No Script

مشاهدات

أمطار الخير كشفت فساد الغير

تصغير
تكبير

قال تعالى:«اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ».

إنّ في إنزال المطر آيات وعِبر، ولله الحمد فإن هذه الأمطار رزق من الله، أنعمَ بها علينا وهي خير وبركة يجب علينا أن نشكره لإحسانه وتفضله علينا.

ولكن أمطار الخير والبركة تحوّلت إلى أزمة، لا بل تعدّت هذا الأمر إلى كشف القصور في البنية التحتية، وحينما نرصد الأحوال الجوية فإننا نصبح في حالة استنفار ورعب وتأهب وفي ظل شبح مخيف يخيّم علينا من جميع الاتجاهات، وما ان نشاهد سحابة سوداء أو غيوماً متلبدة في السماء، حتى نشعر بالخوف والحذر تحسباً لما سيحدث من المشاكل التي سيخلفها هطول الأمطار... حتى الأطفال باتوا يشعرون بالخوف والرعب.

في الجيل السابق كان الأطفال يتغنون بأهازيج وأغاني شعبية رقيقة وشيّقة تعكس حالة الفرح التي كانوا يشعرون بها بهطول الأمطار فتصف بهاءه وجَماله. «طق يا مطر طق، بيتنا جديد، مرزامنا حديد».

جاء عاكساً للواقع فسرعان ما انسدل الستار وكشفت الشوارع أن (مرزامنا) ما عاد حديداً ولا يحتمل هطول الأمطار لفترات بسيطة فأصبحت بيوتنا (مشاريعنا) خريراً، ومرزامنا مهترئاً، وأصبحت شوارع الكويت ومناطقها معرّضة للتلف والغرق، وأصبح المواطن معرّضاً للخطر، ويؤدي هطول الأمطار إلى (غرق الشوارع بشبر ماء).

(مشاهد مظلمة)

شاهدنا (مهزلة) في ملعب كرة القدم فى الأسبوع الماضي عند لقاء النادي العربي والقادسية، وكانت الأحداث منذ بدايتها منقولة مباشرةً على القناة الفضائية الرياضية أمام مسمع ومرأى من العالم.

حيث بعد هطول القليل من الأمطار غرق الملعب بالمياه، والاسوأ أنهم لم يتمكنوا من سحب المياه باستخدام الوسائل الحديثة، بل اقتصر الأمر على الاعتماد على عاملين يستخدمون مساحات بدائية يدوية يجرفون المياه لمدة ساعة كاملة!

فهل نحن نعيش في العصور القديمة البدائية؟

على ما اعتقد أننا نعيش في العصر الحديث عصر التكنولوجيا، عصر التطور والابتكار لجميع الوسائل والتقنيات الحديثة... سؤال يجول في أذهاننا، هل من المعقول ألا يكون هناك معدات حديثة لمعالجة أزمة الصرف الصحي وغرق الشوارع بسبب الأمطار؟ أليست هناك معدات شفط سريعة باستخدام تقنيات حديثة تعكس للمشاهدين الصورة المثالية المتطورة لدولتنا وشعبها؟ ونحن نتكلم عن دولة تملك من الإمكانات الكثير، كدولة الكويت.

لكن للأسف الشديد لم تكن هذه المشاهد مشرفة، بل كانت صوراً تعكس طابعاً سيئاً يكشف عن عدم تحمل المسؤولية والتخلف وعدم الحرص على مواجهة الأزمات خصوصاً البسيطة منها.

كل ما نشاهده أمام أعيننا يدعو إلى استياء واستنكار، ويحتاج إلى انتفاضة لمنع تكرار أزمة غرق الشوارع بسبب الأمطار التي شهدتها الكويت في السنوات الأخيرة والتي لا تزال تتكرّر في كل سنة، والتي نتوقع حدوثها بين لحظة وأخرى عند ظهور أي غيمة سوداء.

وهي ليست مشكلة طارئة، بل تتكرر سنوياً من دون أن يتوصل المسؤولون إلى حل لها.

إنّ الفساد في المواقع المتعددة بلغ مداه ولا يمكن السكوت عنه، وقد شاهدنا إغلاق بعض الطرق والمناطق بسبب التجمع الكبير للمياه فيها، وتلف بعض السيارات وتعطلها، وتسرب المياه إلى داخل المنازل، والهبوط في أرضيات بعض الطرق، وتلف الشوارع وتطاير الحصى، وانسداد مجاري مياه الأمطار، وخرير أسطح بعض المنشآت الحكومية والأهلية، كل هذه الأمور تسبّبت في خسائر مادية كبيرة للكثيرين.

وهطول الأمطار كشف عن الاختيار السيئ للمقاولين وسياسة التنفيع وسوء إنجاز المشاريع.

ويبدو أننا لا نتعلّم من الدروس؟

مسلسل طويل نشاهد حلقاته بصورة متكرّرة عاماً بعد عام، لا جديد ولا تطورات ترافق هذه التبريرات التي تلقي باللوم على غزارة المطر وانسداد مناهيل الصرف الصحي التي تسبّبت بكارثة إزهاق أرواح أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا ضحايا الاستهتار وانعدام الضمير، ناهيك عن الخسائر المادية الأخرى (تلف السيارات وتلف المنازل).

في عدد كبير من الدول تسقط الأمطار بلا توقف لأيام عدة متتالية، فلا تتأثر ولا تغرق بل تجلب الارتياح، وان الله سخّر هذه الأمطار لمصالح العباد فتكسر الجفاف كما قال الله تعالى: «وترى الأرضَ هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماءَ اهتزّت وَرَبَت وأنبَتَت من كل زَوج بَهيج».

- لماذا يتجاهل المسؤولون الحقيقة؟

- ليس الخلل في كثافة هطول الأمطار، إنما السبب الرئيسي في ما حدث هو في فساد المعنيين الذين يعملون في كل من هذه الوزارات المعنية بالإشراف ومتابعة المشاريع التي رست على هذه الشركات، وسوء إنجاز هذه المشاريع من الشركات الموكل إليها العمل وعدم اتخاذ الإجراءات الحازمة لمحاسبة كل المقصرين والمتخاذلين لأداء واجبهم.

ومضة:

كانت جنان بوشهري وزيرة الأشغال سابقاً قد ذكرت وهي على منصة الاستجواب: «من على هذه المنصة، أُعلن تقديم استقالتي؛ لأنه مع الأسف الشركات وأصحاب النفوذ أقوى من الحق»، مضيفة أنها تقف «برأس مرفوع في مواجهة أصحاب النفوذ»، معربة عن فخرها واعتزازها «بكل قرار اتخذته للحفاظ على حق الدولة».

وطالبت الآن وهي نائب في مجلس الأمة، بضرورة إقرار قانون تعارُض المصالح، وفتح ملفات الفساد وتجريم الرشوة وتمكين «نزاهة» من مراقبة صناديق الائتمان بالبنوك وصناديق الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي والقياديين.

طرح عقلاني يتطلّب من الحكومة استعجال مشاريع القوانين المتعلقة بتعزيز النزاهة...

ختاماً، هذا دليل واضح على أن هناك قصوراً لدى المسؤولين، فالأمطار أصبحت تكشف حجم فساد مشاريع الطرق وتعديها على المال العام والاستهتار بأرواح المواطنين، من قِبل الوزارات المعنية وعدم تحمّلها المسؤولية والذي كشف عن أوجه القصور والخلل في التعامل مع حالات الكوارث والطوارئ.

مع العلم بأن هناك ممارسات ومناقصات تُرصد لها مبالغ مالية كبيرة استعداداً لموسم الأمطار كما قلنا سابقاً وهي:

1 - صيانة مجاري مياه الأمطار ومجاري الصرف الصحي.

2 - تجهيز المؤسسات المعنية بالمعدات اللازمة لاستخدامها في حالة الطوارئ.

ومع ذلك نرى أن العمل المنجز غير احترافي بسبب جشع المقاولين وتراخي المسؤولين عن القيام بدورهم الإشرافي وعدم اتخاذ القرار الحازم بتغريم هؤلاء ومحاسبتهم، بل يجب استبعادهم من المناقصات الحكومية تماماً. فالمحاسبة والمتابعة هي الرادع لهؤلاء المتربحين.

متى نرى محاسبة هؤلاء المقصرين؟

ألا يخاف هؤلاء الذين تصدّوا لحمل الأمانة من الله وعقابه، قال تعالى: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا».

اللهمّ احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي