تُستخرج من ثماره زيوت للتجميل تنعش الاقتصاد في مناطق مهمّشة

تونس... عاصمة التين الشوكي

قطف التين الشوكي وسط تونس
قطف التين الشوكي وسط تونس
تصغير
تكبير

على امتداد الطريق المؤدية لمنطقة زلفان بالوسط الغربي التونسي، مزارع فاكهة التين الشوكي الذي أصبحت تستخرج من ثماره زيوت للتجميل تنعش الاقتصاد في مناطق مهمشة في البلاد.

كان محمد رشدي البناني أول المستثمرين الذين غامروا وراهنوا على استخلاص الزيوت الطبيعية من هذه الثمرة الشوكية لتصبح مكوناً لبعض مواد التجميل الباهظة الثمن (350 دولاراً تقريباً لليتر الواحد) والتي يتزايد عليها الطلب من الأسواق الأوروبية لفاعليتها في مقاومة تجاعيد الوجه ولكونها مضادة للأكسدة.

ويقول البناني لوكالة فرانس برس بفخر من أمام مزرعته، «هنا عاصمة التين الشوكي» المعروف في أماكن أخرى بالصبّار.

ويملك هذا المستثمر 420 هكتاراً مزروعة بالتين الشوكي في منطقة زلفان، وينتج ألفي ليتر من زيت بذور الثمرة سنوياً ويخصص 95 في المئة من المنتوج للتصدير حصراً.

يتنقل البناني (52 عاماً) وسط الحقل بين العاملات اللواتي يشرعن منذ ساعات الصباح الباكر في عمليات القطاف. ويفصح «غيّرت هذه الثمرة حياتي وحياة المنطقة وخلقت الثروة في قرية كان التين الشوكي رمزاً للفقر فيها».

وتقع زلفان في محافظة القصرين التي كانت من أبرز المناطق التي انتفضت ضد حكم الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011. تبلغ نسبة الفقر فيها 33 في المئة، ونسبة البطالة 20 في المئة، وقد وجدت في هذه النبتة مصدراً للتنمية.

تمتد حقول التين الشوكي على مسافة 30 ألف هكتار، منها 3 من الأشجار العضوية، في منطقة صغيرة تقع على الحدود مع الجزائر.

ويشغّل القطاع في زلفان أكثر من خمسة آلاف شخص، وفقاً لبوبكر الرداوي، المسؤول عن مشروع الوصول إلى أسواق المنتجات الزراعية الغذائية والمحلية (بامبات) (PAMPAT)، وهو برنامج تنفذه منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية.

جاذبية

صنّف تونس كخامس أكبر منتج للثمرة في العالم من حيث المساحات المزروعة بنحو 118 ألف هكتار خلف البرازيل والمكسيك وإثيوبيا والمغرب.

وتبلغ المساحة المزروعة بالتين الشوكي في المغرب 150 ألف هكتار بمتوسط إنتاج يقدر بـ 403.200 طن في السنة. بينما تزرع الجزائر 52 ألف هكتار وتنتج 75 ألف طن من الثمرة سنوياً.

وتنتج تونس معدل 550 ألف طن من الفاكهة سنوياً، وتعوّل حالياً وبشكل أساسي على استخدامها لاستخراج الزيوت الغنية بالفيتامين.

ويؤكد الرداوي إن «الصادرات قفزت بنسبة 50 في المئة بين عامي 2019 و2021. وهذا مؤشر على جاذبية القطاع وزيادة الطلب من عام إلى آخر».

ويضيف «حقاً، إنه نبات معجزة».

شهد قطاع تحويل زيت التين الشوكي حركة كبيرة، وتضاعف عدد الشركات المستثمرة في القطاع عشر مرات. وكانت هناك خمس شركات مطلع سنوات الألفين ووصل عددها إلى 55 في العام 2021.

ويوجد في زلفان وحدها 11 تعاضدية متخصصة في هذا المنتوج.

ويقول المزارع الشاب حمزة رشدي الذي يستغل أرض العائلة المقدرة بأربعين هكتاراً «كان الكلّ يفكر في المغادرة في السابق، لكن وبفضل الزيت، تغيرت الأمور».

وتعتبر العاملة في قطف الثمار منذ سبع سنوات مقابل راتب بنحو 500 دينار (أكثر من 150 دولارا) في الشهر حنان المسعودي أنه «بفضل الاهتمام المتزايد بهذه الثمرة تغيرت ظروف العمل نحو الأفضل».

نعمة للبيئة

يمثّل التين الشوكي منتوجاً جذاباً ومربحاً في الوقت ذاته، وأيضاً زراعة لا تتطلب موارد مائية كبيرة، خصوصاً أن البلاد تواجه كما بقية دول المنطقة ندرة في المياه.

وفي تقدير الرداوي، «التين الشوكي لا يتطلّب كثيراً (من الماء) ويتأقلم مع العديد من أنواع التربة. هو نعمة للبيئة».

وبدأت مناطق أخرى تثمّن هذه الزراعة، مثل محافظة نابل (شمال شرق) والقيروان (وسط).

وبالرغم من شعبية الزيوت المستخلصة من هذه الفاكهة، إلا أن لها حدوداً بسبب صعوبة الوصول إلى الأسواق الكبرى في اليابان أو كوريا الجنوبية على سبيل المثال.

ويعبّر محمد رشدي البناني عن أسفه لأن إمكاناته تخوّل له تحويل 20 في المئة فقط من إنتاجه السنوي (20 ألف طن من الفاكهة) إلى زيت بسبب «مشاكل التسويق ولأن الأسواق ليست مفتوحة بنسبة 100 في المئة».

ويقرّ سليم بن ميلاد الذي أنشأ مصنعاً لمعالجة وتحويل ثمرة التين الشوكي في منطقة تالة بالقرب من زلفان في العام 2020، قائلاً «صحيح أن زيت بذور التين الشوكي ثمين، ولكن إنتاجه مكلّف أيضاً لأنه يتطلّب مصاريف إضافية».

وهذا ما دفع ببن ميلاد البالغ من العمر 62 عاماً إلى استغلال مشتقات أخرى من الفاكهة مثل علف الحيوانات المستخرج من لحاء التين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي