الراعي حدّد «برنامج عمل» رئيس «استعادة الاستقلال»
«المونديال اللبناني»... كأسٌ مُرة وأهداف «طائشة» بالمرمى الرئاسي
ليس هذا أول مونديال يحلّ على لبنان في ظلالِ فراغٍ رئاسي، لكنه بالتأكيد الأوّل في زمنِ انهيارٍ شاملٍ حوّل أبناء «بلاد الأرز» كرةً تتلاعب بها الأزماتُ المالية والسياسية الأعتى فيما المتلاعبون بمصير الوطن الصغير يتبارون في تسديد الأهدافِ بمرمى بلدٍ صار ملعباً لصراعاتٍ محلية - إقليمية ضارية.
وفيما كانت عيون العالم شاخصةً على كأس العالم في كرة القدم الذي انطلق أمس من قطر، فإن اللبنانيين واكبوا «العرس الكروي» وإقلاعه من إستاد البيت بمزيجٍ من:
- فرحٍ لطالما لاقوا به كل مونديال «يشاركون» فيه عبر منتخباتٍ كأنها «لبنانات» بألوان أعلام غالباً ما ترفرف على الشرفات والسيارات، وإن تكن هذه المرة احتجبت خلْف «القِلّة» وأحزمة البؤس التي لا تنفك تتّسع منذ نحو 3 أعوام.
- وحسرةٍ على مصيرٍ بائسٍ رُمي فيه بلدهم الذي يتقلّب على رأس لوائح الفقر والفساد والتضخم وأخواته فيها محيطهم الخليجي يُعْلي رأسَ العرب فوق سحاب العالمية من أوسع أبواب النجاحات والتألق.
- ومن سخطٍ على طبقة سياسيةٍ لم تكتفِ بترشيحهم للقب «أسوأ دولةٍ فاشلة» بل حرمتهم حتى متعةَ مشاهدة أشهر فاعليةٍ رياضية في الكرة الأرضية بلا أكلاف لا قدرة لهم على تَحَمُّل أعبائها، بعدما لم تنجح حتى الساعة في توفير آليةٍ لسداد مبلغ مخفّض (نحو 4.5 مليون دولار) للناقل الحصري لكأس العالم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك بفعل حاجةِ هذا الأمر إلى اجتماعٍ لمجلس الوزراء تحول دون انعقاده أزمةُ الشغور الرئاسي التي ترافقتْ مع وجود حكومةِ تصريف أعمال تتولى مهمات رئاسة الجمهورية ولكن تحت سقف النطاق الضيّق الذي لا يتيح التئامها خارج «الضرورات القصوى».
وفيما كان لبنان الرسمي يَحضر افتتاح المونديال ممثَّلاً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فإن الشهرَ الكروي الذي ينضبط العالمُ على روزنامته كل 4 سنوات قد يشكّل للبنانيين فسحةً لـ «تنويمِ» مآسيهم، ولكنه لن يكون بالتأكيد كفيلاً بوقْف تضخُّم الأزمات السياسية والمالية والمعيشية التي تتناسل و«يغذيها» شغور رئاسي مرشَّح لمزيدٍ من «المطاحَنات» التي يُرجّح أن تشتدّ في الأسابيع المقبلة داخل معسكريْ الصراع المحلي وبينهما:
- الموالاة، حيث يسعى رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لتنفيذ «إعدامٍ سياسي» بحق سليمان فرنجية المرشّح المدعوم من حليفه «حزب الله» وإن من دون «إعلانٍ بالاسم» حتى الساعة، وهي «المعركة» التي بدأت ارتداداتُها تتطاير في أكثر من اتجاه بعضها يطال علاقة باسيل بالحزب.
- والمعارضة التي لم تنجح حتى الساعة في الجلوس على «مقعد الأفضلية» في السِباق الرئاسي حين تدقّ ساعة التسوية، وهو ما كان سيشكّله توافق كل مكوناتها، من أحزاب سيادية ومستقلين وتغييريين على المرشح ميشال معوّض ما سيضمن لها «وزناً مقرِّراً» في اختيار الرئيس «المتفاهَم» عليه اسماً ومواصفات.
وفي هذا الوقت ومع دخول الشغور الرئاسي أسبوعه الرابع اليوم، برز أمس تحذير البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عشية الذكرى 79 لاستقلال لبنان التي تحل كئيبةً وبلا احتفالاتٍ من «الاستخفاف باختيارِ رئيسِ الجُمهوريّةِ المقبِل».
وقال الراعي في عظة الأحد: «ننتخب رئيساً لاستعادةِ الاستقلال. ونناشد النوّاب ألّا يَقعوا ضحيّةَ الغِشِّ والتضليلِ والتسوياتِ والوعودِ الانتخابيّةِ العابرة، وفريسة السطوة والتهديد والوعيد. ونحن أصلاً شعبٌ لا يَخضعُ لأيِّ تهديدٍ، ورئيسُ لبنان لا يُنتخَبُ بالتهديدِ والفَرْض».
وأضاف: «كم يؤلمنا عندما نرى المجلس النيابي يهدر الزمن خميس بعد خميس، وأسبوعاً بعد أسبوع في مسرحيّة هزليّة لا يخجلون منها، وهم يستخفّون بانتخاب رئيس للبلاد في أدقّ الظروف. إنّنا نحمّلهم مسؤوليّة خراب الدولة وتفكيكها وإفقار شعبها».
وتابع: «تُطِلُّ علينا بعد يومين ذكرى الاستقلالِ وتأتي هذه السنة شاغرة وفارغة هي أيضاً من معانيها وأبعادِها. إذ ليس الاستقلال أنْ يخرج الأجنبيُّ من لبنان بل أن يدخل اللبنانيّون إلى لبنان. والحالُ أنّنا نرى فئاتٍ لبنانيّةً تَستجدي الوصايةَ وتَتسوّلُ الاحتلال وتشحذُ التبعيّة».
ولفت إلى أنّه «بعيداً عن الصفاتِ المتداولةِ في شأنِ رئيسِ تحدٍ أو رئيسِ وفاق وما إلى ذلك من كلماتٍ فَقدت معناها اللغَوي والسياسيّ، تحتاجُ البلادُ إلى رئيسٍ مُنقِذٍ يُعلن التزامَه الحاسمَ بمشروعِ إخراجِ لبنان من أزْمته وتأليف حكومةِ إنقاذٍ، وإحياء العملِ بالدستورِ اللبناني والالتزام به إطاراً للسلمِ اللبناني، ومرجِعيّةً لأيِّ قرارٍ وطنيّ، واعتبار اتفاق الطائف منطلقًا لأيّ تَطورٍ حقوقي من شأنِه أن يُرسِّخَ العدالةَ بين اللبنانيّين. كما لا بدّ للمسؤولين في أيِّ موقِع كانوا من احترامِ الميثاقِ الوطنيّ والأعراف لتقويةِ الوِحدةِ الوطنيّةِ».
كما دعا الرئيس العتيد لالتزام «الشروع بتطبيقِ اللامركزيّةِ الموسّعة على صعيدٍ مناطقي في إطارِ الكيانِ اللبنانيِّ بحيث تَتجلّى التعدّديّةُ بأبعادِها الحضاريّةِ والإداريّةِ والإنمائيّةِ والعامّة، (...) ودعوة الدول الشقيقة والصديقة لتنظيم مؤتمر لمساعدة لبنان أو إحياءِ المؤتمرات السابقة وترجمتِها سريعاً، وتطبيق قرارات مجلس الأمن المختصّة ببسط السلطة اللبنانيّة الشرعيّة على كامل أراضي البلاد مع تثبيت حدوده مع كلّ من إسرائيل وسورية، وإخراج لبنان من المحاورِ التي أضَرّت به وغيّرت نظامَه وهُويّتَه ومن العزلة التي بات يعيش فيها، والعمل على إعلان حياده، وأخذ مبادرةٍ رئاسيّةٍ لدعوةِ الأممِ المتّحدةِ إلى رعايّةِ مؤتمرٍ خاصٍّ بلبنان والقيام بجميعِ الاتّصالاتِ العربيّةِ والدُوليّةِ لتأمين انعقادِ هذا المؤتمر».