التشكيلي الفلسطيني الراحل دوّن ما حدث إبان الاحتلال الغاشم للكويت
يوميات إسماعيل شمّوط «أيام الغزو»... ما أجملها من مغامرة
«هات لي ناشراً مغامراً»... هكذا كان رد الأديب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل على الكاتب سعود السنعوسي، حين بادره بالقول بعد قراءته لـ «يوميات إسماعيل شمّوط أثناء احتلال الكويت»، «إن هذه الوثيقة التاريخية ينبغي لها أن تكون مطبوعة في كتاب». وبعد أكثر من 31 عاماً ظلت حبيسة الأدراج، خرجت إلى النور... وما أجملها من مغامرة !
الكتاب الذي صدر حديثاً عن «دار تكوين للنشر»، بعنوان «أيام الغزو» ويقع في 450 صفحة، يستعرض من خلاله مؤسس حركة الفن التشكيلي الفلسطيني عضو «لجنة التآخي الكويتية الفلسطينية» الراحل إسماعيل شمّوط، فترة تواجده في الكويت إبان الغزو العراقي الغاشم، ليكون شاهداً على 7 شهور عجاف عاشتها الكويت.
ميثاق شرف
وفي هذه اليوميات التي دوّنها شمّوط، يذكر مقدم الكتاب السنعوسي، أن صاحب اليوميات اقترح على صديقه الأديب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل أن يتبادلا الأدوار، ليأخذ هو القلم ويعطيه الريشة، خصوصاً بعدما أصبح الاثنان عاجزين عن الكتابة أو الرسم، والقيام بما أحبا القيام به، بسبب الحالة النفسية التي كابدها كلاهما.
لعلّ هذه الفكرة التي طرحها شمّوط على إسماعيل، وإن اعتبرها الأول ميثاق شرف بينه وصديقه لتحرك في نفسيهما جذوة الحماسة، لمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة... حتى بالريشة والقلم، إلا أن إسماعيل كان يظنها لحظة عاطفية من صديقه المقرب، فلم يَعرها بالاً حتى التقيا فور تحرير الكويت، فأخرج شمّوط مُغلفاً يتكوّن من 450 صفحة، تضم كل الأحداث المهمة التي جرت في ذلك الوقت.
فحافظ عليها صديقه الأديب الراحل إسماعيل، واعتنى بها من بعده الكاتب السنعوسي.
صدمة
ويذكر شمّوط في مستهل يومياته من شهر أغسطس العام، الأيام الأولى من الغزو الغاشم للكويت، وكيف أصبح يتلقّط الأخبار من مصادر عربية وعالمية عدة، إلا أن الصدمة كانت عندما تجاهلت وسائل الإعلام إذاعة أي أخبار عمّا حدث في الثاني من أغسطس، وهو ما أرجعه إلى الرغبة في دراسة ما جرى والخروج بموقف موّحد.
ثم ينتقل إلى شهر سبتمبر، ويضيء من خلاله على صعوبة التنقل في الطرقات أو العثور على مواد غذائية طازجة، وما آلت إليه بعض المحال والأماكن المخصصة لبيع الغذاء، والخضار مثل «الشبرة» وغيرها من الأماكن.
كما توّقف عند شهر أكتوبر، حيث الأسواق المغلقة، وجنود الاحتلال الذين يضعون نقاط التفتيش في كل الطرقات، وسيارات محترقة هنا، وأوساخ وقاذورات هناك.
الحياة معطلة
ويمضي شموّط مستعرضاً أهم الأحداث التي دوّنها في نوفمبر «فالحياة لا تزال معطلة بالكامل، وقد أصبح المرء شبه محبوس في بيته». فينتقل إلى شهر ديسمبر، ويتحدّت عن الترقب الكبير لقرار مجلس الأمن الذي أتاح استخدام كل الوسائل الممكنة بما في ذلك القوة العسكرية لإجبار العراق على الخروج من الكويت.
وفي شهر يناير، يرصد دوران عجلة الحياة السياسية والديبلوماسية الدولية لتجنب نشوب الحرب، غير أن طبول الحرب قُرعت في نهاية الأمر، وبدأت الضربات الجوية تدك حصون الغزاة.
وكتب شموّط ذكرياته في شهر التحرير، شهر فبراير، وكيف بدت الأخبار حابسة للأنفاس، خصوصاً حين أعلن الغزاة دخولهم منطقة الخفجي السعودية، إلا أنه في نهاية الشهر شهدت الأحداث شر هزيمة لطاغية بغداد.
في تلك اليوميات، لم تغب ريشة الفنان في نقر الحروف على جهاز الكمبيوتر لكتابة الأحداث. فدوّن بحرقة من اغتُصبت أرضه، هو الذي وُلد في وطنه، واضطر إلى مغادرته لاجئاً.
مقتطفات
• «عام 1983 وجدنا أنفسنا مضطرين إلى أن نجد مكاناً نأوي إليه ونعيش فيه، فاخترنا الكويت، فهي بلد أمن وخير، وفيها من الأهل والأصدقاء ما يخفف عنا معاناة الهجرة الرابعة أو الخامسة...».
• «إن متابعة الأخبار، وانتظار الحل... الحل... لهذا الوضع اللاوضع... عملية مرهقة ذهنياً ونفسياً إلى درجة محطمة. ويبدو أن السياسيين يعرفون هذه الحقيقة، وهي أن ترك الأمور بين الحل والحل كفيلة بإرهاق الناس، وبالتالي جعلهم يتوقون إلى حل ما، حتى ولو كان أقل مما يتوقعه الناس ويتمنونه».
• «كان الطقس جميلاً، لم يكن ممطراً ولا بارداً، فامتلأ الحي بأصوات الأطفال والصبية والبنات وهم يلعبون بعد أن حُشروا في الملاجئ قبل الأوان لبضعة أيام... أحسست بأن الحياة لا تزال بخير وأنها لا بد مستمرة، وأن لا شيء يمكن أن يوقفها... ما أجمل الأطفال، إذ هم يضفون على الحياة معنى البقاء والفرح».
• «في نحو فجر الثلاثاء (26 / 2 / 1991) سمعنا من ينادي بأعلى صوته الله أكبر... الله أكبر... استيقظنا متلهفين على سماع خبر طالما انتظرناه... وما إن انزاح ظلام تلك الليلة حتى علمنا أن ظلام وجود جنود صدام قد انزاح هو الآخر عن العاصمة الكويتية، وأن العراقيين انسحبوا من العاصمة خلسة في الليلة السابقة».