المونديال يخطف وهج «مسرحية» الانتخاب الرئاسية في فصلها السابع اليوم
«دومينو» الانهيار في لبنان يستظلّ دينامية فراغٍ... مديد
- «عيدية» اللبنانيين: استيفاء الدولار الجمركي بزيادة 10 أضعاف ابتداء من 1 ديسمبر
- سريان تعديل السعر الرسمي لليرة تجاه الدولار مطلع فبراير... أسئلة وأكثر
لم يتطلّب الأمر أكثر من 23 يوماً في كنف الشغور الرئاسي ليشتدّ السباقُ المحموم في لبنان بين دينامية الفراغ الذي تتحكّم بمجرياته ومآلاته عواملُ سياسية داخلية وخارجية وبين عصْفِ الانهيار الشامل و«موجاته العاتية» التي ترتفع كلما تآكل الهيكل المالي - النقدي - المصرفي - المعيشي والتي لن يكون ممكناً لجْمها إلا بحلٍّ متكامل على ضفّتيْ السياسة والمال.
وبدأت أوساطٌ مطلعة تُبْدي خشيةً من الانحسار المخيف للاهتمام بالاستحقاق الرئاسي وجلسات الانتخاب «المسرحيّة» التي تشهد فصلَها السابع اليوم، في مقابل انفلاش العنوان المالي بكل أبعاده بما يُنْذِر بإمكان أن يتحوّل «لغماً» في مجمل الواقع اللبناني، وسط ملاحظة أن ثمة «برنامجاً» بجدول زمني محدّد بدأ تمريره في سياق المعالجات العشوائية للانهيار الكبير ويستظلّ مرحلة الفراغ الرئاسي وشلل عمل السلطة التنفيذية مع حكومة تصريف الأعمال الحالية في موازاة معاندة رئيس البرلمان نبيه بري محاولةً قد تنجح لمنْع مجلس النواب من التشريع قبل انتخاب رئيس.
وفي هذا الإطار، وفيما كانت عيون اللبنانيين، أو مَن كان بينهم مقتدراً أو قادراً على ارتياد المطاعم والمقاهي، مسمّرة على شاشات مونديال قطر 2022، كانت «جيوبهم الفارغة» تتلقى أهدافاً جديدة «تسلّلت» من تصريحات وقرارات عكست انتقال «بلاد الأرز» إلى مرحلة نقدية جديدة مع بدء اعتماد سعر الصرف الرسمي المعدّل عند مستوى 15 ألف ليرة لكل دولار، والذي يماثل نحو 10 أضعاف السعر السابق، وذلك تحت عنوان تقليص اتساع الفجوات بين تشكيلة أسعار الصرف المتنوعة التي تتوزع بين 1515 ليرة كسعر رسمي معتمد في مجالات محدودة ولا سيما في احتساب واردات الخزينة العامة، وبين 40 ألفاً كسعر واقعي يشمل مجمل المبادلات النقدية وتسعير أبواب الاستهلاك كافة.
وبدت المبادرات الظرفية والطارئة التي يتخذها البنك المركزي في الميدان النقدي والمنسّقة مع وزارة والمال، كشهادة إثبات لعجز سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية عن التقدم أكثر في ملف خطة التعافي وما تستلزمه من قوانين لازمة، وبما يضمن الشروع بالاصلاحات الهيكلية، وبلوغ مرحلة الجهوزية للانتقال من صيغة الاتفاق الأوّلي المعقود مع بعثة صندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين الى اتفاقية - برنامج نهائية تكفل الضخّ الفوري لتمويل بقيمة 3 مليارات دولار، والأهم فتح النوافذ الموصدة أمام تدفق المساعدات والتمويلات الدولية الموعودة.
فبعد يومين على تحديد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة موعد سريان تعديل السعر الرسمي لليرة في أوّل فبراير المقبل، كشف وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، أمس، عن إرسال كتاب رسمي من وزارة المال إلى مصرف لبنان «ليتم اعتماد سعر صرف العملات الأجنبية على أساس 15 ألف ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد بالنسبة للرسوم والضرائب التي ستستوفيها إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة اعتباراً من 1-12-2022».
وفي موازاة الانعكاسات التضخمية الكبيرة لهذا القرار الذي اعتبر الخليل أنه «سيساعد في الحد من فروقات الأسعار والخسائر التي تتكبدها الخزينة»، فإنه من شأن التعديلات النقدية المستجدة، بحسب مصادر مالية معنية، أن تحدّد نقاط خريطة الطريق للانتقال لاحقاً إلى هدف إعادة توحيد أسعار الصرف، وهي مهمة سياسية بامتياز يفترض أن تتولاها السلطة التنفيذية، وبما يشمل تحصينها بتشريعات جديدة أو تعديلات على قوانين نافذة، وهو ما يمكن متابعته ورصده من خلال القواعد والأنظمة الموائمة التي يفترض اعتمادها في إعداد مشروع موازنة العام المقبل.
وقد أبقى البنك المركزي الباب موارباً من خلال التنويه إلى أن العمل بالتعاميم الصادرة عنه سابقاً سيبقى سارياً إلا إذا تمّ إقرار قانون الكابيتال كونترول، فعندها سيتم الإلغاء التلقائي لمفاعيل هذه التعاميم والاحتكام للمقتضيات المدرَجة في قانون تقييد السحوبات والرساميل. علماً أن هذا المشروع لا يزال يتعثر منذ 3 أعوام، من دون بروز توقعات بتبدُّل الأحوال ولا سيما بعدما دخلت البلادُ في مرحلةِ الشغور الرئاسي وما تُسَبِّبه من صعوباتٍ في إصدار القوانين التي تحتاج الى توقيعٍ من رئيس الجمهورية.
وتعزز خلاصات تجربة إدارة الدولة على مدار محطات الأزمات المتفجّرة والتي دشنت للتو عامها الرابع هذه القناعة المتشائمة. فهي، في رأي المصادر عينها، لا تعكس أي إشارات جدية لتبدّلٍ ما في السلوكيات السياسية أو في منهجيات السعي للتخفيف من سرعة الانحدار المتولد من التداعيات الكارثية التي ضربت بقسوةٍ مفاصل الاقتصاد والقطاع المالي وكامل منظومة العيش والاستهلاك. بل ان تقييمات المؤسسات الدولية وفي طليعتها البنك الدولي لم تتردّد في اتهام المنظومة العامة بتعمّد الكساد وتعظيم مواردها الخاصة عبر «اقتصاد الزومبي» على حساب المال العام ومدخرات الناس.
من جانبه، أوضح سلامة «أننا نحاول من خلال التعاميم إدارة الأزمة التي كانت تواجه تحديات ايضاً خارجة عن نطاق مصرف لبنان. وأهمّ حدثٍ حصل هو التوقف عن دفع السندات اللبنانية الخارجية التي عزلت لبنان بشكل كبير من الأسواق المالية وصعبت دخول الدولارات الى لبنان».
وكشف «اننا تحملنا كل الدعاية السلبية من أجل عدم إفلاس المصارف وإنقاذ ودائع المودعين. والمطلوب لإعادة الودائع هو تأمين السيولة وإيجاد حركة اقتصادية لإعادة تسديد الودائع. وهذا ما يسمونه خطة التعافي التي يفترض أن تقوم بها الدولة. ومصرف لبنان فعل كل شيء للمحافظة على الودائع من خلال عدم إفلاس البنوك».
وأشار الى أن «المصرف المركزي سيبدأ العمل بسعر 15 ألف ليرة مقابل الدولار ابتداء من أول فبراير 2023. وسيصبح التعميمان 151 و 158 (حول السحوبات للودائع الدولارية) على هذا السعر بدل 8 آلاف و12 أالف ليرة المعتمدين حالياً. وبذلك سيصبح لدينا السعر الجديد وسعر منصة صيرفة (نحو 30 ألفا و300 ليرة حالياً) أما توحيد سعر الصرف، فلا يمكن تحقيقه ضربة واحدة، لذلك ستكون هذه المرحلة الأولى لغاية ما تصبح صيرفة هي من يحدد السعر».
وعما إذا كان هذا الإجراء سيؤدي إلى رفع أو خفض سعر الصرف، قال «إن السوق عندها هو الذي يحدد حسب العرض والطلب، ولكن مصرف لبنان سيكون بالمرصاد. مثلاً اليوم هناك في السوق 70 تريليون ليرة لبنانية ونحن بإمكاننا لمّ كل الليرات عندما نقرر، فالأسواق تعرف هذا الشيء، وإذا قررنا يمكننا وضع مليار دولار لتجفيف السوق من الليرات».
واعتبر سلامة، أن سعر الصرف اليوم يعتبر محرَّراً «فالعمليات تحصل بأسعار متقلبة وحتى سعر البنزين يتبع سعر السوق. ولكن حتى لو أصبح السعر متقلباً فممنوع أن نشهد تقلبات كبيرة».
وعن تمويل زيادات رواتب موظفي القطاع العام ثلاثة أضعاف، ذكر «أن هذه مسؤولية الدولة وليس مصرف لبنان، فإذا لجأ مصرف لبنان الى الطبع فإنه بذلك يخلق تضخماً أكبر من التضخم الناتج عن تراجع سعر صرف الليرة، لذلك فإن المطلوب خطوات إصلاحية بداية وتأمين مداخيل للدولة لتمويل هذه الزيادات. قبل الزيادة كانت الرواتب تساوي تريليون و300 مليون ليرة وأصبحت تساوي 3 تريليون و300 مليون، اي أن مصرف لبنان سيضخ خلال الأشهر الـ 3 المقبلة مع المفعول الرجعي 340 مليون دولار».
وأكد سلامة، في مقابلته التلفزيونية، أنه «لن يمول شراء الفيول للكهرباء (لتوفير تغذية بين 8 و10 ساعات يومياً) من احتياطات المصرف المركزي وأن الحكومة تدرس إمكان فتح اعتمادات مع تسديد لاحق بعد ستة أشهر، وستتفق معنا على كيفية تأمين الدعم لهذه الاعتمادات على ألا يكون مصدرها احتياطات المصرف المركزي. وهذه المبالغ يمكن تأمينها من خلال الجباية، ونعتقد أن بإمكانهم جباية ما يساوي 300 مليون دولار».