اللغاتُ تمرضُ وتموت كالبشر.
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام تمرّ علينا مناسبة (اليوم العالمي للغة العربية)، تلك اللغة التي كرّمها الله عز وجل بأن جعلها لغة العبادة للمسلمين، وبهذه المناسبة أصدرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بياناً حذرت فيه من المخاطر التي تهدد مستقبل اللغة العربية، ودعت الدول العربية إلى تعزيز مكانة هذه اللغة في مختلف مجالات الحياة، كما نبهّت المنظمة العربية التابعة لجامعة الدول العربية، نبهّت، من الأضرار التي تصيب اللغة العربية في مواصلة الاعتماد على اللغات الأجنبية للتدريس في غالبية جامعات الدول العربية؛ بل تعدّى ذلك إلى الاعتماد على اللغات الأجنبية في التعليم العام في بعض الدول العربية.
انتهى التحذير والتنبيه الذي يتكرر كل عام، وبالطبع لن يتغير شيء، وسوف تستمر معاناة اللغة العربية حتى يأتي يوم نقرأ فيه القرآن ولا نفهم معناه؛ ثم يأتي يوم آخر لا نعرف فيه كيف نقرأ القرآن؛ بل نُردده في صلاتنا لزوم العبادة فقط، وعلى العرب أن يقرأوا كتاب الله مُترجماً، كما يفعل اليوم المسلمون الذين أهملوا لغة الإسلام.
ماذا تتوقعون؟!... هذه لا بد أن تكون النهاية بعد ألف أو ألفي عام، فاللغات تَمرَضُ وتموت كما يمرض ويموت البشر؛ ولكن بأعمار أطول، اللغة العربية اليوم مريضة، لم تدخل غرفة الإنعاش ولن تدخُلها قريباً، فما زال في هذه الأمة رجال ونساء يدافعون عنها ويستمتعون بها، لكن هؤلاء يعانون من تناقص الأنصار وتزايد الأعداء، نعم هناك أعداء للغة العربية معظمهم من العرب أنفسهم.
لكن لماذا يكره العرب لغتهم ؟... هل لأن البعض تربى في الغرب فأراد أن يكون واحداً منهم في كل شيء؟... هل لأن بعض علماء اللغة لدينا لا يريدون أن يُطوروا لغة الضاد لتبسيط الحديث فيها؟ هل لأن هناك من عادى دين الإسلام فعادى بالتبعية لغة القرآن؟... هل هناك من لا يؤمن بقدرات لغة الضاد على مسايرة العلوم؟... هل لأن هناك من العرب من ارتبط بلهجة قومه وقبيلته فثقُلَتْ عليه اللغة العربية؟ كثُرَت الأسباب والهدف واحدٌ، إنها اللغة العربية، لغةُ الإسلام، التي تأتيها الهَجمات من كل حدبٍ وصوب.
ما أجمل أن تقرأ كتاب الله باللغة التي أُنزِل بها، نعمةٌ والله وأيةُ نعمة، أوصاف كالدُّرر لا تُدركها لغة غير اللغة العربية، ولن يرجِفَ لك قلبٌ؛ أو يرتعشَ فيك بدنٌ ما لم تسمع كلام الله يُتلى عليك بحروف النور تلك.
إنها لغةُ القلوب والخيال، لغةُ المشاعر والأحاسيس، لا تَمَّلُ من سماع الوصف فيها، فهي قادرة على تمحيص النور إلى أطيافٍ تُلامس قلوبَ المحبين وأفئدةَ الشعراء، ما أجمل اللغة العربية؛ ولعّل الأجدر بنا جميعاً، كمسلمين، أن ندافع عنها ونتوسع في استخدامها.
وأختم مقالي بأبياتٍ نظمتها بقصيدة عن اللغة العربية نشرتها قبل سنوات في مجلة البيان تحت اسم (لغة الطير):
قالوا هي البحر في أحشائها درر
بل هي الزهر في أحضانها العسل
يا مُطلق الوصف من أوتارها نغما
يا مُلهم الطيّر من أوزانها المثل
لا تحسب النجم يرضى غيرها بدلا
من مثلها أحرف تسري فتشتعل
قول من الحُسن مرسوم بقافية
يُصغي لها كل من بالعشق يكتحل
يا أحرف الوجد كم أبدعت من نغم
يشدو بها الذِكرُ والأشجان والمُقل