السلف والسلفية

تصغير
تكبير

كنتُ حاضراً في أحد المجالس الخاصة مع بعض الأصحاب الأخيار حيث يدور الحديث حول الدعوة إلى الله، وكان المتحدث أحد الشخصيات المعروفة في مجال الدعوة والتبليغ فكان حديثه ينساب منه بكل سلاسة ووضوح في إشاراته إلى بعض الجهود الطيبة التي قام بها مع بعض أصحابه في جماعة الدعوة والتبليغ خلال رحلاتهم إلى أوروبا وأفريقيا بإمكاناتهم الشخصية بهدف شرح عقيدة الإسلام الصحيح بعيداً عن ما يثار حوله من مغالطات وتشويه في الإعلام العالمي وخاصة الأميركي منها والأوروبي وقد نجحوا في رحلاتهم تلك في الإسهام بدخول العديد منهم إلى الإسلام.

هذا الحديث أثار شجوني ما دعاني إلى التفكير إلى أهمية نشر العقيدة الصحيحة وضرورة الدعوة إليها في نطاقنا العربي والخليجي خاصة مع ظهور الكثير من الممارسات السيئة البعيدة عن عقيدتنا السليمة لدى الغالبية العظمى من شبابنا، فإذا كان هؤلاء الدعاة البسطاء نجحوا في المناطق البعيدة في إقناع الكثيرين منهم بالدخول في الإسلام.. أليس من العدل أن نصحح عقيدتنا من الداخل؟ هذا التفكير يقودني إلى التساؤل حول دور التيارات السياسية التي تصنف بأنها دينية والتي تدّعي الحرص على العقيدة ومحاربة الظواهر السلبية؟ وأيضاً دور جمعياتها في إعادة الوعي الديني لهذه الأجيال في تأكيد التزامها بحقيقة دينها وعقيدتها.

إن مقالتي هذه موجهة على وجه الخصوص إلى جماعة التيار السلفي في الكويت والتي كانت خطواته الأولى السعي نحو نشر الدعوة وشرح العقيدة التي كان عليها السلف الصالح من خلال التوجه في إلقاء الدروس الدينية في المساجد من خلال شيوخ أفاضل مجتهدين في العلم الشرعي، وقد أدى هذا التوجه في نهاية السبعينات والثمانينات حتى التسعينات من القرن الماضي إلى تعليم وتوعية الكثير من المجاميع الشبابية وخاصة صغار السن من خلال هذه الدروس وبتشجيع من آبائهم.

هذا النجاح الكبير دعا القائمين عليه في التوجه الفكري بالعمل على تنظيم هذه المجاميع الشبابية أسوة بما هو موجود في الساحة الكويتية من تنظيمات غير رسمية کالإخوان المسلمين، والقوميين العرب، والناصريين والبعثيين.

وهنا بدأ يظهر على الساحة السياسية الداخلية جماعة السلف دون أن يكون لهم دور يذكر في العمل السياسي أو الانتخابات البرلمانية آنذاك، بل كان لهم تأثير غير مباشر في ترجیح بعض الأسماء المرشحة للانتخابات والتي كانت تتودد إليهم، الأمر الذي دعا بعض القيادات إلى التفكير في أهمية الدخول في الانتخابات ما دعاهم للاستفسار من بعض المشايخ سواء في المملكة العربية السعودية أو بلاد الشام وغيرها حول مدى جواز مشاركتهم الشرعية في الانتخابات النيابية من عدمه؟ وقد أفتى لهم آنذاك بعض من المشايخ بمشروعية المشاركة في الانتخابات بحجة الدفع بالعمل الدعوي إلى آفاق أرحب من خلال المشاركة في سن القوانين الموائمة للشرع وغيرها، إضافة إلى أهمية اكتساب الخبرة حول طبيعة العمل البرلماني وإمكانية الاستفادة منه شرعاً.

وقد تم هذا الأمر بنجاح ممثلين عنهم في الدخول إلى مجلس الأمة، واستمر هذا النجاح حتى عام 2016م حيث لم يحالف النجاح جميع مرشحي التيار، وكان سقوطهم فشلاً ذريعاً وانتكاسة بين أفراد التيار، ما خلق تساؤلات كثيرة بينهم حول الأسباب التي أدت إلى هذا الفشل؟

ومن أهم الأسباب التي أراها التي أدت إلى فشل ممثلي التيار، التنازل عن الكثير من الأهداف التي تخص الدعوة، فقد طغت المصالح الشخصية والسياسية على العمل الدعوي، كما تم إهمال الاهتمام بالدروس الدينية والتي تعتبر عمود التيار في التفاف الشباب إليهم في بداية ظهور الفكر السلفي كما أشرنا مسبقاً.

كما إن إنشاء جمعية إحياء التراث والتي تمثل الواجهة القانونية للتيار قد أدت كخطوة إلى استقطاب وجذب البعض منهم ممن لديه تطلعات سياسية شخصية قد تكون معلنة أو غير معلنة، كما تسبب دخول الفكر السلفي المعترك السياسي إلى وجود هوة كبيرة وصراع داخلي في ما بين السياسيين منهم والشباب المُؤمن بالسلفية.

لقد كان تبرير أولئك السياسيين في تهافتهم على دخول المعترك السياسي بأنهم سيكونون حماة للدعوة ومصداً لأي تشريعات قد تكون غير موائمة مع التوجه الديني، إلا إنه مع التجربة البرلمانية التي مر بها هذا التيار لم يتمكن أولئك السياسيون السلفيون من حماة الدعوة بل انغمسوا أكثر في العمل السياسي البحت، الأمر الذي أدى إلى وقوع خلاف داخل ذلك التيار وانعدام الثقة في ما بينهم وبين مجاميعهم، ولقد اتضح ضعف هذا التيار في انتخابات 2022 فقد تم نجاح شخص واحد فقط، وأما الآخر فإن نجاحه كان بسبب الارتباط القبلي وليس التوجه السلفي.

برأيي ان التيار السلفي يعيش الآن في مأزق حرج فهو خارج دائرة الضوء والتأثير سواء كان دينياً أو سياسياً وأخشى عليه من ضياع مشيته لأن هناك في هذا التيار أشخاصاً أفاضل أكن لهم كل التقدير والمودة والاحترام.

وإنني ومن منطلق الحرص عليه أدعو جماعة التيار للقيام بمراجعة أنفسهم والتوجه إلى التفرغ لنشر الدعوة والعلم الشرعي وتعليم السياسة الشرعية لأنه الأوجب شرعاً في الوقت الحالي لما نراه من ظواهر سلبية تغشی مجتمعنا.

إن المطلوب عودة الفكر السلفي إلى سابق عهده أيام الثمانينات كقوة ناعمة ضاغطة ليس لها مطامع سیاسية خاصة، بل تكريس دورهم المجتمعي الشرعي خاصة ونحن نعيش في عصر الفساد السياسي والاجتماعي، وإذا كان هناك من مقولة أخيرة فأود أن أستذكر مقولة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - حول علاقة الدين بالسياسة في رده على جماعة الإخوان المسلمين بقوله: «أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة... ولا يصل أهل الدين إلى السياسة».

إن الانتماء إلى حزب ذي بعد ديني أياً كانت مسمياته ليس من ركائز الإسلام ولا هو من متطلباته الأساسية لأننا كلنا مسلمون، وعليه فمن كان يعتبر نفسه من أهل الدين فلا جدارة له بالسياسة، وإن كان من أهل السياسة فإن من حقوق المواطن ألا يختار من يدعي أنه يمثل الدين ولا جناح في هذا على دين المواطن.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي