من أين يُنفق المجمّدة ثرواتهم في الكويت بسخاء؟
- ملايين بعض المُدانين بالاستيلاء على الأموال مودعة في بنوك خارجية وحساباتهم المحلية فارغة
- بعض المُدانين مُعاقب برد منفعة تقارب 10 ملايين دينار ومحروم من التصرف بأسهمه
هل طرأ على بالك يوماً ما، من أين ينفق المعاقَبون قانوناً في الكويت بتجميد كل أرصدتهم في البنوك المحلية بما فيها الأفرع الأجنبية، مع منعهم من التصرف بأسهمهم؟
بالطبع، حيّز حيرتك سيزداد اتساعاً إذا علمت أن بعضهم لا يملك ديناراً واحداً في حساباته المفتوحة بالكويت، وأنهم رغم ذلك لا يزالون ينفقون بالسخاء نفسه الذي كان يميز سلوكهم قبل صدور أحكام تجميد أموالهم، دون أن يضطروا للاقتراض من العائلة أو من صديق.
كما من الواضح أنهم لا يعتمدون في تغطية مصاريفهم على حساب «المدام» المصرفي، فضلاً عن أنه غير معلوم إن كانت لديهم وظائف أو أعمال تجارية.
ما سبق ليس حواراً افتراضياً، أو محاكاة نظرية لقصص الواقع، بل حدث بالفعل خلال الأيام الماضية، حيث التقى مسؤول حالي بإحدى الشركات التي تساهم فيها جهات حكومية بحصة مؤثرة، بمسؤول سابق في الشركة نفسها، صدرت بحقه عقوبة تلزمه برد نحو 10 ملايين دينار قيمة المنفعة التي تحصّل عليها من تصرفاته عندما كان يعمل بالشركة قبل عامين.
غير مألوفة
وفي التفاصيل، وأثناء مرور مسؤول الشركة الحالي بأحد الأسواق تفاجأ بشخص بدا أنه يعرفه جيداً، أو هكذا أظهر، رغم أن ملامحه لا تبدو مألوفة له بالمرة، وقبل أن يضطر لجرد كامل ذكرياته، أملاً في استذكار وجهه في مناسبة هنا أو هناك، بادره المضيف بأنه (فلان بن فلان) المسؤول السابق بالشركة والمُدان في قضية الشركة والتي اتهم فيها مع آخرين بالاستيلاء على أموال الشركة.
وبعد انتهاء مراسم التعارف التقليدية، التي استغرقت أقل من دقيقة، دعا المسؤول السابق المسؤول الحالي لارتشاف فنجان قهوة، لتلمع في عيني الأخير فكرة ذكية مفادها (سأقبل دعوته لأعرف كيف سيدفع فاتورته).
الفخ الذي حاول المسؤول الحالي نصبه ليس لاختبار ما إذا كان الشخص يملك في جيبه «الكاش» لدفع قيمة القهوة التي لن تتجاوز قيمتها مع «الإكرامية» دنانير تعد على أصبع اليد الواحدة، بل لاستكشاف ما إذا كان السحب سيتم من حساب بنكي قد تكون الجهات الرقابية غافلة عن تجميده، ووقتها سيسرع بمخاطبة البنك المحلي ويذكّره بتجميد ما تبقى من الرصيد ومن ثم استرداده لصالح الشركة التي تكافح التعثر وتعقيدات سداد مصاريفها التشغيلية وأقساط ديونها يوماً بيوم.
شطر أول
لكن على قاعدة «يا فرحة ما تمت»، أخرج المسؤول السابق من جيبه بالفعل بطاقة بنك ليتحقق مع ذلك الشطر الأول من تكهن المسؤول الحالي، وهو الدفع إلكترونياً، إلا أن أم المفاجآت تحققت بعدما تبين أن البطاقة المستخدمة تعود لحساب مفتوح في بنك خارج الكويت، وهي بالمناسبة «كريديت كارد».
ويشي ذلك بأن لدى الرجل رصيداً كافياً يسمح بحصوله على ميزة السحب الخارجية التي تمنح عادة للعملاء المميزين، خصوصاً الذين لديهم حسابات مصرفية مدعومة بودائع أو باستثمار يتعلق بإدارة الثروات الخاصة، ليربط المسؤول الحالي سريعاً ما دُفع على قهوته بالمنفعة التي لم تُردّ حتى الآن لشركته المنكشفة على مخاطر تدني السيولة.
وقبل التقاء البؤبؤين في لحظة الوداع، خلص المسؤول الحالي إلى أن الأموال المطلوبة للشركة من المسؤول السابق لا تزال موجودة، لكنه تأكد أيضاً أنه لا يمكنه الوصول إليها، ولو كان متسلحاً بمئات القرارات العقابية التي تخاطب البنوك المحلية.
جزاء ورقي
وفي هذه الأثناء، أدرك الرجل جيداً الإجابة عن سؤاله الحائر: من أين ينفق المجمّدة أموالهم على خلفية تهم احتيال واستيلاء على أموال دون أن يستدينوا أو يعتمدوا على آخرين أو يتنازلوا عن سلوكهم الإنفاقي السخي؟
فببساطة وبعيداً عن أي تعقيد، يقوم هؤلاء بنقل أموالهم للخارج إذا استشعروا خطر «البلوك» على حساباتهم، وبعضهم يقوم بذلك استباقياً، حتى إذا صدر بحقهم جزاء رد المنفعة يكون ذلك ورقياً فقط، باعتبار أن حساباتهم المحلية فارغة، وملايينهم مودعة بحسابات مفتوحة في بنوك خارجية.
وبذلك يكونون قد أفلحوا في تحقيق المعادلة التي يتمناها كل مُدان بالاستيلاء على أموال عامة أو خاصة، بامتلاك فرسي الحياة الكريمة، وهما العيش في ديرتهم، وترك ثرواتهم خارجها، ليستطيعوا مع ذلك المحافظة على نمط إنفاقهم دون تغيير وفوق ذلك يعظّمون ثرواتهم باستثمارها في الخارج، باعتبار أن «رصيدهم البنكي يسمح باستمرارهم في التنعم بحياة الرفاهية، ولو كانوا ملاحقين قانوناً برد المنفعة، والذي لو نُفّذ فعلياً قد يلتهم كل ثرواتهم غير المستحقة، سواء المخبّأة بالداخل أو المودعة بالخارج».