العنف يُهدد اتفاق الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وليبيا
روما - أ ف ب - اعتقدت الطبيبة الألمانية ليونا بلانكنشتاين، أنّها أساءت فهم ما يجري عندما هدّد خفر السواحل الليبي بإسقاط طائرة تابعة لمنظمة «سي ووتش» غير الحكومية كانت تراقب مساعدة قارب مهاجرين في البحر الأبيض المتوسط.
«ابتعدوا عن (المياه) الإقليمية الليبية، وإلّا سنطلق عليكم صواريخ سام (أرض - جو)».
صدر هذا التحذير عن «فزان» أحد زوارق الدورية التي قدمتها إيطاليا لليبيا لاعتراض المهاجرين الذين يحاولون مغادرة البلاد التي مزّقتها الحرب.
ووقّع البلدان اتفاقاً برعاية الاتحاد الأوروبي لمنع المهاجرين من عبور وسط البحر المتوسط، وهو نصّ مثير للجدل يحيي الجدل مع تبنّي روما خطّاً متشدّداً في شأن سياسة الهجرة.
وقالت بلانكنشتاين لـ «وكالة فرانس برس»، «كان الضجيج عالياً على متن الطائرة وظننت أنني ربما أسأت الفهم».
كان ذلك في 25 أكتوبر عندما كانت بلانكنشتاين على متن طائرة تابعة لمنظمة الإغاثة الألمانية «سي ووتش» تحلّق فوق المياه المالطية.
وبحسب بلانكنشتاين ومقاطع فيديو نشرتها «سي ووتش»، فرض الطاقم الليبي على المهاجرين الصعود إلى قاربه، قبل انتزاع المحرّك من زورقهم وإطلاق النار عليه حتى اشتعلت فيه النيران.
وتابعت «حدث ذلك في ثوانٍ (...) كنت قلقة. سلوكهم لا يُمكن التنبّؤ به»، موضحة أنها غادرت المنطقة فور سماع التحذير.
- «فعّالة جداً»
وتفيد المنظمات بانه جرى اعتراض نحو مئة ألف شخص منذ توقيع الاتفاق مع ليبيا في العام 2017، وذلك من قِبل إيطاليا والاتحاد الأوروبي اللذين وافقا على تدريب وتجهيز خفر السواحل الليبي.
ورغم الدعوات إلى إلغاء الاتفاق، جرى تجديده بشكل تلقائي في بداية نوفمبر بعد أيام على تولّي الحكومة الإيطالية اليمينية المتطرّفة برئاسة جيورجيا ميلوني، مهامها.
وتم التوصل إلى الاتفاق تحت ضغط الأعداد الكبيرة من اللاجئين الفارين من الصراعات في سورية والعراق وليبيا، للبحث عن ملاذٍ في أوروبا، وبعد سلسلة حوادث غرق، سُجّل على إثرها عدد قياسي بلغ خمسة آلاف شخص بين قتيل ومفقود في البحر المتوسط في العام 2016.
وأوضحت المفوضية الأوروبية أنّ الهدف كان «منع الخسائر في الأرواح البشرية في البحر المتوسط وفي الوقت ذاته قمع شبكات تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر».
وتمّ الإبلاغ عن 3140 شخصاً بين قتيل أو مفقود في العام 2017 في مقابل 2062 العام الماضي، حسب منظمة الهجرة الدولية.
وقال لويجي سكازييري، من مركز الإصلاح الأوروبي، إن «العمل مع سلطات دول العالم الثالث لمنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا أحد المحاور الرئيسية للسياسة الأوروبية».
وأثبت الاتفاق الإيطالي - الليبي أنه «فعّال جداً» لتقليل عدد الواصلين، على الأقل في البداية.
- «غير قانوني»
وتدين المنظمات الإنسانية المخاطر التي يواجهها المهاجرون من تنكر أفراد ميليشيات مسلّحة بزي خفر السواحل الليبي وتوثيق حالات استخدام للذخيرة الحية ضد قوارب لمهاجرين في أعالي البحار.
وتشير الانتقادات إلى نقص المسؤولية والشفافية في شأن متلقّي المنح في ليبيا. ويأتي ذلك فيما يوضع عدد كبير من الأشخاص الذين جرى اعتراضهم في البحر في مراكز ليبية، شبّهها البابا فرانسيس بـ «معسكرات اعتقال».
وتؤكد منظمات العفو الدولية و«أنقذوا الأطفال» (سيف ذي تشيلدرن) و«أطباء بلا حدود»، أن المهاجرين في ليبيا يتعرّضون للتعذيب، كما أنهم ضحايا للعنف الجنسي أو العبودية.
لكن السلطات الليبية تنفي ذلك. وقال مسؤول في شؤون الهجرة إنّ «الاعتقالات تتم وفقاً للقواعد المعمول بها».
وتؤكد هذه المنظمات كذلك أنّ وكالة «فرونتكس» التابعة للاتحاد الأوروبي التي تستخدم الطائرات لرصد المهاجرين المعرّضين للخطر، تساعد الليبيين.
ويقول فيليكس ويس، الناطق باسم «سيبرد» التابعة لـ«سي ووتش»، إنّ أفراد «خفر السواحل الليبي ليسوا محترفين، إنهم بحاجة لمراقبة جوية ولمشورة الاتحاد الأوروبي للعثور على قوارب المهاجرين».
من جهته، يؤكد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان أرتور ساليزني لـ «فرانس برس»، أنّ «صدّ» المهاجرين من مناطق البحث والإنقاذ الأوروبية باتجاه ليبيا، يُعتبر بموجب قانون الاتحاد الأوروبي «غير قانوني إذا كانت الدول الأوروبية متواطئة».
لم ترد الحكومة الإيطالية على أسئلة بهذا الشأن.
- الاتجار بالبشر
تستقبل إيطاليا ملايين الأشخاص الذين يسعون كل عام إلى اجتياز وسط البحر المتوسط، أخطر طريق هجرة في العالم.
وقد وقّعت عدداً من الاتفاقات خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع الزعيم الليبي السابق العقيد معمر القذافي الذي أُطيح وقُتل في 2011، للحدّ من تدفّق موجات المهاجرين.
وعلّقت هذه الشراكة بعد انهيار الحكومة الليبية وإدانة إيطاليا في 2012 من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لاعتراضها مهاجرين وإعادتهم قسراً إلى ليبيا.
لكن في 2017، وقّع باولو جينتيلوني، الذي كان رئيساً لحكومة ليسار الوسط، اتفاقاً جديداً مع فايز السراج رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المدعومة من الأمم المتحدة.
منذ ذلك الحين، تلقّت المنظمات الإنسانية، بما في ذلك منظمة الخط الساخن «ألارم فون» التي يستخدمها المهاجرون المعرّضون للخطر، أوامر بـ«تنبيه خفر السواحل الليبي»، حسب ما قالت كيارا دينارو من «ألارم فون».
لم يلبث الاتفاق أن أثار انتقادات بينما فرضت الأمم المتحدة عقوبات على عدد من الليبيين في 2018 المتورّطين بشكل مباشر في تجارة البشر.
ومن هؤلاء أحمد عمر الدباشي، الذي كان المسلحون التابعون له يسيطرون على معسكرات وقوارب ويعرضون المهاجرين بمن فيهم قاصرين لـ«ظروف وحشية وقاتلة في بعض الأحيان في البر والبحر»، بحسب الأمم المتحدة.
في 2019، كشف الصحافي الإيطالي نيلو سكافو أنّ رجلا آخر ينشط في الاتجار بالبشر هو عبدالرحمن الميلاد ويعرف باسم «بيجا»، شارك في محادثات في صقلية مع مسؤولين إيطاليين في شأن تفاصيل اتفاق العام 2017 حول المهاجرين.
وعلّق عمل «بيجا» في خفر السواحل الليبي في 2018، لكنه واصل المشاركة في العام التالي في «إنقاذ المهاجرين»، حسب تقرير للأمم المتحدة، استشهد به سكافو.
بعد يومين من التهديد الذي تعرّضت له الطائرة، أعلنت «سي ووتش» أنّ لديها دليلاً على أنّ خفر السواحل الليبي يتعاون مع المهرّبين.
ونشرت المنظمة غير الحكومية صوراً لزورق مهاجرين من الخشب، يحمل لوحة مكتوب عليها 1688، التقطتها «سيبيرد» في بداية أكتوبر أثناء اعتراض خفر السواحل.
وصُوّر الزورق نفسه بعد ثلاثة أيام يحمل مهاجرين مختلفين على متنه، مما يشير إلى أنه أُعيد إلى ليبيا واستُخدم من جديد، وفق «سي ووتش».
- حقوق الإنسان
في المجموع، خصّص الاتحاد الأوروبي نحو 59 مليون يورو لزيادة القدرة التشغيلية لخفر السواحل الليبي، بما في ذلك تدريب نحو 500 فرد بين 2015 و2020، عندما توقّفت العملية.
وتجري مفاوضات مع الليبيين من أجل استئناف هذا التدريب «مع التركيز بشكل كبير على حقوق الإنسان والقانون الدولي»، حسب ما قالت ناطقة باسم الاتحاد الأوروبي.
وأوضحت لـ «فرانس برس»، أن المفوضية كلّفت متعاقداً مستقلّاً في 2019 لمراقبة العمليات في ليبيا، لكن تقاريره لم تُنشر لأسباب أمنية.
من جهتها، خصّصت إيطاليا 32.5 مليون يورو على الأقل من أجل مهمات دعم خفر السواحل الليبي منذ 2017، وفق منظمة «ارسي» (Arci) الإنسانية في تقرير العام الماضي.
وفي أكتوبر، كشف الصحافي الاستقصائي دوشيو فاكشيني أنّ إيطاليا أنفقت 6.65 مليون يورو إضافية لتزويد خفر السواحل الليبي بـ14 زورقاً سريعاً جديداً، قبل أشهر عدة فقط.
وأكدت منظمة العفو الدولية، أمس، أن «من المعيب» أن تواصل روما «مساعدة السلطات الليبية في انتهاك حقوق الإنسان لشعبها».
«سي ووتش» واحدة من منظمات الإغاثة التي تملك سفن إنقاذ في البحر المتوسط، ووجدت نفسها هدفاً لهجمات حكومة ميلوني الجديدة.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، رفضت الحكومة الإيطالية منح حقّ الرسو لأربع سفن، قبل أن تسمح في ما بعد لثلاث منها بالرسو. وتوجّهت السفينة الرابعة إلى فرنسا، الأمر الذي أدّى إلى نزاع ديبلوماسي بين باريس وروما.
ويؤكد مجلس أوروبا، أنّ عرقلة أنشطة الإنقاذ التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية والفشل في تخصيص موانئ آمنة وقريبة لإنزال الذين يتمّ إنقاذهم في البحر، في هذه الحالة في إيطاليا، هي تكتيكات «تهدف ضمنياً او علنا على ما يبدو إلى فتح المجال أمام عمليات اعتراض من قبل خفر السواحل الليبي (...) رغم الأدلّة القاطعة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان».