الإدعاء على القاضية عون... وتمويل الكهرباء تحت المعاينة
«حروب سياسية» صغيرة في لبنان تملأ فراغاً رئاسياً... باقٍ ويتمدّد
بدأ الشغورُ الرئاسي في لبنان والتسليمُ بأن إنجازَ هذا الاستحقاق مؤجَّلٌ لِما بعد حلول السنة الجديدة يستولدُ «حروباً صغيرةً» يلهو بها أطرافُ الداخل في انتظار تطوراتٍ أو تفاهماتٍ «كاسِرةٍ للتوازنات» ومن شأنها إحداثُ اختراقٍ يُراهَن على أن يكون فاتحةَ إخراجِ البلاد من الحفرةِ السحيقة التي تتقلّب فيها وليس مجرّد «تمديدٍ للأزمة» بوجهيْها السياسي والمالي.
وفي حين تتمدّدُ «القِلةُ» المالية – الاقتصادية في مَفاصل الواقع المعيشي المؤلم وسط وقوعِ بنود رئيسية في دفتر الشروط الإصلاحي الذي وضعه صندوق النقد الدولي لإبرام الاتفاق النهائي مع لبنان، وبينها مشروع قانون الكابيتال كونترول، رهينةَ تجاذباتٍ داخلية معلَنة وخفية علِقت في شِباكها أيضاً خطة النهوض ومشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، فإن «القلّة» السياسية في الملف الرئاسي والتي تشي بفراغٍ غير قصير تُنْذِرُ بفتْح الوطن الصغير على مرحلةٍ يملأها «صراخٌ» على جبهتين:
* الأولى «الجبهة الأصلية» وبما يُخْفي عجزاً لم يعُد مكتوماً عن لبْننةِ استحقاقٍ لم يكن مرّةً إلا نِتاجَ تقاطعاتٍ إقليمية – دولية وإن ارتكزتْ على موازين داخلية.
* والثانية «رديفة» وتشكّلها مجموعة ملفاتٍ، بعضها من «موروثات» الاشتباكات السياسية التي طبعت حكمَ الرئيس السابق ميشال عون وتَحمل في طياتها ملامح «ثأر» بمفعول رجعي من ممارساتٍ اعتبرها خصوم العهد «انتقاميةً» منهم أو في سياق «معارك بدَل عن ضائع».
وإذا كان الملف الرئاسي انتقل منذ يوم الجمعة للدوران تحت السقف الأعلى الذي وضعه «حزب الله» وبأعلى صوت كاشفاً إمساكه بلوحة «التحكم والسيطرة» ذات الصلة بهذا الاستحقاق عبر «سلة مواصفاتٍ» لرئيسٍ «تَطْمَئنّ له المقاومة ويحمي ظهرَها ولا يتآمر عليها» معلناً العملَ «لإيصال مَن نريده إلى الرئاسة»، فإنّ خروجَ الحزب من وراء الستارة في هذا الإطار لم يساهم إلا في إضافة المزيد من «الأسلاك الشائكة» حول الجدار المسدود وسط توقُّع تصلُّب مضاد من خصومه الذين يرتقب أن يتخنْدقوا أكثر خلف المرشح ميشال معوض الذي يجري رصْدٌ لِما إذا كان اجتماع نواب من المعارضة، من التغييريين والمستقلين وآخرين اليوم، سيُفضي إلى جعْل أصواته تتجاوز الخمسين في جلسة الانتخاب السادسة التي يعقدها البرلمان بعد غد.
وتُبْقي أوساطٌ سياسية مطلعة على حذرها حيال الجزمَ بأبعاد إطلالة «حزب الله» على الملف الرئاسي بما يشبه حمْل «البندقية السياسية» في يد وكأن على كتفه المرشح غير المعلن رسمياً سليمان فرنجية، و«غصن زيتون» التوافق في يد أخرى، معتبرةً أن هذا الأمر يحتمل اتجاهاً من اثنين: إما محاولة لجرّ الجميع إلى «تفاهُم إكراهي» على «مَن نريده رئيساً مهما طال الزمن».
وإما استدراجاً لتفاهُم من موقع قوةٍ يُخفي وراءه بالدرجة الأولى عدم قدرة على إيصال فرنجية الذي يصطدم بفيتو حتى الساعة من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وهو الفيتو الذي يحول دون توافر الغالبية العدَدية (بالنصف زائد واحد) كما يشكّل «قنبلةً» داخل الائتلاف الذي يقوده «حزب الله» من شأنه تفجيره من الداخل بحال ارتأى الحزب تَجاوُز باسيل وتزكية خيار زعيم «المردة» من جانب واحد.
وفيما كانت الأنظار في بيروت أمس على بروكسيل، حيث اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، وبالي حيث قمة الـ 20، وسط رصْد لِما إذا كان الملف اللبناني سيحضر فيهما أو في لقاءاتٍ على هامشهما بما سيعكس حجم الاهتمام الدولي بالواقع اللبناني ويحدّد منسوبه بعيداً من أي مبالغاتٍ، فإنّ الأجندة الداخلية انشغلت بمسألتيْن:
- الأولى ادعاء النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، بجرم القدح والذم والتحقير وإثارة النعرات الطائفية وإساءة استخدام السلطة، واحالها على الهيئة العامة لمحكمة التمييز لمحاكمتها.
وجاء الادعاء على عون، بعد رفضها المثول أمام النائب العام التمييزي واستجوابها في الشكوى المقدمة ضدها من رئيس مجلس النواب نبيه بري وزوجته السيدة رندا، وذلك على خلفية تغريدة منسوبة لموقع «ويكليكس»، أدرجت لائحة تضم أسماء سياسيين ورجال أعمال وشخصيات مصرفية بينهم بري وعقيلته، زعمت فيها أنهم هرّبوا عشرات مليارات الدولارات الى المصارف السويسرية.
وجاء في تغريدة عون «لا أعلم مدى صحة هذه المعلومة. لكن لماذا لا يبادر الأشخاص الواردة أسماؤهم في هذه اللائحة إلى كشف حساباتهم لدى المصارف السويسرية؟ من أجل الشفافية فقط!!! بمطلق الأحوال أتمنى أن يكون هناك باب في قانون رفع السرية المصرفية. والذي سأنكَبّ على دراسته. وأتمنى أيضاً من الحقوقيين التعليق عليه».
وبدا هذا الملف من «ترْكة» الودّ المفقود المزمن بين عون وبري والذي اشتدّ على امتداد الأعوام الستة الماضية، كما جاء مدجّجاً بأبعاد تتصل بالمعركة الرئاسية وموقف رئيس البرلمان الذي يدعم فرنجية ويرسم خطاً أحمر أمام وصول باسيل الذي يعتبر بدوره أن انتخاب زعيم «المردة» سيكون بمثابة «إهداء موقع الرئاسة إلى بري».
- والثانية «الأضرار الجانبية» التي سيشكّلها اتجاه كتل نيابية وازنة لرفْض ممارسة البرلمان العمل التشريعي في كنف الشغور الرئاسي، وسط علامات استفهام حول المدى الذي قد يبلغه هذا الأمر وهل سيساهم احتشاد كتل من مشارب مختلفة، ولا سيما المسيحية، في قطْع الطريق حتى على مسعى تمرير اقتراح قانون حول تمويل مصرف لبنان لشراء الفيول لزوم مؤسسة كهرباء لبنان لتوفير الطاقة لِما بين 8 و10 ساعات يومياً، أم أن كتلة «التيار الحر» مثلاً ستتجاوز محاولة «استفراد» القاضية عون وما تعتبره عرقلة متعمّدة لمجمل ملف الكهرباء طول العهد السابق وقبْله لمنْح اللبنانيين «هدية ضوء» قبيل أعياد نهاية السنة.