No Script

على وقع الانسداد الرئاسي والاكتفاء الدولي بـ «إعلان نيات» حيال الفراغ

ما سرّ التحذير الأميركي من «السيناريوهات الأسوأ» في لبنان؟

ليف تخشى سيناريوهات كارثية محتملة للوضع اللبناني
ليف تخشى سيناريوهات كارثية محتملة للوضع اللبناني
تصغير
تكبير

- «جرس الإنذار» الأميركي يشي بفصْل إنجاز الترسيم البحري عن بقية الملفات اللبنانية

في الوقت الذي يقبع الاستحقاق الرئاسي في لبنان خلف «قضبان» صراعات داخلية محكومة بخطوط انقسام قديمة - جديدة، تزداد المعاينة للمقاربات الخارجية للأفق المسدود في «بلاد الأرز».

لاسيما بعد وقوعها في أسْر شغورٍ رئاسي مفتوح على شتى أنواع الكوابيس.

وعشية جلسة لا انتخاب خامسة، هي الأولى في عهد الفراغ، يعقدها البرلمان اليوم، وفي موازاة مواقف دولية أقرب إلى «إعلان النيات» حيال ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون مزيد من الإبطاء، استمرت التحريات لأبعاد التحذير الأميركي الـ«ما فوق عادي» من «السيناريو الأسوأ» الذي قد ينجرّ إليه لبنان والمدجّج بخطر «تفكُّك الدولة».

ووُضع الموقف الأميركي منذ صدوره قبل أيام تحت المجهر الداخلي ربْطاً بمجمل إدارة واشنطن لعلاقتها مع لبنان، والتي راوحت في الأعوام الماضية بين إخراجه من على رادار الأولويات واستخدام عصا العقوبات ضد «حزب الله» وحلفاء له، وبين انخراطٍ مباشر وعميق ذات بُعد استراتيجي عبّر عنه نجاحها في اختراق ديبلوماسي غير مسبوق شكّله اتفاق الترسيم البحري النهائي بين لبنان واسرائيل.

والواقع أنه منذ التسوية الرئاسية التي حَمَلَتْ الرئيس السابق ميشال عون الى القصر الجمهوري والرئيس سعد الحريري الى السرايا الحكومية (2016)، بدا الموقف الأميركي تجاه لبنان حَذِراً وغير معنيّ بالتسوية التي رعتْها حينها فرنسا ولم تكن السعودية راضيةً عنها.

وطوال ست سنوات من عهد عون، لم يكن موقف الإدارة الأميركية التي تغيّرت من جمهورية إلى ديموقراطية، يعبّر عن كثيرٍ من الاهتمام بإدارة الملف اللبناني. وظلت زيارات الوفود الأميركية قائمة ولكن من دون حماسة تُذكر، إلى أن جاءت تظاهرات 17 اكتوبر 2019.

حينها اتّهمتْ قوى 8 مارس (حزب الله وحلفاؤه) واشنطن بتمويل التظاهرات ودعم المتظاهرين الذين نادوا بإسقاط السلطة بكل أركانها. وساهم وقوع انفجار مرفأ بيروت (4 اغسطس 2020) في وضْع واشنطن بموقعٍ تحذيري من مغبة ما يجري في لبنان.

على أن انحسارَ الدور الأميركي لم يشمل الجيش اللبناني إذ استمرّت المساعدات له، لكن من دون الذهاب أيضاً نحو خطوة متقدّمة بالموافقة على تقديم مساعدات نقدية كانت المؤسسة العسكرية تأمل بها في ظل انهيار وضعها المالي.

وحين عبّرت مُساعِدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الادنى باربرا ليف أخيراً عن خشيتها تجاه السيناريوهات الكارثية المحتملة للوضع اللبناني الآيل الى الانهيار، كانت تعكس، وهي الديبلوماسية التي عملت في الشرق الأوسط وكان لها حضورها الديبلوماسي في عدد من دوله، مخاوفَ جديةً سبق أن وصلت الى أكثر من وسط سياسي وأمني في الآونة الأخيرة.

هذه المَخاوف انطوت منذ اقتراب الفراغ الرئاسي على قَلَقٍ بالغٍ من تحوّل لبنان مجدداً بؤرةَ توترٍ، في ضوء تَضاعُف العوامل الاجتماعية والمالية ووضْع المصارف، إضافة الى الحذر من استغلال البطالة والفقر المستشري في تجنيد عناصر إرهابية، علماً أن هذا الأمر هو الشغل الشاغل لأجهزة الاستخبارات الغربية والعربية التي لاتزال تمدّ أجهزة الأمن اللبنانية بمعلوماتٍ قيّمة عن خلايا نائمة أو نشاط إرهابي محتمل.

ويُضاف إلى كل ذلك الكلام عن مستقبل النظام اللبناني في ضوء الفراغ الرئاسي، وهو ما سبق لواشنطن أن حذّرت منه مع السعودية وفرنسا في بيانٍ مشترك في سبتمبر الماضي عَكَسَ تمسُّك العواصم الثلاث باتفاق الطائف كمنطلقٍ أساسي للحفاظ على هوية النظام السياسي في «بلاد الأرز».

ويأتي تحذير الديبلوماسية الأميركية ليأخذ بُعْدين، على ضفتيْ معارضي «حزب الله» والموالين له، ويُحْدِث غباراً بإزاء موقف واشنطن الحقيقي مما يجري على مستويات اقتصادية ومالية وسياسية وأمنية في لبنان، خصوصاً أنه أعقب اتفاقَ الترسيم البحري مع اسرائيل الذي رعتْه واشنطن وجرى التعامل معه محلياً على أنه نوع من الهدنة بين الولايات المتحدة وايران عبر «حزب الله» وأنه يمكن تالياً أن يؤدي الى انفراجاتٍ سياسية داخلية، خصوصاً في ضوء الكلام اللبناني عن احتمالات حصول متغيرات في موقف الإدارة الأميركية من العقوبات التي تفرضها على لبنانيين سواء من «حزب الله» أو من «التيار الوطني الحر» لاسيما رئيسه جبران باسيل.

ومن هنا جرى التعامل مع موقف ليف، من موقع المنتظر لتداعياته العملانية، إذ انه اعتُبر أعلى مستوى تحذيري جرى التعبير عنه قبل اتفاق الترسيم وبعده من مسؤولةٍ مباشرة عن ملف لبنان والمنطقة وعلى درايةٍ كاملة بأوضاعه، ويعكس حقيقة النظرة الأميركية إلى «حزب الله» الذي يرى في ما يجري منذ سنتين في ملف استجرار الغاز من مصر وعدم تفعيل ملف الكهرباء لزيادة ساعات التغذية، مزيداً من التضييق على اللبنانيين، وليس على الحزب وحده.

وفي وقت يعتبر «حزب الله» أن الموقف الأميركي هدفه توجيه رسائل تحريضية عليه وممارسة مزيد من الضغط في مجالات اقتصادية ومالية وسياسية، فإن واشنطن أعطت واقعياً إشارةً أكثر جدية من قبل لجهة فصل اتفاق الترسيم عن باقي الملفات اللبنانية.

فواشنطن اليوم لا تتعامل مع لبنان كما جرى سابقاً أي على قاعدة الاصطفاف الذي كان قائماً بين 8 و14 مارس، إذ تتعدد الخلافات بين قوى 14 مارس ويتقدّم عدد من حلفاء واشنطن على ما عداهم في التعبير عن وجهة نظر حادة تجاه «حزب الله»، في حين أن خصومها من الحزب وحلفائه لايزالون كتلة واحدة.

وفي رأي أوساط مطلعة، أن واشنطن تريد لفْت النظر إلى خطورة الوضع الأمني والسياسي من بوابة تكرارها الدعوة إلى ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة قوية وقادرة على القيام بالإصلاحات اللازمة وإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

لكنها في الوقت نفسه لا تُقْدِم على أي خطوة عملية يمكن أن يُفهم منها ضغطاً سياسياً لإجراء الانتخابات الرئاسية والاتفاق على مرشّح توافقي. علماً أن المرشح الذي تتبناه المعارضة أي النائب ميشال معوض، هو أحد أكثر حلفائها في لبنان حضوراً وتَواصُلاً مع الإدارات الأميركية المتعاقبة.

وإذ تعوّل واشنطن حتى الآن على الجيش اللبناني في الإمساك بالوضع الداخلي، لكنها في وقتٍ تقدّم مساعداتٍ عينيةً تحاول استباق أي مخاطر من خلال حضّ الأجهزة الأمنية على الإبقاء على جهوزيتها لمواكبة مرحلة الفراغ وتحدياتها.

في المقابل، لايزال «حزب الله» حذِراً من الولايات المتحدة ولا يتعاطى مع رسائلها على أنها استباقية بقدر ما يرى فيها محاولة لضخٍّ إعلامي وسياسي لتوتير الوضع الداخلي في وقتٍ لايزال أفق التسويات الاقليمية والدولية مسدوداً، وهذا يعني أن ملف الانتخابات الرئاسية سيبقى مُجَمَّداً إلى أن تفرج عنه مفاوضات واشنطن - طهران وضمن سقوف لم يعد ممكناً ان تخرج عن مضامين البيان الثلاثي الأميركي - الفرنسي - السعودي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي