ليسمح لي الشعب الكويتي ان اقول له بأن العيب الحقيقي فيه لا في نواب مجلس الامة ولا في نظامنا البرلماني، فلدينا طبقات من الشعب اقل ما يقال عنها بأنها غارقة في الجهل. فهل رأيتم مرشحا مغمورا يشتم الحكومة ثم تقوم باعتقاله بضعة ايام ثم يصبح بطلا يحصد الاصوات حصدا؟ وهل رأيتم مرشحا بضاعته الوحيدة هي التبرع بمال غيره وتقديم الوعود لناخبيه بأن يسقط جميع قروضهم، ليس من ماله الخاص ولكن من كيس اموال الشعب ثم يفوز فوزا عظيما؟ وهل رأيتم نائبا يطالب بحل مجلس الامة حلا غير دستوري ثم يرشح نفسه فيفوز بجدارة؟!
كل ذلك وغيره يحدث عندنا في الكويت والسبب هو ان نسبة كبيرة من الشعب الكويتي تنساق وراء الشعارات والكلمات الرنانة ولا تدرك معنى نيابة الامة والامانة الملقاة على عاتق المجلس، ناهيك عن الناخبين المرتشين والناخبين اصحاب الفزعات القبلية والطائفية ولسان حالهم يردد:
انما انا امرؤ من غزية
ان غزوت غزوت وان ترشد غزية ارشدت
وكما يقول المثل الفلسطيني «هيك شعب بدّو هيك نواب»
لي علاقات واتصالات مع بعض نواب مجلس الامة، وشاهدت الربكة الكبيرة في حياتهم الاجتماعية، فهم لا يكادون يهدأون ليلا او نهارا، فالهاتف يرن طوال النهار، والمسجات عبارة عن سيل عارم متدفق، والزوار لا ينقطعون، ويجب على النائب ان يرد على الجميع ويجامل الجميع وان يغشى جميع الدواوين ويلبي واجب الفرح او العزاء، ويجب عليه ان يدفع من جيبه الكثير للولائم والاحتفالات والتوجيبات والعانية وغيرها، وليت الناخبين يرضون عن نائبهم! لكنهم عند ادنى زلة او تقصير يحولونه إلى شيطان رجيم ويتحولون عنه إلى غيره وشعارهم المرفوع «ما فيه خير لنا».
حتى المواقف المبدئية من اي قضية من القضايا يجب ألا يخالفهم النائب فيها - لا سيما القضايا الشعبوية - وإلا كان مصيره كمصير شجرة الدر التي قضى عليها خدمها بالقباقيب.
يحدثنا احد النواب بأنه كثيرا ما يرجع إلى بيته عصرا وهو منهك من الجلسات او من تخليص معاملات الناخبين ليجد تجمهرا امام ديوانه من الناخبين طالبي تخليص معاملاتهم، فما يكون منه إلا ان يلجأ إلى مطعم ليأكل وجبة الغداء ثم إلى المسجد ليأخذ قيلولة. نائب آخر يحدثنا بأنه في كثير من الاوقات يطلب منه الناخبون تسديد فواتيرهم او دفع مخالفات المرور من جيبه الخاص ولسان حالهم «نحن لم ننتخبك إلا لهذا»، نائب ثالث يحدثنا بأن ناخبا اتصل به الساعة 11 ليلا ليقول له بأن بالوعة المسجد قد انسدت ولا بد ان تجد طريقة لفتحها، فأجابه النائب بطرافة: انتظرني ألبس (البلسوت) لأحضر لفتحها، وآخر طلب منه ناخب الحضور للمستشفى للتبرع بالدم لقريبه وهكذا.
اما آخر طرفة فهي ما ذكره نائب مخضرم من منطقة خارجية لنائب من منطقة داخلية حول تبرير موقفه من موضوع اسقاط فوائد القروض فقال: انتم تحتكمون لعقولكم في الاختيار ونحن نحتكم لعصافيرنا.
د. وائل الحساوي
[email protected]