معلوماتٌ لـ «الراي» عن تَوَجُّه لإعادة النظر بعشوائية ضريبة الدخل
لبنان: عواصف متزامنة تُنْذِر بسقوطٍ مدوٍّ للهيكل المالي المتداعي
ما من صفاتٍ محدَّدة تنطبق على التطورات المتلاحقة في الميدان المالي اللبناني، بعدما تَشابَكَ حابِل المسألة النقدية المتفاقمة بفعل دولارٍ يحاكي عتبة 42 الف ليرة، مع تعقيدات ضرائب الدخل، ومعهما متاهة حسابات المضاعَفات العشر الطارئة بدءاً من 1 ديسمبر على الرسوم الجمركية، لتصبح «الحِسبة» عصيةً على غالبية المواطنين المستهدَفين وملتبسةً بتبايناتها في دوائر التحصيل وفي صفوف المختصين.
ومن غير المحتمل، بحسب مصادر معنية، ان يتحمّل الهيكل المالي المُتداعي أساساً هذا التزامن في هبوب عواصف المستجدات من مصادر متعددة وبضغوطٍ تتنافس على «استرداد» الزيادات الجديدة على رواتب موظفي القطاع العام بمعدّل راتبين اضافيين، وإلقاء العبء الأكبر من الأحمال الجديدة على عاتق العاملين في القطاع الخاص، سواء المتولّد من مسببات نقدية أو مالية أو تلك العائدة لمنظومة الضرائب.
وليس من المبالغة في التوصيف، أن تتحول الدولة الى خصم يستقوي بمندرجات القوانين والتدابير لمقاسمة المواطنين «جمعاً» القليل المتوافر من مداخيلهم المتهالكة بالليرة وبالدولار معاً، بينما هي تعجز عن تأمين الحد الأدنى من واجباتها الأساسية في قطاعات النقل والصحة والتعليم والطبابة والاستشفاء. بل هي تمعن في مضاعفة أسعار الخدمات الحكومية في المجالات كافة، من اتصالات ومياه وكهرباء ورسوم عقارية وإفادات أحوال شخصية، لتُبقي فقط على دعم الخبز «العربي»، مع التنويه بأن كل مكوناته وباستثناء الطحين تخضع لسعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وفي المعلومات الأحدث، يتجه وزير المال يوسف الخليل لإعادة برْمجة القرارات الضريبية التي تصيب خصوصاً المداخيل المحرَّرة بالعملات الصعبة، بعدما تعاظمتْ حملةُ الرفض القاطع لاقتطاع ما يماثل ربع الرواتب التي تقارب 3 آلاف دولار، وأنذرت بسلوك «المكلّفين» بالسداد كل المنافذ المتاحة، بما يشمل الخروج من البلد، للحؤول دون اقتطاعات عشوائية تستهدف هذه الفئة التي تتكفّل حتى إشعار آخر، بالمساهمة في تدفق العملات الأجنبية «الفريش» من الخارج، وتستثمر البعض من الفوائض و«ميزاتها» في إعانة عوائلها والكثير من الفقراء والمعدمين وفي نشاط حركة البيع والشراء وقطاع المطاعم والملاهي وسواها.
وبالفعل نقل وفدٌ من الاتحاد العمالي العام «أجواء إيجابية» لدى وزير المال، بعدما ناشده في اجتماع مشترك «وقف تنفيذ هذه القرارات وإعادة النظر في بعض بنودها لما لها من تداعيات سلبية على الشركات المستثمرة وعلى العاملين في القطاع الخاص في كل المؤسسات التي تدفع الرواتب جزئياً أو كلياً بالعملة الأجنبية». كما نبّه الى ان «بعض هذه المؤسسات ستلجأ حتماً إلى مبدأ الدفتريْن والحسابيْن ما يشجع التهرّب الضريبي والتصريح الضريبي وكذلك التصريح عن الأجور الفعلية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي».
وفي رصدٍ مُوازٍ لأبرز ردود الفعل، أعلنت الهيئات الاقتصادية أن «قرار إلزام أصحاب العمل بتسجيل الأجور بالدولار واقتطاع الضريبة المتوجبة عليها بحسب قيمتها الفعلية هي مثابة رصاصة الرحمة على مؤسسات القطاع الخاص الشرعية»، لتؤكد أنها «بصدد متابعة هذا الملف مع كبار المسؤولين في الدولة»، معلقة في هذا الإطار آمالاً كبيرة «على حكمة المسؤولين المعنيين وبشكل خاص رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وما يتمتع به من حسٍ كبير بالمسؤولية لإيجاد حلول مُنْصِفة وعادلة تخدم الجميع، الدولة والقطاع الخاص والعاملين فيه».
وحذرت، عقب اجتماعها برئاسة محمد شقير، من أن تطبيق هذين القرارين من شأنهما «القضاء كلياً على القطاع الخاص في لبنان الذي هو أصلاً على شفير الإنهيار الكلي»، مشيرة الى «أن القرارين ستكون لهما تبعات مالية ضخمة على المؤسسات الخاصة لا يمكنها على الإطلاق تحملها، ستنتج عن تسويات تعويض نهاية الخدمة في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي». وعلى هذا الأساس، دعت وزير المالية الى «التراجع عن القرارين ووقف تطبيقهما، وذلك الى حين الإتفاق على تسوية منصفة وحل جذري لموضوع تعويض نهاية الخدمة».
وإذ اعتبرت الهيئات «أن هذين القرارين بمثابة رصاصة الرحمة على مؤسسات القطاع الخاص الشرعية»، أبدت إستغرابها الشديد «إصرار الدولة وأجهزتها المختصة على إعتماد النظرة المحاسبية كمرتكز للسياسة المالية للدولة على الرغم من التداعيات الكارثية التي سببتها في السنوات التي سبقت الأزمة الإقتصادية»، مشددة أيضاً على «ضرورة إلغاء المفعول الرجعي لهذه القرارات».
وأكدت أنها «كانت وما تزال مع تدعيم الدولة وإداراتها ومؤسساتها وكل مرافقها، وهي في الفترة الماضية وضعت كل إمكانات القطاع الخاص لتحقيق هذا الهدف لا سيما رفع الظلم عن موظفيها»، لكن في الوقت نفسه حذرت الهيئات «من أن حل أزمة الدولة المالية لا يكمن بإتخاذ قرارات مجتزأة لن يكون لها إلا تداعيات كارثية، إنما بتزامنها مع تفيذ خطة تعافي إقتصادي ومالي شاملة».
كذلك، دقّ اتحاد النقل الجوي في بيان له جرس الإنذار بدعوة وزير المال الى التراجع عن اللقرار الجائر «بفرض اتاوة وجزية على العاملين في القطاع»، ومنذراً «لا تدفعوا بنا إلى السلبية وإغلاق مطار بيروت أسوة بموظفي الدولة والقضاة».
وبعد هذا البيان اجتمع الاتحاد مع وزير المالية بحضور ممثّلين عن اتحاد العاملين في المصارف والاتحاد الصحي الذي يشمل المستشفيات الكبرى في لبنان ومندوب عن عمّال الشركات المشغِّلة في مرفأ بيروت.
وأكدّ علي محسن، رئيس اتحاد النقل الجوي في لبنان (لموقع «النهار») أن «لا إقفال للمطار، إذ علّقنا الإضراب بعد اجتماعنا مع وزير المالية الذي تفاعل بشكل إيجابي مع تمنّياتنا بالتريث وبتعليق تطبيق هذا القرار، خصوصاً في جانبه المتعلّق بالمفعول الرجعيّ منه؛ وبناءً عليه علّقنا تحرّكنا».
وبالمثل، رأى المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات موظفي المصارف أن «المضحك المبكي ما يطالعنا من قرارات أقل ما يقال فيها إنها اعتباطية وغير مبرَّرة لجهة اعتماد زيادات عجيبة غريبة في نسب الضرائب على الأجور، تطال من يتقاضى بعض اللولار والدولار الفريش كما جاء في قرار وزير المال لإطفاء العجز المقدر لموازنة 2022. فكان التوجه إلى الحلقة الأضعف بدل اجتراح الحلول من إصلاحات وتفعيل المرافق الاستثمارية والجباية المنظمة ووقف التهريب وما إلى هنالك، وأتى هذا كله دون تأمين مقومات الحياة الأساسية من طبابة واستشفاء وتعليم وكهرباء ومياه وما إلى هنالك. أما الاسوأ من كل هذا، فهو المفعول الرجعي من أول السنة لاستيفاء هكذا ضريبة».
واصطف الاتحاد مع جميع النقابات التي أصابها هذا القرار في الصميم ومع الاتحاد العمالي العام «لمواجهة هذه الظلامة»، مؤكداً للأجراء والموظفين «أننا سنكون على كامل الاستعداد للمواجهة وعبر كل الوسائل المشروعة لتصويب هذا المسار ورفع الغبن عن كاهل الطبقة العاملة حيث يكفينا ما أصابنا من فشل واستهتار من هذه الدولة، ولن نقبل أن تُجْهِزَ على ما تبقى من يد عاملة في البلد»، ومشدداً على «أن هكذا قرارات لن تحفزهم على البقاء والاستمرارية في الوطن الأم، بل ستجعلهم مرغمين على التطلع إلى الخارج للعمل والاستثمار».