No Script

مشاهدات

الحل في الحزم

تصغير
تكبير

إن الحصول على سكن لائق يعني ضمان الحيازة بمنأى عن الخوف من الإخلاء أو الحرمان من المنزل أو الأرض.

والعيش في مكان يتوافق مع ثقافة الفرد، ويُمَكّنه من الوصول إلى ما هو ملائم من خدمات ومدارس وفرص عمل، لذلك أصبحت الحاجة ملحة إلى التخطيط الشامل والبحوث والدراسات من أجل التنمية في جميع مرافق الوطن والعمل بحزم من أجل إيجاد الحلول الجذرية من أجل تنظيم المناطق السكنية والتي تحولت لمناطق عشوائية غير مألوف وجودها في الوطن، فالمطلوب من السلطة عملية تطهير شاملة وإعادة هيبة القانون لتنظيم تلك المناطق.

ما ان تخرج من «أشبيلية» باتجاه «جليب الشيوخ» تتفاجأ بدخولك «عالم آخر» لا علاقة له بالكويت... وإذا ما أكملت طريقك وعلى امتداد شارع محمد بن القاسم، فستجد ضالتك التي تبحث عنها!

هناك الكثير من المناطق التي تحتاج إلى اهتمام ومتابعة من الجهات الحكومية والبلدية على جميع المستويات الخدمية والأمنية، ولعل أبرزها منطقة جليب الشيوخ، تلك المنطقة التي أصبحت أحد أبرز أوكار المخالفين للإقامة والخارجين عن القانون، والتي أصبحت تشكل هاجساً أمنياً ل‍وزارة الداخلية، وتحولت إلى حديث الشارع الكويتي بسبب ما تعانيه من تجاوزات مختلفة على القانون من حيث ازدحامات الشوارع وانتشار الأسواق المتنقلة والباعة المتجولين على الأرصفة وفي الساحات بشكل غير مرخص، إضافة إلى بعض الممارسات اللا أخلاقية التي أصبحت ظاهرة سيئة ووكراً لتلك الأفعال المشينة، إضافة إلى نقص الخدمات وكثرة العمالة السائبة، وتفشي الجريمة وانتشار المخدرات والسرقة وغيرها، حتى أصبح الداخل إليها مفقوداً والخارج منها مولوداً بسبب سيطرة أعداد من بعض الجاليات عليها، والذين صاروا أشبه بالمافيا المتحكمة في كل شيء داخل المنطقة.

كل ما تتوقعه تجده فيها، وفيها كل ما لا يتصوره عقل إنسان، وهي المنطقة المختلفة عن جميع مناطق الكويت في المحافظات الست، حيث تجد هناك إعلانات في الشوارع لبيع كل شيء، والمخالفات بأنواعها والشوارع المكسرة وانعدام النظافة وطفح مياه المجاري، بل هي منطقة ايواء المخالفين والهاربين ومرتع لكسر القانون، ولم تفلح الحملات المتواصلة من قبل جهات الدولة المعنية في الحد من الظواهر غير الحضارية التي حولت معظم المنطقة إلى بؤرة فساد؟

السؤال المنطقي والبدهي الذي يفترض أن يسأله كل كويتي لنفسه ما الذي أوصل الأحوال في منطقة الجليب إلى ما وصلت إليه الآن؟

أليس المسؤول الأول عن تنظيم المدن وتنفيذ المخطط العمراني للدولة هي إدارة التنظيم العمراني، التي تقوم بتنفيذ المشاريع والدراسات الخاصة بالنواحي الجمالية لمدينة الكويت وذلك بالتنسيق مع إدارات البلدية (المخطط الهيكلي – الإنشاءات – الأنظمة الهندسية- الشؤون المالية) والجهات الحكومية المختصة؟

والسؤال الأهم الذي يليه كيف يمكن منع تكرار واستنساخ المأساة في مناطق أخرى؟

لا أدعي أن أملك إجابة قاطعة، لكن ما يحدث هذه الأيام في منطقة الجليب فرصة ذهبية لكي نتذكر جميعاً كيف تضيع هيبة القانون، ولكي ندرك أن ما يهمل وما يظنه البعض إصلاحاً قد يتحول إلى كارثة محققة إذا لم نحسن إعادة تأهيلها.

يتبين لنا بعض الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المأسوي يكمن في ما يلي:

1 - دور الجهات الحكومية التي تقاعست عن أداء عملها وأهملت واجباتها وتخلت عن مسؤولياتها تجاه هذه المخالفات المعيبة التي لها طابع سيئ على دولة الكويت.

2 - الشركات التي نفذت من قبل متنفذين مقتدرين مبدأهم بأن سلطة المال تعلو فوق القانون والشرف والأخلاق، فبدلاً من توظيف ثروات الأوطان في البناء والتنمية يتم توظيفها في شراء صمت المرتشين وتجاوز الأنظمة والقوانين والقيم.

3 - المواطن الجشع هو نفسه مسؤول لتجاوزه على القانون وارتكاب المخالفات بإيواء العزاب نظير مبالغ مالية وللأسف الشديد ما نراه على أرض الواقع في منطقة الجليب يدل عن عديمي الضمير والقيم الأخلاقية.

من المتضرر في ظل تلك الأجواء؟

الثمن الأكبر والمعاناة يتحملهما المجتمع بأكمله خصوصاً أجياله القادمة، لأن أطراف الفساد في الماضي استمتعوا بفسادهم، لكن المجتمع سوف يظل يدفع الثمن الأكبر لسنوات وربما لعقود طويلة، لأنه يصعب مثلاً إزالة كل هذا الحجم من البناء العشوائي وغير المهم، إلا بالجهود المكثفة والقرارات الحازمة المبنية على أساس مصلحة البلد وتطوره بعيداً عن الغايات والمصالح، لأن هناك بعض الضمائر، التي فسدت، وتعتقد أن الفساد والإفساد صار جزءاً عادياً من الحياة.

ما هو الحل؟

هناك من المستفيدين والمتنفذين طالبوا الحكومة بالتثمين!

- في الواقع أن غالبية المباني أقيمت ونفذت خلافاً للقوانين والأحكام المنصوصة للبناء، كما ان أصحاب هذه المباني الموجودة والمخالفة قد استفادوا منها لسنين عدة وجنوا الأموال الطائلة واستعادوا ما صرف على هذه العقارات أضعافاً مضاعفة، المقصود أنه ليس هناك أي مظلومية في حال (لم تثمن) هذه المباني وخاصة أن الحكومة تمر بأزمات مالية واقتصادية وصلت إلى حافة الهاوية فلا داعي أن نزيد (الطين بلة).

- ننادي بتفعيل القانون، هدم البناء المخالف وتنظيم الأراضي وتقسيمها بطريقة منظمة مؤهلة للبناء وإعادة تنظيم المنطقة على أن تكون منطقة نموذجية جمالية مثل المناطق الحديثة في جميع محافظات الكويت، والجميع يعرف أن منطقة الجليب تعتبر واجهة للقادمين إلى الكويت بسبب قربها من مطار الكويت الدولي، وجامعة الشدادية، وكذلك استاد جابر الدولي وموقعها الذي يتوسط العاصمة ومعظم المناطق السكنية أيضاً.

- تفعيل القوانين الحازمة، التي تنص على محاسبة صاحب العقار في حالات التلاعب ومخالفة القوانين، اجبار مالكي العقارات على هدم عقاراتهم المتهالكة وإعادة البناء بصورة منظمة ومشروعة، من لا يبني العقار التي يملكه يدفع غرامات في كل سنة مبلغ 20 في المئة من قيمة الأرض، وبذلك يضطر إلى الاختيار بين البناء أو البيع.

مع مراعاة عدم بناء مساكن للعمال لأن الكويت يقطنها عدد كبير من العمالة ويمثل سكن وإقامة هذه العمالة في المناطق السكنية أو بالقرب منها مشكلة تؤرق الجميع، لما تمثله هذه المشكلة من مخالفة للأعراف والتقاليد الاجتماعية المحافظة، وإرهاق وضغط على كل المرافق والبنية التحتية لهذه المناطق. وحلاً لهذه المشكلة هو تخصيص عدد من المواقع بمختلف مناطق الدولة كسكن جيد يتمتع بالمواصفات كافة التي تؤمن حياة مريحة كريمة لهذه العمالة على أن يكون تخصيص المواقع مع مراعاة عدم تكديس أعداد كبيرة في الغرفة.

- وأخيراً وليس آخراً على الدولة متمثلة بكل مؤسساتها المعنية أن تعالج مثل هذه القضايا التي انهكت المواطن فكرياً ومادياً، وكذلك هي بالفعل عبئاً ثقيلاً على الدولة.

- يجب أن تضرب الدولة بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الاستمرار في السلوك والتصرفات اللامسؤولة ليس فقط في مجال البناء والإسكان، ولكن في كل المجالات، ويجب محاسبة كل من تجاوز القوانين موظفاً أو مسؤولاً أو متنفذاً، فالدولة لها هيبة تتمثل في قدرتها على بسط وتطبيق القوانين المنظمة ولا يمكن لأي أحد أن يعترض، لأن هيبة الدولة قوامها العقد الاجتماعي بين الأفراد والنظام.

إن تطهير جميع مناطق الكويت هو التحدي الأكبر الذي ننتظره من الجميع مع رؤية حكيمة تعتبر أن الجميع شركاء في هذا الوطن ومن ثم مسؤولون عن تحقيق تقدمه وازدهاره، فيتسابق الجميع من أجل نهضة هذه الأرض وازدهارها وخلق حياة أفضل.

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي