ركّز على المسؤولية السياسية في استدامة مسار الأزمة والانهيار
البنك الدولي: لبنان يقود مجموعة الأداء الاقتصادي «الأسوأ» عالمياً
- لحل منصف وشامل على وجه السرعة يعيد الإستقرار للقطاع المالي
- تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق لعدم توافر الأموال العامة الكافية لذلك
- منذ 2018 راكم لبنان انكماشاً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هو من الأسوأ في العالم
- معدّل الانكماش منذ 2018 قضى على ما تحقق من نمو على مدار 15 عاماً ويقوض قدرة الإقتصاد على التعافي
لم يكن التقرير الأحدث للبنك الدولي عن أزمات لبنان أقل قسوة في تقييم أداء الطبقة السياسية ومنظومة الحُكْم في إدارة الأزمات العاتية التي تضرب البلاد من دون هوادة، بل قضت خلاصاته بشكل شبه تام على «الفرادة» اللبنانية وميزات الجذب الخاصة التي نهضت بالاقتصاد على مدى العقود الثلاثة الماضية، ليستنتج بالتالي «ان تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق».
وبرز في التوصيف المبني على معطيات وبيانات معمّقة، منْح البنك الدولي علامة «الأسوأ» او المضاهاة في أحسن الأحوال، لأداء الاقتصاد الكلي في لبنان من ضمن المجموعة المحددة من الدول التي هوى الى صفوفها، وتضم زيمبابوي واليمن وفنزويلا والصومال، ليبيّن التقرير، انه بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على نشوب أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ البلاد «لا يزال الخلاف بين الأطراف المعنية الرئيسية حول كيفية توزيع الخسائر المالية يمثل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق في شأن خطة إصلاح شاملة لإنقاذ البلاد. ومن المرجَّح أن يؤدي الفراغُ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق في شأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، ما يعمِّق محنة الشعب اللبناني».
وفي إشاراتٍ بالغة الدلالة، يستنتج جان كريستوف كاريه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي: "إن عمق الأزمة واستمرارها يقوضان قدرة لبنان على النمو، إذ يجري استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو قد يتعذر إصلاحه. كما دعونا مراراً وتكراراً لبنان لاعتماد حل منصف وشامل على وجه السرعة يعيد الإستقرار للقطاع المالي ويضع الاقتصاد على مسار التعافي".
وبالفعل، فقد نسفت الترقبات الواردة في التقرير توقعات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعكس مسار الانكماش الاقتصادي الحاد الذي هبط بالناتج المحلي من مستوى يقارب 55 مليار دولار نهاية العام 2018 الى نحو 20 مليار دولار نهاية العام الماضي، ليتحول الى نمو ايجابي بنسبة 2 في المئة هذا العام، مستنداً الى الاحصاءات الموثقة لدى البنك المركزي وارتفاع حركة الاستيراد وتحسن النشاط السياحي، بينما تستمرالمشكلة في «القطاع العام الذي يخلق الثقل على الاقتصاد».
ووفق التقديرات المحدَّثة، استنتج البنك الدولي استمرارَ انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4 في المئة في العام الجاري، بافتراض استمرار حال الشلل السياسي وعدم تنفيذ إستراتيجية للتعافي، وهي وقائع محقّقة فعلياً بدليل الطابع «المسرحي» الذي يطغى على الجلسات النيابية المتوالية والمخصصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، رغم الادراك المسبق بالنتيجة السلبية ريثما تصل، وفي أمد غير معلوم، إشاراتُ التسوية الخاضعة حُكْماً لمقاييس مختلطة بين الداخل والخارج.
وفي المقابل، يقرّ التقرير بتعديل تقديرات المؤسسة الدولية لانكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لعام 2021 إلى 7 في المئة، بخلاف النسبة المعلنة سابقاً والبالغة نسبة 10.4 في المئة. ويردّ التصحيح الى توافُر بيانات أفضل مما كان متوقعاً، وبذلك يصبح المعدل التراكمي لانكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي شهده لبنان منذ عام 2018 نحو 37.3 في المئة، وهو يبقى من بين أسوأ معدلات الانكماش التي شهدها العالم «ويقضي على ما تحقق من نمو اقتصادي على مدار 15 عاماً، بل ويقوض قدرة الإقتصاد على التعافي».
وتحت عنوان «حان الوقت لإعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو منصف»، يتناول التقرير الدوري لـ «مرصد الاقتصاد اللبناني» التطورات الاقتصادية الأخيرة والآفاق والمخاطر الاقتصادية للبلاد في ظل حالة عدم اليقين المستمرة منذ فترة طويلة، مع تأكيد «ضرورة المضي قدماً في توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر إنصافاً للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار التعافي».
ويشير ملخص التقرير إلى أنه، ورغم تدخّلات مصرف لبنان لمحاولة تثبيت سعر الصرف في السوق الموازية على حساب الاحتياطي بالعملات الأجنبية الآخذ في التناقص، فإن الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية مستمر «ما أدى إلى دخول معدل التضخم في خانة المئات، ويُتوقَّع أن يبلغ متوسطه 186في المئة في نهاية العام الجاري، وهو من بين أعلى المعدلات عالمياً. كما يُعد لبنان من أكثر البلدان تضرُّراً من التضخم الذي طرأ أخيراًً على أسعار المواد الغذائية التي تتأثر بها بشكل خاص الأسر الفقيرة والمحتاجة إذ تشكِّل نسبة كبيرة من نفقاتها في ظل التآكل الشديد لقوتها الشرائية».
ويرى التقرير أنه مع زيادة الخسائر المالية عن 72 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي في عام 2021، فإن تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق نظراً لعدم توافر الأموال العامة الكافية لذلك «فأصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدَّرة، كما لا تزال الإيرادات المحتملة من النفط والغاز غير مؤكَّدة ويحتاج تحقيقها سنوات».
وبحسب التقرير «يفتقر تعويم القطاع المالي إلى الإنصاف كذلك؛ فمن شأن مطالبة عامة المواطنين بتعويض المساهمين في البنوك والمودعين الأثرياء أن تؤدي إلى إعادة توزيع الثروة من الأسر الأفقر إلى الأسر الأغنى. ولذا فعلى أي عملية إعادة هيكلة ذات صدقية أن تعتمد مبادئ الإنصاف والعدالة لضمان حماية دافعي الضرائب وصغار المودعين الذين تحملوا حتى الآن وطأة هذه الأزمة. ويتماشى ذلك مع أفضل الممارسات العالمية لإستراتيجيات إعادة هيكلة القطاع المصرفي التي تدعو إلى الإعتراف بالخسائر الكبيرة ومعالجتها بشكل مسبق، واحترام ترتيب المطالبات، وحماية صغار المودعين، والامتناع عن اللجوء إلى الموارد العامة».
وإذ يعتبر «ان الحل المتمثل في خطة إعادة هيكلة للقطاع المصرفي قائمة على ترتيب الدائنين، إلى جانب إجراء إصلاحات شاملة، يُعدّ الخيار الواقعي الوحيد أمام لبنان لطي صفحة نموذجه الإنمائي غير المستدام»، يخلُص التقرير إلى «أن الأزمة الحالية ستعزِّز على الأرجح مستويات الدولرة المرتفعة، حتى بعد تحقيق التعافي».