«كسْر الصمت» بين الكنيسة المارونية و«حزب الله» أكثر من «جس نبض» وأقلّ من... حوار
وسط المُراوحة السياسية في ظل شغورٍ رئاسي يبدو مفتوحاً على مزيدٍ من فصول التعطيل، شكّلت معاودةُ الحوار بين الكنيسة المارونية و«حزب لله» الحدَثَ الأبرز في الأيام الأخيرة.
ويمكن أن تكون معاينةُ مسار العلاقة بين بكركي و«حزب الله» أشبه بمراجعةٍ لأكثر علاقة شهدتْ مراحل متناقضة. من الحوارات والقطيعة، والإختلاف الجذري بين قوّتين ومرجعيتين، إلى تجانس أحياناً في مواقف محلية وإقليمية.
والمتغيِّر لم يكن مواقف الحزب الثابتة في إطار مشروعه الإستراتيجي بل سياسة بكركي بين مرحلتين. فالعلاقة كانت شيئاً خلال حقبة تسلُّم البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير السلطة البطريركية، وأصبحت شيئاً آخَر لاحقاً بعد انتخاب البطريرك الحالي مار بشارة بطرس الراعي عام 2011.
ومنذ أن بدأ صعود «حزب الله» في مرحلة التسعينات خلال الوجود السوري، ورغم الموقف الحادة لصفير من هذا الوجود ومناهضته له، ظلت بكركي تفتح أبوابها للحوار مع مختلف القوى السياسية بما في ذلك الذين كانوا يوالون دمشق.
وفي تلك المرحلة نشأت لجنةٌ مشتركة بين بكركي و«حزب الله» ضمّت عن الكنيسة المطران سمير مظلوم وعن الحزب رئيس المجلس السياسي ابرهيم أمين السيد. وقد أيّد صفير كل أشكال الحوار والتواصل مع القوى السياسية، وكانت عينه دائماً على حواراتٍ يقوم بها قريبون منه مع الحزب كما حصل في مؤتمر سان كلو في باريس.
ورغم عدم قفل الأبواب، فإن الخلافَ بين الطرفين ظل عميقاً بسبب موقف صفير من سورية، ومن سلاح «حزب الله». وكان التعبير الأكثر دقة عن موقف البطريرك آنذاك ما قاله في باريس حين أطلق عبارة لم يسكت عنها الحزب بل ردّ عليه في بيانٍ لأول مرة بلهجة حادة. فخلال زيارةٍ لصفير لباريس عام 2010 إستخدم تعبير «ما يسمى حزب الله»، فلم يتوان الحزب عن مبادلته الرسالة بمثلها فقال في بيان له إن استعمال تعبير «ما يسمّى بحزب الله فيه نوع من إنكار وإساءة وإستهانة، وهو ما لا نريد أن نعتقد أنّه كان مقصوداً لغبطته، فهل يرضى غبطته أو محبوه أن يقال عنه ما يسمى بالبطريرك؟ قد نختلف في السياسة، ولكننا من يحرص على إحترام المقامات والتي هي أولى بالحرص على إحترام الآخرين نظراً لموقعها الديني والمعنوي».
ظلت العلاقة محتدمة وخصوصاً في مرحلة تلت عام 2004 وما أعقبه من إغتيالات وإنقسام الشارع بين قوى «8 و14 مارس»، وقد اتخذ فيها صفير موقفاً منحازاً في شكل كلي إلى «إنتفاضة الإستقلال»، فكانت دعواته التي أطلقها منذ نداء المطارنة الموارنة عام 2000 تكريساً لتوجهه السيادي الذي لم يتلاقَ مع حلفاء سورية و«حزب الله» من ضمنهم.
في مرحلة البطريرك الراعي إختلفتْ الأمور جذرياً. وبدت العلاقة بين بكركي و«حزب الله» أكثر من جيدة. زياراتٌ متبادلة، وحواراتٌ من خلال اللجنة المشتركة التي أعيد تفعيلها أو عبر الزيارات الرعوية التي قام بها الراعي لمناطق وجود الحزب الذي أعدّ له إستقبالات حاشدة، إضافة إلى زيارات الحزب إلى بكركي.
لكن الحدَث الأهمّ، كان إنتقال الراعي إلى الضاحية الجنوبية للقاء الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في كنيسة مار مخايل في الشياح عام 2016. وأتت الزيارة بعد مراحل فتور بسبب زيارة البطريرك لإسرائيل برفقة البابا فرنسيس عام 2014. وحينها زار وفد من حزب الله الراعي محاولاً إقناعه بعدم السفر إلى اسرائيل، فرفض البطريرك وأصرّ على موقفه، وحصلت قطيعة. إلا ان التباين في شأن هذه الزيارة لم يفسد للود قضية بين الطرفين وخصوصاً ان الراعي إستمرّ على موقفه من حرب سورية ومن الدعوة إلى عقد إجتماعي جديد وهو الذي عُدَّ إنسجاماً مع رغبةٍ ضمنية لدى الحزب بتعديل إتفاق الطائف.
ومع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في اكتوبر 2016 ظهر أن الطرفين منسجمان في خيارهما حيال وصول عون إلى القصر الجمهوري، علماً أن الجنرال كان آنذاك نتاج الفكرة التي إنبثقت عن لقاء القادة الموارنة الأربعة في بكركي لإختيار الرئيس الأقوى والأكثر تمثيلاً في بيئته ومجتمعه.
وبعد التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي عقب اندلاع احتجاجات 17 أكتوبر 2019، تبدّلت لهجةُ الراعي قليلاً، لكنها تغيّرتْ جذرياً على وقع تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020. وبدأ البطريرك بالمطالبة بمؤتمر دولي حول لبنان وبالحياد، وهما فكرتان رَفَضَهما كلياً «حزب الله»، وهو ما ظهر جلياً في تصريحات وتسريبات متبادلة. مع أن الموقف الأبرز لم يأت على لسان الحزب بل عبّر عنه المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان الذي وجّه كتاباً مفتوحاً إلى الراعي إعتُبر شديد اللهجة برفضه دعوة البطريرك وإعتباره ان تدويل الأزمة «إجهاز بشدة على صيغة لبنان».
تطوّرَ الخلاف بين بكركي والضاحية الجنوبية، وكانت إتصالات خجولة بين أعضاء لجنة الحوار المشتركة ودخول بعض المستشارين الذين يدورون حول بكركي على خط الضاحية. إلا ان الثابت الذي ظل حاضراً بقوة ان الإتصالات ظلت حذرة وإن كان هناك وسطاء قريبون من الراعي حاولوا في مرحلة الدعوة إلى المؤتمر الدولي والحياد إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع «حزب الله».
وقبل نحو 4 أشهر، انفجرت قضية توقيف رئيس أساقفة أبرشيّة حيفا المارونيّة والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينيّة وعمّان وأراضي المملكة الأردنيّة الهاشمية المطران موسى الحاج الذي أوقفه الأمن العام لنحو 13 ساعة على معبر الناقورة الحدودي مع اسرائيل عقب عودته من «الأراضي المقدّسة» وقام بالتحقيق معه ومصادرة جواز سفره وهاتفه ومساعدات مالية وطبية من متبرّعين لبنانيين وفلسطينيين.
وحينها وصفت الكنيسة ما حصل بـ «التعدي» الذي «اقتُرف عن سابقِ تصوّرٍ وتصميم، وفي توقيتٍ لافتٍ ومشبوه، ولغاياتٍ كيديّة معروفة»، مطالبة بوقف «هذه المسرحيّة الأمنيّة - القضائيّة – السياسيّة» التي «أعادتنا إلى زمن الاحتلال» ما أعطى هذا التطور أبعاداً سياسية، وسط دخول مباشر للسيد نصر الله على القضية في أحد خطاباته إذ اعتبر أن «ما حدث على خلفية المطران الحاج لن يُبقي دولة ولا مؤسسات ولا قضاءً وهو مسار خطير»، مشدداً على أن «نقل أموال من فلسطين المحتلة إلى لبنان هو عمل خارج القانون بغض النظر عن أسبابه».
ومع تنشيط فرنسا علاقاتها مع «حزب الله» وإرسال الفاتيكان إشاراتٍ إيجابية في مرحلةٍ ما حول الحوار معه، جرتْ محاولةُ إقناع بكركي بفتح باب الحوار مع «حزب الله» لا سيما في ما يتعلق بالملف الرئاسي. فلا رئاسة من دون الحزب، وبما أنه يَطرح فكرة التوافق يمكن البناء على هذا الموقف من أجل التوصل إلى إنتخاب رئيس جديد، وهي الفكرة التي يدافع الراعي عنها ويتمسك بها مع كل محاوريه. وهذه هي القاعدة التي فُتح على أساسها باب الحوار بين الطرفين. لكن ملف الرئاسة شائك إلى حد كبير، وسط مروحة الأسماء المطروحة للتوافق. ومن المبكر الكلام عن فتح قنوات إتصال على مستوى رفيع بين بكركي والحزب وخصوصاً في ضوء إمتعاض قوى معارضة مما جرى لانه يُعد مكسباً للحزب بعد إنفتاح فرنسا والفاتيكان عليه.
الراعي التقى سفراء عرب معتمدين في إيطاليا
استقبل البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في دارة سفيرة لبنان في ايطاليا سفراء كل من السعودية، قطر، البحرين، الامارات، عمان، الكويت، الاردن، اليمن، فلسطين، السودان والعراق المعتمدين في روما «في لقاء تَعارُف».
وجاء هذا الاستقبال على هامش زيارة الراعي للفاتيكان.