الراعي: لا مناص من التدويل بعد فشل كل الحلول الداخلية
لقاء محمد بن سلمان - ميقاتي... تكريس «الدعم الإنساني» للبنان
- إشكال الأشرفية بعد فوز المغرب في المونديال... سوء تقدير أم سوء نية؟
طغى اللقاءُ الرسمي الذي عُقد بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على المشهد المأزوم في لبنان، وسط عملية «تقفي أثَر» ملابسات حصول هذا التطور وتأثيراته على صعيد العلاقات بين بيروت والرياض والتي انطبعت في الأعوام الأخيرة بـ «برودةٍ» كانت تتعمّق ديبلوماسياً وسياسياً كلّما ازداد انزلاق «بلاد الأرز» نحو المحور الإيراني واتسعتْ رقعة «الأدوار الساخنة» لـ «حزب الله» في ساحات المنطقة لاسيما الملف اليمني.
وغداة استقبال محمد بن سلمان، لميقاتي في الرياض، بعدما كان الأخير شارك في القمة العربية - الصينية، وهو اللقاء الذي أعطتْه الرياض طابعاً رسمياً كرّسه نشر وزارة الخارجيّة أمس، البيان الخاص الذي صدر عنه، حاذرتْ أوساطٌ مطّلعة في بيروت الإفراطَ في إعطاء أبعاد سياسية مبالَغ بها لهذا الاجتماع، وهو الأول من نوعه المعلَن، بعد الاتصال الثلاثي الذي جَمَع ولي العهد السعودي ورئيس الحكومة اللبنانية والرئيس الفرنسي إبان زيارة إيمانويل ماكرون لجدة في ديسمبر العام 2021.
واعتبرتْ الأوساطُ أن اللقاءَ لا يحتمل التعاطي معه على أنه إشارة لمعاودةِ انخراط المملكة في الملف اللبناني عبر دعْمٍ مباشر للدولة التي يتداعى هيكلها تحت وطأة انهيارٍ يتشابك في مسبّباته الماليّ بالسياسيّ ذات الصلة بالتموْضع الإقليمي للبنان، لافتةً إلى أن الرياض سبق أن حددتْ مراراً، وكان آخرها في البيان الذي صدر عن القمة السعودية - الصينية ثم عن قمة مجلس التعاون الخليجي، «خريطة الطريق» لتطوير «الممرّ الإنساني» الذي تتشارك فيه مع باريس نحو إسنادٍ (سياسي ومالي) موْصول بالإصلاحات الاقتصادية واستعادة الدولة مكانتها وسلطتها وبدء معالجة مسألة «حزب الله» وسلاحه.
ونَقلت محطة «أم تي في» أمس، عن مصادر حكومية أن لقاء ولي العهد وميقاتي «كان جيداً» و«جاء ثمرة اتصالات مكثفة بدأت بين ميقاتي والجانب السعودي وتكللت باللقاء الرسمي يوم السبت».
وأكدت أن الاجتماع «يُعطي دفعاً إضافياً لاستمرار العمل بالمساعدات الإنسانية وتفعيل الصندوق الفرنسي - السعودي لدعم الشعب اللبناني»، معتبرة أن من المبكر الحديث عن مساعدات سعودية مالية للبنان.
وكان البيان الذي صدر عن لقاء محمد بن سلمان - ميقاتي رسم بوضوح «حدودَه»، إذ أشار إلى أن ولي العهد «أكد حرص المملكة على أمن لبنان واستقراره، وعلى استمرار الدعم الإنساني الذي تقدّمه المملكة وفرنسا للشعب اللبناني الشقيق»، ناقلاً عن ميقاتي تأكيده «التزام الحكومة اللبنانية باتخاذ كل الخطوات التي تمنع الإساءة إلى السعودية وكل الدول العربية لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي».
ووفق البيان «تم التأكيد على أهمية انتخاب رئيس للبنان وتنفيذ الإصلاحات التي يتطلع إليها الشعب والمجتمع الدولي».
ولم يحجب هذا التطور البارز الأنظار عن «الاحتراب» السياسي الداخلي الذي يُشكّل الاستحقاقُ الرئاسي مسرَحه الرئيسي والذي تَمَدّد سريعاً إلى ملعب حكومة تصريف الأعمال التي انتقلتْ إليها «كرة نار» الشغور الرئاسي، منذ أن دعا ميقاتي إلى اجتماعٍ لمجلس الوزراء الإثنين الماضي، عُقد «بمن حضر» وفي ظل مقاطعة ثلث الوزراء الذين يمثلون فريق الرئيس السابق ميشال عون، وهو ما تم وضْعه في إطار «ليّ الأذرع» بين «التيار الوطني الحر» (برئاسة النائب جبران باسيل) وبين خصومه من «الائتلاف الواحد» لاسيما «حزب الله» على خلفية عدم التقائهما «على موجة واحدة» في مقاربة الانتخابات الرئاسية في ضوء دعم الحزب لسليمان فرنجية وإصرار باسيل حتى الآن على شعار... لا أحد.
ولم يكن عابراً أمس وبعدما نقل عون وباسيل «الأزمة الكبيرة» إلى الكنيسة المارونية، أن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي صاغ موقفاً «مدوْزناً» ناشد فيه الحكومة «التأني في استعمال الصلاحيات حرصاً على الوحدة الوطنية ومنعاً لاستغلال البعض مثل هذه الاجتماعات لأغراض سياسية وطائفية»، مبدياً أسفه لأن «الحكومة عقدت جلستها بمَن حضر وكان ما كان من معارضة».
وشدّد على «أن لا مناص من تدويل القضية اللبنانية بعد فشل كل الحلول الداخلية، ومن هنا ضرورة التوجه إلى الأمم المتحدة ودول القرار لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان».
وفي ظلال الصخب السياسي، «اهتزّت الأرض» أمنياً مع إشكال كبير وقع ليل السبت إثر دخول شبان على متن عشرات الدراجات النارية إلى منطقة الأشرفية، رافعين أعلام المغرب وفلسطين وسورية، عقب فوز المغرب على البرتغال في ربع نهائي مونديال قطر.
وأشارت تقارير إلى أنه مع وصول الدراجات إلى ساحة ساسين التي تزخر بأجواء الميلاد، بدأوا بإطلاق عبارات استفزازية وشعارات أمام شجرة الميلاد العملاقة، ما استفزّ شباب المنطقة فحصل اشتباك وتوتّر أدى إلى سقوط جرحى قبل أن يطوّق الجيش الإشكال الخطير.
وبمعزل عما إذا كان الشبان الذين دخلوا الأشرفية هم من الضاحية الجنوبية لبيروت (معقل «حزب الله»)، كما تحدثت تقارير أوّلية وناشطون على مواقع التواصل، أو من الطريق الجديدة (ذات الغالبية السنية) كما أفيد لاحقاً، فإن ما جرى عَكَس حجم الاحتقانات في الشارع القابل للاشتعال بأي عود ثقاب، وسط تساؤل بعض الأوساط من المعارضة، هل ما حصل في الأشرفية هو مجرّد سوء تقدير أو ينطوي على سوء نية بهدف تزخيم حيثيات الحوار الذي يسعى الرئيس نبيه بري لإحيائه حول الملف الرئاسي بحلول الخميس موعد الجلسة العاشرة للانتخاب فتُستبدل بطاولةٍ لم يكتمل بعد نصاب الموافقة عليها من كل الكتل لاسيما المسيحية، وسط تحبيذ «القوات اللبنانية» آليةً للحوار بحيث يكون من ضمن جلسة الانتخاب «ودوراتها المتتالية».