مشاهدات

الكويتيون يدٌ واحدةٌ أمام التحديات

تصغير
تكبير

جاء الإسلام بمفاهيم مختلفة عن مفاهيم المجتمعات الجاهلية في كل جوانب الحياة، وفي كتاب الله وسيرة الأنبياء وحديث خاتم النبيين تأكيدٌ على الوحدة بين المسلمين مهما اختلفت لغاتهم وألوانهم وطوائفهم. فالوحدةُ نقطةُ القوةِ الأنجع التي نجابهُ بها المساعي الحثيثةَ لبث التفرقة والتنازع والعصبيات بين المسلمين.

ومفهوم الوحدة الإسلامية هي أن يكون المسلمون أمةً واحدةً وتحت راية واحدة.

كما قال تعالى: (إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربُّكم فاعبدون).

فإنّ محمّداً رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم - أخبرَنا بأنه جاء ليتمّمَ مكارمَ الأخلاقِ فينا، لنكون خيرَ أمةٍ بين الأمم.

قال - صلى الله عليه وآله وسلم: (لا فضلَ لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلّا بالتقوى، الناس من آدم، وآدمُ من تراب)، ونحن في ظل هذه الأجواء الصعبة لا بد أن نقف وقفةَ تأمل لنفكر في ما هي مسؤولياتنا أمام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-، وكيف يمكن أن نؤكد في حياتنا التزامنا بما جاء به، ولن يتحقق ذلك إلا بالمحافظة على وحدتنا كمسلمين.

إنّ الواجب الديني يحتمُ علينا أن نرتقي بالعمل الوحدوي لنصل به إلى مرتبة العبادة باعتباره أمراً دينياً ملزماً وغايةً إلهيةً واجبة.

ومستقبل الأجيال المسلمة متعلّق بهذا المسار، فهو أيضاً يتعلق بحياة ووجود ومستقبل المسلمين أي بنهضتهم المشروطة بوحدتهم.

ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحُكم، ولا تسمحوا لأيّ شخص أن يُوقعَ الفتنة بينكم، ليكن لكلّ إنسان وجهة نظر، لا أن يلغي بعضنا بعضاً عندما نختلف بالفكرة، لأنّ هذا ليس شأن المؤمنين والمسلمين.

والله تعالى يأمرنا عندما نختلف في شيء، أن نردّه إليه وإلى الرّسول، لا أن نردّه إلى عصبيّاتنا وأنانيّاتنا وذاتيّاتنا، وإلى كلّ الشّياطين المتجمّعة في نفوسنا من خلال عصبيّاتنا حتَّى لو اختلفنا في المذاهب، فإنّ علينا أن نتّحد بالله وبرسوله، ثم نتحاور، والله تعالى أمرنا ألا نجادل أهل الكتاب ـ وهم اليهود والنّصارى ـ إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم، وأمرنا أن نقف معهم على كلمة سواء.

فكيف بالعلاقة بين المسلمين؟

إن الله جعلنا إخوة، فاذا اختلف الإخوة فأصلحوا بينهم، هذا هو نداء الله للمسلمين كافة، الواجب الديني الذي يرتقي بهذا الشكل من العمل الوحدوي الى مرتبة العبادة باعتباره أمراً دينياً ملزماً وغايةً إلهية واجبة.

ولا خلاف بين كل هذه المذاهب في الأصول الأساسية للإسلام كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر بتفاصيلها كافة، وكذلك جميع الشعائر الإسلامية، ثم ان الينابيع التي يستقي منها الفكر الديني والرأي الإسلامي واحدة وهي القرآن الكريم والسنة النبوية.

ما دفعني لكتابة مقالتي هذه هو ثمّة مقتضيات ودواعٍ عديدةٍ تدفعنا إلى قراءة ودراسة السيرة والأخلاق التي كان وما زال يتحلى بها أهلونا وأجدادنا من وحدة، وأُلفة، ومشاركة طيّبة بعيدة عن التعصب والنعرات الفاسدة، وذلك من أجل التعرّف بعمق على هذه التجارب والعطاءات، والتفاعل مع بعضنا البعض، يد واحدة على كلمة سواء كمواطنين مسلمين.

في الأسبوع الماضي تحديداً التقينا في ديوان آل الحبيب، الكرام، بالشيخ حمد سنان، ودار الحديث حول الوحدة الإسلامية من خلال تبنيه لمشروع الوحدة الوطنية منطلقاً من أصالة الوحدة الإسلامية ورؤيته لتحقيق ذلك من خلال تغيير نسيج الأفكار القديمة وانتهاج التحديث للأفكار الدينية وأهمها: (نبذ التكفير)، لتكون هذه القاعدة هي نقطة الانطلاق إلى الوحدة، وتكون المرجعية للقرآن الكريم، وسيرة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وبالتالي يكون الهدف المشترك للكويتيين هو المسار نفسه والمصير المشترك الذي يرتكز على قواعد دولة الدستور، وكلنا متفقون على سيادة دولة القانون.

وكذلك يرى بأن التسامح يعتبر طريقاً لتحقيق مشروعه الإصلاحي، حفاظاً على النسيج الاجتماعي للوطن وحقناً لدماء المسلمين ودرء الفتنة وإصلاح ما أفسده الإرهابيون والطائفيون وهو بهذا الشكل من الخطاب المميز يختلف عن غيره من خلال منبره في صلاة الجمعة.

- من الواضح وجود تيارين يبدو أنهما مختلفان وهما:

طائفة تعتمد على مدرسة الصحابة، والأخرى تعتمد على مدرسة أهل البيت، وجميعهم لديهم مشتركات محورية وهو كتاب الله والسنة النبوية.

وهذا الطرح ذكّرني بجيلنا الجميل في ذلك الزمن الجميل، عندما كانت الأسر في المنطقة تتجمّع دون أي خلافات مذهبية أو فكرية، كل منهم يتعبد الله بكل اريحية وأمان، وأتذكر وفود العوائل الكريمة إلى منزلنا ومشاركتهم لنا جميعاً مع والدتي، رحمها الله، لتجهيز موائد أهل البيت في كل المناسبات، واذكر من العوائل السنية الكريمة (النهام - الجوهر - الجلاهمة - الحجرف - العجيل -الفقعان - النجم - الفرَج...) والذين اجتمعوا على محبة أهل بيت النبوة، ناهيك عن العلاقات المميزة والمحبة في ما بينهم فلا وجود للخلافات والتكفير، وإنما جميعهم أسرة واحدة يجمعهم الإسلام الحنيف.

- وعندما حدث الغزو العراقي الغاشم سنة 1990، لم يفرق الغزاة بيننا مذهبياً، ولم نتفرق نحن أيضاً، بل كنا كلنا كويتيين ودافعنا عن الوطن دون أي خلافات في ما بيننا.

- وأخيرا نتذكّر اليوم الأسود الذي حاول الإرهابيون بث الفتنة في ما بيننا من خلال إرسال الانتحاري من ذوي الفكر المنحرف الذي لم يراعِ حُرمة شهر الله شهر رمضان، ولم يراع بيت الله، المسجد، ولم يراع حرمة الصلاة في يوم الجمعة، ولم يخاف الله عندما ارتكب فعلته الدنيئة بقتل المصلين الصائمين الساجدين، وكان الإطفائي المحنك صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، طيّب الله ثراه، أول الحاضرين إلى موقع الحدث مخاطراً بحياته متأثراً وحزيناً على أبناء وطنه، وقال كلمته الشهيرة (هذولا عيالي) وكان هو صاحب العزاء، وأقام العزاء المهيب لشهداء المحراب في مسجد الدولة الكبير، حيث عمل على درء الفتنة منذ بدايتها وأفشل مخطط المنحرفين.

وبالفعل هناك استخبارات دول عظمى تحاول مساندة وتأجيج الفتنة وبث الفرقة بين المسلمين لأهداف خبيثة، ولذلك ندعو جميع المشايخ من الأطياف كافة إلى تبني ما يقوم به العقلاء، فلا مصيبة أشد من الفتنة، والتي فيها هلاك الصالح والطالح، فلنَقِفْ أمام المفسدين بجميع ما نملكُه من الإمكانات والوسائل لأن ذلك من الإيمان، وحقن الدماء وإفشاء السلام مع الإنسانية جمعاء هي المسعى والنجاح.

وختاماً:

ابتلى الله عباده بالخير والشر، والإيمان والكفر، والطاعة والمعصية؛ لينظر كيف يعملون (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

اللهمّ احفظ الكويت آمنةً مطمئنةً، والحمدلله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي