط لترقية أعضاء هيئة التدريس وجود مساهمات في تبادل المعرفة، وعدد من الجامعات خصّص مساراً للترقية معياره الأساس هو مساهمات تبادل المعرفة.
وكذلك تُموّل الحكومة البريطانية جزئيّاً – بنسبة كبيرة – برنامج شراكات نقل المعرفة (KTP) بين ثلاثة أطراف هي: شركة وجامعة وخرّيج متفوّق، بهدف تحسين إنتاجية شركات القطاع الخاص وتعزيز قدرتها التنافسية، فضلاً عن تحفيز الابتكار، من خلال الاستخدام الأمثل للمعرفة والتكنولوجيا والمهارات. وتشير البيانات المتاحة في موقع وكالة الابتكار في المملكة المتحدة (Innovate UK) على شبكة الإنترنت، إلى أنه يشارك حالياً ما يقارب 800 شركة و100 مؤسسة معرفية وأكثر من 800 خريج في (KTP).
في الكويت، التعاون بين مؤسّسات المعرفة، وتحديداً مؤسّسات التعليم العالي، وبين القطاعين العام والخاص غالباً أحادي الاتجاه ومنعزل عن الابتكار. ولكن ظهرت لدينا بعض الاستثناءات الواعدة، كمشروع مركز التدريب التمريضي المسمّى «مستشفى الكويت الافتراضي» المعروض في الورقة العلمية المنشورة في إصدار يوليو 2022 من مجلّة (International Journal of Educational Policy Research and Review).
من الصور الجميلة في هذا المشروع – الرائد في منطقة الشرق الأوسط – كونه متوافقاً مع برنامج (KTP) البريطاني، حيث إنه يتضمّن الأطراف الثلاثة: الشركة التي سوف تدير المركز التدريبي، وكلية التمريض ممثلة بالباحث الرئيسي للورقة العلمية الدكتورة منى الشمري، والخرّيجة أبرار الميرزا، الممرّضة في مستشفى جابر الأحمد للقوات المسلحة والطالب المتوقّع تخرجه خالد السعيد.
المشروع سوف يضاعف السعة والقدرة التدريبية للكلية ويحصّنها ضد الأزمات المماثلة لأزمة «كوفيد-19»، ليس فقط لأنه يتيح التدريب عن بعد، بل أيضاً لأنه يتضمّن مراقبة وضبط جودة خدماته التدريبية لكونه يستقبل «بمقابل مالي» متدربين من المستشفيات الحكومية والخاصة.
وعليه، ومن أجل تحقيق نقلة نوعيّة في مؤسّسات التعليم العالي، أناشد مجلس الوزراء الموقّر إلى تبني مشروع «مستشفى الكويت الافتراضي»، ثم أدعو وزارة التعليم العالي إلى دعم مبادرات استنساخ المشروع في الكليات التطبيقية الأخرى، كما أدعو مؤسسات التعليم العالي إلى زيادة ثقل مساهمات تبادل المعرفة في لوائح الترقية الأكاديمية، ولو على حساب الإنتاج العلمي، أُسوة بالجامعات التي تنمّي اقتصاد دولها...
اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
abdnakhi@yahoo.com