No Script

لا نجاح للوساطة الروسية مع «قسد» ولا دخول تركياً قريباً إلى سورية

عناصر من «قسد» في شمال سورية
عناصر من «قسد» في شمال سورية
تصغير
تكبير

تتحرك روسيا بقوةٍ على خط الوساطة بين دمشق وأكراد «قسد» وتركيا، في محاولةٍ للحؤول دون قيام أنقرة بعملية عسكرية كبيرة في الشمال السوري وإقناعها بخفض التصعيد.

إلا أن كل المحاولات لم تصل إلى المستوى الكافي على الرغم من إعلان أميركا أنها تقف ضدّ هذه العملية، في إعلانٍ خجول أغضب «قسد» ولم يُقْنِع الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يوظّف أوراقَه في اتجاهاتٍ عدة داخلية وخارجية.

ينتظر أرودغان استحقاق الانتخابات الرئاسية في يونيو المقبل في وقتٍ وصلت نسبة التضخم إلى أعلى مستوى لها منذ 24 عاماً، وبلغت 84.4 في المئة (انخفضت من 85.5 في المئة الشهر الماضي) وسط تململ الأتراك من ارتفاع الأسعار وتدهور الوضع المعيشي.

ومن المؤكد أن الرئيس التركي لا يحبذ رؤية عدد لا يُستهان به من الجنود عائدين جثثاً، لأن أي عملية عسكرية - مهما كانت ناجحة - ستتسبب بخسائر بشرية في صفوف الجيش.

وتالياً فإن المكتسبات الجغرافية لا تخدمه كثيراً في معركته الانتخابية المقبلة، بل تضعف حظوظَه أمام خصومه، في وقتٍ ترتفع أصوات من الداخل تدعو إلى ضرورة خفض التصعيد مع العراق وسورية وإمكان عقد لقاء بين أردوغان والرئيس بشار الأسد ووضْع حد للحروب على الحدود التركية وعودة المهجرين السوريين (4 ملايين في تركيا) إلى بلادهم لتخفيف العبء الاقتصادي.

أما على الصعيد الدولي، فإن أنقرة تلعب أدواراً إستراتيجية فريدة بين أوكرانيا وروسيا لتكون هي همزة الوصل لاستضافة المحاولات (غير الناجحة لغاية الآن) لخفْض التصعيد والسماح بتصدير الحبوب الأوكرانية إلى العالم وإزالة التوتر في البحر الأسود.

ولتركيا دورٌ في الانفتاح الاقتصادي الروسي والإيراني على العالم على الرغم من العقوبات الغربية على الدولتين، من دون أن يكون لذلك انعكاساتٌ على أنقرة وتعاطي الغرب معها.

وهي تمنع وصول أعداد كبيرة من المهاجرين إلى أوروبا وكذلك، لها، بِحُكْم وجودها في حلف شمال الأطلسي، الكلمة الفصل الأخيرة بقبول أعضاء جدد إذا وافقتْ جميع الدول الأخرى على ذلك.

ولهذا فإن أميركا لا تريد إغضاب تركيا وتنتظر منها قبول عضوية فنلندا والسويد داخل «الناتو».

بالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة تتوقّع من اردوغان الا يستخدم العصا الغليظة ضد حلفائها الأكراد وأن يمتنع عن استخدام القوة العسكرية المفرطة.

فواشنطن أعلنت أنها تقف ضد أي عملية عسكرية شاملة داخل الأراضي السورية وأنها لا توافق على طلب أنقرة إنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود السورية على حساب حلفائها الذين يحمونها في المناطق التي توجد فيها القوات الأميركية وقوات «الناتو».

إلا أن واشنطن غضّت النظر عن أكثر من 400 غارة تركية نُفذت منذ بدء عمليتها العسكرية «المخلب السيف» في الـ20 من الشهر الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، قلصت أميركا من 15 إلى 4 الدوريات المشتركة الروتينية مع الأكراد لتفادي تَعَرُّض قواتها لضربات تركية عن طريق الخطأ ولتحاشي غضب الأكراد الذين يشعرون بأن واشنطن تخلّت عنهم أو على الأقل لا تفعل ما يجب لوقف الخطر التركي المستمر والقصف الذي يطاول يومياً الأراضي السورية التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب الكردي» التي تُعرف بـ«قسد».

وطالت الضربات التركية بالطائرات المسيَّرة سيارات وأهدافاً لقادة أكراد وكذلك مضخات النفط والغاز ومناطق معالجة النفط وتكريره، وهي تُعتبر مصادر ضخمة تدرّ على أكراد سورية مئات الملايين من الدولارات شهرياً.

وأكد وزير النفط والثروة المعدنية السوري بسام طعمة أن «الضربات الجوية التركية ألحقت أضراراً جسيمة بالمنشآت النفطية وأوقفت إنتاج الغاز المنزلي ومحطات كهرباء الحسكة وتسببت بتلوث بيئي كبير وضربت شبكات الكهرباء في المحافظة».

وأكد أن خسائر سورية من النفط بلغت 91.5 مليار دولار.

وكان قائد القوات الروسية في سورية اللواء الكسندر شايكو، وصل صباح الاثنين إلى مطار القامشلي للقاء قائد «قسد» مظلوم عبدي ومتابعة التفاوض الذي بدأت به موسكو قبل أعوام خصوصاً منذ أسبوعين عندما باشرتْ القوات التركية دكَّ المواقع الكردية.

ولم ينجح شايكو في إقناع «قسد» بالتوصل إلى صيغة مشتركة والانسحاب مسافة 32 كيلومتراً (20 ميلاً) من الحدود في مقابل تَسَلُّم الجيش السوري النظامي المناطق المحددة، كما جرى الاتفاق عليه في سوتشي عام 2019.

وبموجب هذا الاتفاق، كان يفترض لدوريات روسية - تركية مشتركة أن تتأكد من خلو مناطق عملية «نبع السلام» في شمال سورية من أي مسلّح كردي.

وأعلنت تركيا أنها لا توافق على وجود رمزي لقوات دمشق بل على الأكراد مغادرة المنطقة فوراً.

إلا أنه من المستبعد جداً ان تسلّم «قسد»، منبج وتل رفعت وعين العرب في ريف حلب الشمالي من دون قتال حتى ولو أدى ذلك إلى هزيمتها وسيطرة تركيا عليها، تماماً كما حصل في محافظة عفرين عام 2019 حين رفضت القوات الكردية تسليمها لدمشق وفضّلت إخلاء المحافظة بعد انكسار القوات وانتصار تركيا عليهم.

وبحسب المعلومات الواردة من الشمال، لم تطلب أنقرة من حلفائها السوريين أي من «هيئة تحرير الشام» - المتمرّسة بالحروب والتي دعمت التقدم التركي في الشمال الغربي السوري - التحضّر للعملية البرية.

وهذا دليل حسي على أن توقيت العملية البرية مازال بعيداً وأن تركيا مازالت تدرس خياراتها من دون أن توقف استهدافها الجوي بمسيّراتها المتطورة والتي قلبت المعادلة العسكرية في ليبيا وأوكرانيا وأذربيجان وحتى في سورية في معركة إدلب وأريافها قبل عامين ضد الجيش السوري وحلفائه.

ومما لا شك فيه ان أردوغان برع في استخدام أوراقه الخارجية الرابحة وهو يستغلّها لمصلحته نظراً إلى حاجة كل الدول للدور الجيو- سياسي التركي، وحتى تلك المتحاربة حالياً على أرض أوكرانيا، مثل أميركا وروسيا، بما يجعله يحافظ على إمساك العصا من الوسط للاستفادة من الأوضاع الحالية والفرصة المقدَّمة له.

وتالياً فإن التخلي عن إبقاء هذا التوازن سيُفْقِدُه ورقةً مهمة إذا أدخل قواته إلى شمال سورية.

أجاد الرئيس التركي اللعب على توازن الحبال الخارجية وأعصاب الأكراد من «حزب العمال الكردستاني» - الفرع السوري.

إلا أن التلويح بالمعركة من المتوقع ألا يحصد النتيجة المرجوة من أكراد سورية الذين يحافظون على عدائهم لتركيا ولن يتخلوا عن مكتسباتهم لدمشق إلا في حال انسحاب أميركا التي يبدو أن لا نيةً لها بذلك في القريب العاجل.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي