ميقاتي عن لقاءاته مع عون: لدى الرئيس ميكروفونات كانت تنقل ما نقوله ليسمعه «رئيس الظلّ»
«احتجاز» الاستحقاق الرئاسي اللبناني في «ممرّ الفيلة» الإقليمي
- وفد من الكونغرس في بيروت: إنتخاب رئيس وتأليف حكومة جديدة وتطبيق شروط صندوق النقد
تزداد مؤشراتُ «الضجر» في لبنان من مسارٍ شائك علِق فيه الاستحقاقُ الرئاسي ومرشّح لأن يطول في ظلّ تسليمٍ داخلي باستحالةِ خرق الجدار المسدود بديناميةٍ من «حواضر البيت» ومن دون «محدلة» خارجية، لم تتوافر عناصرها بعد، تعبّد الطريقَ إلى القصر الذي يملأه منذ 1 نوفمبر «فخامة الفراغ».
وما خلا «عدّاد» جلسات الانتخاب كل خميس في البرلمان الذي تتبدّل أرقامه ولكن النتيجة واحدة «صفر رئيس»، فإن هذا الاستحقاقَ يكاد أن يغيب عن واجهة التحركات الوازنة بعدما أفْرغ معسكرا الموالاة بقيادة «حزب الله» والمعارضة التي تضمّ خصومه من أحزاب ومستقلين ما في جعبتهما في «الجولة الأولى» من المكاسَرة الرئاسية:
- الموالاة بتحديد سلّة مواصفات للرئيس صاغها «حزب الله» بمعايير «محور المقاومة» ومستلزمات حماية ظهرها «من السكاكين والخناجر والسهام التي تريد أن تطاولها»، كما كرر أمس النائب حسن عز الدين، داعياً للتوافق تحت هذا السقف ووفق أولوية الإنقاذ الاقتصادي الذي «طوّر» الحزب موقفه منه على قاعدة أن الثروة الغازية والنفطية «تشكّل المدخل الطبيعي والواقعي للخروج من أزمتنا الاقتصادية، دون حاجة إلى صندوق النقد الدولي والتسوّل في بلدان العالم لنجلب فتاتاً من المساعدات».
وفي موازاة وضْع «حزب الله» الإطارَ الاستراتيجي الذي يحكم إدارته للانتخابات الرئاسية انطلاقاً من البُعد الذي ظهّره بما لا يقبل التأويل المرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي لجهة أن لبنان هو من أركان «العمق الاستراتيجي» لبلاده، فإن ترْكَه حلفاءه يلعبون في «الوقت المستقطع» وفي مقدّمهم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، يبقي في رأي خصومه من «عُدّة الشغل» الرامية لأمرين:
الأول احتواء أي تصدُّعات في الائتلاف الذي يقوده بحال اختار فرْض مرشحه المفضّل سليمان فرنجية بمعزل عن حليفه المسيحي الأقوى (باسيل)، وسط اقتناع بأن «طرقاً عدة» قد توصل إلى «الاعتماد الناعم» لزعيم «المردة» مرشّحاً للمعركة، وبعضها يمكن أن تُفْضي إليه عملية انهاك الداخل والخارج.
والثاني إبقاء سرعة الانتخابات الرئاسية «متماشية» مع سرعة الملفات الإقليمية التي تشكل المسرح السياسي لهذا الاستحقاق والتي ترتبط بشكل خاص بإيران و«الطريق المسدود» الذي بلغتْه مفاوضات النووي، وسط اقتناعٍ بأن «رئاسية لبنان» لن تخرج عن مقتضيات استثمار طهران «أوراقها» في المنطقة ولا سيما في ظلّ اهتزاز الأرض داخل إيران مع الاحتجاجات المستمرة، رغم الهوامش المعروفة المتاحة لـ «حزب الله» لـ «إدارة ذاتية» للملف اللبناني «وفق ما يراه مُناسباً».
- أما المعارضة فتَمْضي غالبيتها في التصويت للمرشح ميشال معوض، محاولةً جمْع أكبر عدد من النواب حوله بما يتيح فعلياً تشكيل توازن «يشطب» ترشيح فرنجية و«يعدّل» في مواصفات رئيس التسوية و«منسوب» البُعد السيادي والإصلاحي فيه، توطئة لمعاودة «شبْك» لبنان مع العالم ولا سيما دول الخليج التي لطالما شكّلت «حزام الأمان» له قبل أن يُقتاد إلى المحور الإيراني.
وفي حين يُنتظر أن يحضر العنوان اللبناني في محادثات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في واشنطن التي يبدأ اليوم زيارة لها، فإن التوتر الفرنسي - الايراني على خلفية الموقف من الاحتجاجات والذي يتشابك فيه أيضاً «ثلاثي» النووي والنفوذ الإقليمي والحرب على أوكرانيا يشكّل عاملاً سلبياً لجهة تَوَقُّع أن تنجح باريس في اجتراح أي مخارج للأزمة اللبنانية، علماً أن الدورَ الفرنسي في «بلاد الأرز» لم يكن مرّة ذات تأثير فعلي أقلّه في مقلب «حزب الله» - ومن خلفه إيران - الذي لم يقفل الباب أمام هذا الدور إلا لاعتباره «نافذة» بانتظار «اللاعب الأكبر» أي الولايات المتحدة.
في هذا الوقت أجرى وفد من من الكونغرس الأميركي برئاسة النائب مارك تاكاتو وعضوية النائبين كولن الريد وكاتي بورتر محادثات في بيروت مع كبار المسؤولين في مهمة استطلاعية أكد خلالها الوفد «أهمية انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي والمضي بالإصلاحات»، مشدداً على «رعاية الولايات المتحدة للبنان مهما كانت الظروف».
وفي موازاة الملف الرئاسي، ملأ الساحة السياسية «إحياء» اشتباكٍ قديم - جديد بين الرئيس السابق ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول ملف التجنيس.
فبعدما أعلن ميقاتي في حديث تلفزيوني أن عون كان «طرح مشروع التجنيس، والعدد بالآلاف»، وأنه رفض أربعة آلاف طلب، وتمنى «ألا يتعدى التجنيس أكثر من 20 أو 40 اسماً»، ردّ عون معتبراً «أن حديث ميقاتي تضمّن سلسلة مغالطات وتحريفاً للوقائع»، وموضحاً أنه لم يُعرض على ميقاتي مشروع مرسوم لتوقيعه «واللوائح التي أُعدّت كانت ستحال للتدقيق فيها وفقاً للأصول، علماً أن العدد لم يكن نهائياً، وهو حتماً ليس بالآلاف كما يدّعي مَن يتناول هذا الموضوع الذي تحوّل قميص عثمان».
وإذ ردّ ميقاتي على الردّ، مؤكداً تمسكه بكل ما أورده في شأن ملف التجنيس «مكتفياً بهذا القدر احتراماً لفخامة الرئيس عون ولمقام رئاسة الجمهورية»، استوقف دوائر سياسية ما أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال عما رافق محاولاته تأليف الحكومة منذ ما بعد الانتخابات النيابية في مايو وتكليفه تشكيلها ولقاءاته مع رئيس الجمهورية، إذ قال «متأكد أن لدى الرئيس ميكروفونات تنقل ما كنّا نقوله للخارج حتّى يسمعها رئيس الظلّ... وكان الرئيس عون يسأل رئيس الظلّ»، في إشارة إلى باسيل.
وأكد أنّ «الأمن في لبنان ممسوك ومتماسك والأجهزة العسكرية والأمنية تبذل كلّ الجهد المطلوب وأكثر بكثير للإبقاء على عامل الاستقرار، لأن من دونه تتفلت الأمور وتذهب إلى مسارات خطيرة جداً».
وتابع إبراهيم في مقابلة خاصة مع «عربي21»، أن «اللامبالاة العربية في معالجة الملف السوري، والقرار الدولي الذي يرفض عودة النازحين إلى سورية وإطالة إقامة العائلات السورية في لبنان واندماجهم في المجتمعات التي تستضيفهم، كلها عوامل ستؤدي إلى بقائهم على أرض لبنان كأمر واقع أولاً والخشية من توطينهم لاحقاً، وهذا يعني أننا نشهد على عملية تجهيز قنبلة ستنفجر لاحقاً في لبنان، ولن يدفع أحد ثمن ارتداداتها وشظاياها سوى الشعبين اللبناني والسوري».