أثناء دراستي في مدينة غلاسكو الإسكتلندية، لاحظت أن مياه الأمطار فيها لا تتجمع إلا نادراً وبمساحات محدودة. وذلك بفضل كفاءة منظومة صرف مياه الأمطار فيها، ليس فقط شبكة مجاري صرف مياه الأمطار، بل أيضاً الأنهر والطرق والشوارع الرئيسية والفرعية وممرّات المشاة على جانبيها، باستثناء أنفاق قطارات تحت الأرض، حيث كانت حركة قطارات الأنفاق تُعطّل كلما سقطت أمطار غزيرة لفترة طويلة.
في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، تعرّضت غلاسكو والمناطق المحيطة بها إلى موجة أمطار غزيرة بمعدل ولفترة غير مسبوقتين، فغرقت الشوارع وشلّت حركة السيّارات في العديد من الطرق وفاضت الأنهر وتضرّر الكثير من المرافق.
واستضافت إحدى قنوات التلفزيون دكتور جامعة، خبير منظومات صرف مياه الأمطار، مستشار الجهة المعنية بإدارة شبكة مجاري صرف مياه الأمطار في المدينة، للحديث حول أسباب فشل الشبكة في تلك الفترة. فأكّد المستشار أن سعة الشبكة كانت مناسبة لصرف مياه الأمطار التي هطلت على المدينة، ولكنها فشلت بسبب ارتفاع منسوب مياه النهر الرئيسي بالمدينة. حيث عجز النهر عن صرف مياه الأمطار التي وصلت إليه مباشرة من ضفتيه، والمياه التي وصلت من المناطق البعيدة عبر الأنهر الفرعية وشبكات مجاري صرف مياه الأمطار المتصلة بالأنهر الرئيسية والفرعية.
وضمن ردّه على سؤال في شأن كيفية تفادي تكرار الأزمة في موجات المطر المماثلة، أوضح المستشار أنه يجب توسعة أو تعميق بعض قطاعات الأنهر الرئيسية والفرعية بمقادير حدّدت باستخدام برنامج إلكتروني لمحاكاة صرف مياه الأمطار، ولكنه استبعد أن تخصّص الدولة الميزانية المطلوبة لتوسعة وتعميق الأنهر، لضخامة التكلفة ولاعتقادها أن موجة الأمطار لن تتكرّر قبل مرور عشرات السنين. ثم عقّب قائلاً إن تغيّر المناخ حقيقة لا يمكن إنكاره، وموجات الأمطار الغزيرة سوف تتكرّر بوتيرة متسارعة وبشدّة متزايدة.
توقّعات المستشار تحقّقت، فلم تخصّص الميزانية المطلوبة لتوسعة وتعميق الأنهر، وموجات الأمطار الغزيرة تسارعت وتيرتها وتزايدت شدّتها، وشوارع غلاسكو غرقت مراراً بمياه الأمطار، وكان أحدثها قبل قرابة شهر، كما تكرّرت الفيضانات في إسكتلندا، وكان آخرها قبل أسابيع قليلة.
هناك مقاربات ومفارقات بين أزمتي الأمطار في إسكتلندا والكويت. فالمقاربة الأولى في أن شبكتي مجاري صرف مياه الأمطار لديهما غير قادرتين على استيعاب التفاقم المستمر في التطرّف المناخي، وتحديداً الزيادة في معدلات ومدد تساقط الأمطار الغزيرة. والمقاربة الثانية في أن كفاءة كلتا الشبكتين تعاني وتتدهور بسبب ترسبات الطبيعة، أوراق الأشجار بإسكتلندا والغبار والأتربة بالكويت. والمقاربة الثالثة في استعانة الحكومتين بالمستشارين الخبراء في شؤون منظومات صرف مياه الأمطار.
وأمّا المفارقات، فالأولى في أن إسكتلندا تستعين بالمستشارين بشكل تكاملي دائم، خصوصاً في ترشيد قرارات ومشاريع تحديث وتطوير منظومة صرف مياه الأمطار، وأما في الكويت فالاستعانة بالمستشارين متقطّعة، وغالباً تكون بغرض التحصين من المساءلة النيابية، وأحياناً تكون بتعيين مُقرّب من نائب لترضية سياسية.
والمفارقة الثانية في أن عقود تصميم وإشراف وتنفيذ وتشغيل وصيانة منظومات صرف مياه الأمطار في إسكتلندا غالباً تخلو من مظاهر الفساد وجرائم التطاول على المال العام، ولكن في الكويت العديد من تلك العقود شابتها شبهات فساد وتطاول على المال العام.
والمفارقة الثالثة في أنه بإسكتلندا لجان التحقيق البرلمانية تكشف وتدين المقاولين المقصّرين في عقود منظومات صرف مياه الأمطار، ولكن في الكويت لجنة تحقيق برلمانية – حول إحدى أزمات الأمطار – تستّرت على تقصير مقاولين، وأعضاء اللجنة نجحوا في الانتخابات اللاحقة، وسقط النائب الذي كشف زيف تقرير اللجنة.
لذلك، ولكي «يصير مطرنا مثل مطرهم» يُحظر ويُدان المقاولون المقصّرون، أناشد الحكومة إدماج المستشارين بالوزارات، وأناشد الناخبين رصد وتقييم أداء النوّاب وإدماجهما بالاختيار... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com