أول غيث الفراغ في لبنان اضطراباتٌ سياسية سبّاقة... فهل تنفجر في جلسة البرلمان اليوم؟

تصغير
تكبير

- بري نَفَضَ يده من الدعوة للحوار ورمى الكرة في ملعب «التيار الحر» و«القوات اللبنانية»
- ميقاتي يطلب من قمة الجزائر الدعم ومُطْمَئن إلى الترسيم في حال فوز نتنياهو
- فاجعة تهزّ طرابلس... انهيار جزء من سقف مدرسة يقتل ابنة الـ 16 ربيعاً
- اقتحامٌ «مثير» لمصرف... مسدس ومولوتوف و«حبس أنفاس»

لم تتأخر الاضطراباتُ السياسيةُ في الإطباقِ على الواقع اللبناني بعدما حلّ الشغورُ الرئاسي الذي تملأه حكومةُ تصريفِ الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي بقوّةِ أمرٍ واقعٍ دستوري جرى ترسيمُ حدوده «على المسطرة» بما لا يتركُ البلادَ العالقة في فوهة البركان المالي تقع في محظورِ الفراغ المميت، ولا يجعلها فريسةَ استقطابٍ طائفي يُراد النفخُ فيه بإطار تعبئةٍ ولو بالأسلحة «غير التقليدية» تواكب مرحلةَ الاستيلاد القيصري لرئيسٍ جديدٍ للجمهورية.

واليوم يُنتظر أن تتظهّر تحت قبة البرلمان، الذي فشل في 4 جلساتٍ عقدها حتى الآن بانتخاب رئيسٍ للبلاد، مشهديةٌ ساخنةٌ تتحدّد معها السقوفُ التي سيخوضُ عبرها «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون) خصوصاً المرحلةَ الانتقاليةَ التي دخلتْها البلادُ ابتداءً من 1 الجاري، والتي أعطى أولى إشاراتِها رئيسُه النائب جبران باسيل بـ «قصفٍ» سياسي متعدّد الجبهة يُخشى معه أن يكون فريقُ عون يتجه لاستراتيجيةِ «الأرض المحروقة» في سياق اندفاعته لحجْز موقع متقدّم في السِباق الرئاسي بحيث إما يُفْضي إلى «تمديد» شبه مستحيل للعهد الراحل عبر باسيل - الرئيس أو إلى وصول شخصية تؤمّن امتداداً له وتحمي دوره ومصالحه لست سنوات جديدة.

وما زاد الخشيةَ من أن تكون الجلسةُ التي يعقدها مجلسُ النواب اليوم لتلاوةِ ومناقشةِ الرسالة التي وجّهها عون إلى البرلمان (الأحد) طالباً سَحْبَ التكليفِ من ميقاتي لتأليفِ الحكومة الجديدة ومعتبراً أن وراثةَ حكومةِ تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة الشاغرة غير دستوريّ، قيامُ الرئيس نبيه بري بالتراجع عن دعوته لحوارٍ كان دعا إليه ليكون «الناظم الداخلي» للشغور الرئاسي و«جسرَ عبور» إلى توافُق حول اسمٍ يكسر التوازن السلبي الذي يحكم البرلمان ويمنع أياً من الموالاة والمعارضة من التحكّم العدَدي ولا السياسي بالمآل النهائي للاستحقاق.

وإذ أعلن بري في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي أنه «بعد استمزاج الآراء حول الدعوة للحوار بين الكتل النيابية للوصول لرئيس توافقي يعتذر رئيس البرلمان عن السير قدماً بهذا التوجه نتيجة الاعتراض والتحفظ ولا سيما من كتلتي القوات والتيار»، فإن أوساطاً سياسية اعتبرتْ أن حيثياتِ هذه الخطوة هي مزيجٌ من رغبةٍ برمي تطيير الحوارِ بوجه الكتلتين المسيحيتيْن الأكبر، ونفْض اليد مما سيترتّب على ترْك الانتخابات الرئاسية تدور في حلقةٍ مفرغةٍ من«لا جلسات انتخاب» فيما البلاد تعوم فوق أكثر من برميل بارود مالي واجتماعي.

وكانت «القوات» والتيار الحر، كلٌّ لاعتباراتهما تحفّظا عن الحوار: الأولى رفْضاً لتحويله «منصةً بديلة» لعملية انتخابٍ يفترض أن تجرى في البرلمان بعيداً من لعبة تعطيل النصاب المتمادية في الدورات الثانية من كل جلسة ومن الاختباء خلف الورقة البيضاء من «حزب الله» والتيار وحلفائهما للتعمية على عدم القدرة على توافقهم على مرشح واحد.

أما التيار فلعدم منْح بري دوراً قيادياً في مرحلة شغور الرئاسة الأولى وكأنه بدَيل عن «الرئيس ضائع»، وأيضاً لإبقاء «منصة» التصويب «الثقيل» عليه مفتوحةً من ضمن عملية الاستنهاض السياسية – الشعبية وحتى الطائفية التي سبقت انتهاء ولاية عون وجرى التعبير عنها في «الوداع الجماهيري» لرئيس الجمهورية يوم غادر قصر بعبدا (الأحد).

ورغم أن تكليف ميقاتي صار بحكُم الساقط مع انتهاء عهد عون ما يجعل مضمون رسالته بهذا المعنى غير ذي جدوى وأن نطاق تصريف الأعمال لحكومة ميقاتي بالقبّعة الرئاسية جرى التفاهم عليه بين الأخير ومكوّنات أخرى في الحكومة، أبرزها «حزب الله» بما يجعلها تمْضي في تسيير شؤون البلاد والوزارات خارج اجتماعات لمجلس الوزراء إلا إذا اقتضت ضروراتٌ ما فوق استثنائية، فإنّ ثمة مناخات تتحدّث عن أن باسيل يعدّ لجعل «جلسة الرسالة» اليوم صندوقة بريد لمَن يعنيهم الأمر تحدّد معالم «المعركة» التي أطلقها فريق الرئيس السابق منذ أن وقّع مرسوم اعتبار الحكومة المستقيلة أصلاً مستقيلةً والذي اعتُبر «لا يقدّم ولا يؤّخر»، مروراً بعرض القوة الشعبي الأحد، وليس انتهاءً بهجوم رئيس «التيار» في إطلالته التلفزيونية على بري وميقاتي خصوصاً.

وإذ اتهم باسيل رئيس البرلمان والرئيس المكلف بأنهما «لا يريدان حكومة» من الأساس معتبراً أن بري «لم يهزم العهد بل هزم اللبنانيين جميعاً بتعطيله العهد» وموضحاً أنه حين وصفه

بـ «البلطجي» لم يعتذر عن الكلمة بل عن خروجها إلى الإعلام، وواضعاً فيتو على اسم قائد الجيش العماد جوزف عون للرئاسة «فهو كان متفرجا على «انقلاب 17 أكتوبر 2019» كما على زعيم «المردة» سليمان فرنجية «ولنتفق معاً على اسم ثالث»، فإن ردّ كل من ميقاتي والمعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل على رئيس «التيار الحر» عَكَس القلوب المليانة على هذا «المثلث المشتعل».

وجاء وصف خليل لباسيل بأنه «وحده بلطجي سياسي ومالي فاسد لعهدٍ أسقطه الحقد الأعمى والغباء السياسي» ليؤشّر لِما سيكون عليه مشهد اليوم في مجلس النواب علماً أن تقارير كشفت أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله استقبل المعاون السياسي لبري قبل 3 أيام حيث جرى خلال اللقاء نقاش مطول في استحقاق انتخابات رئيس الجمهورية وموقف رئيس البرلمان منه والتصور للمرحلة المقبلة، وسط إعلان قناة «الجديد» أنه جرى «خلال اللقاء تأكيد أن التفاهم كامل بين حركة امل وحزب الله في مقاربة الاستحقاق الرئاسي والتحديات المقبلة حكومياً وبرلمانياً».

ميقاتي أمام قمة الجزائر

وفي موازاة ذلك، كان ميقاتي يطلّ على العرب في قمة الجزائر حيث توجّه إلى المجتمعين بكلمةٍ وُصفت في بيروت بأنها «وجدانية سياسية» فأعلن «أن لبنان الذي تعرفونه تغيّر.

المنارة المشرقة انطفأت، والمرفأ الذي كان يُعتبر باب الشرق انفجر. والمطار الذي يُعتبر منصة للتلاقي تنطفئ فيه الأنوار لعدم وجود المحروقات».

وأعلن «أننا في دولة تعاني اقتصادياً وحياتياً واجتماعياً وبيئياً، ونحارب الأوبئة بأقلّ الإمكانات حتى وصلنا الى اللحم الحي»، وقال:«لبنان مساحته صغيرة، ولكن أبوابه بقيت مشرّعة لكل الاخوة، والعرب خصوصاً، أما اليوم فبتنا غير قادرين على الاستمرار في استضافة ديموغرافيا عربية باتت تقارب نصف الشعب اللبناني».

وأضاف: «بنيتنا التحتية باتت مترهلّة، ومواردنا قليلة، ونعاني تضخماً كبيراً لا مثيل له. ورغم ذلك، نستقبل هذه الديموغرافيا ولكننا، أيها الاخوة، تحوّلنا جسداً ضعيفاً يحتاج إلى مقويات بدل التجاهل الحاصل... فنحن نواجه منذ سنوات عدة، أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخنا، نالت من سائر المؤسسات ووضعت غالبية اللبنانيين تحت خط الفقر، وتسبّبت بهجرة الكثير من الطاقات الشابة والواعدة، وخسارة الوطن خيرة ابائه».

وعوّل ميقاتي في كلمته على مساعدة جميع الإخوة العرب للبنان، وقال «إذ نستذكر اتفاق الطائف الذي أرسى معادلة الحكم في لبنان، فلتأكيد التزامنا التام به، وعدم تَساهُلنا مع أي محاولةٍ للمساس بجوهره».

وأشار إلى «أن لبنان نجح أخيراً، في التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود الجنوبية لمنطقته الاقتصادية الخالصة ونأمل في أن يكون ذلك بداية مسار يقود إلى ازدهار لبنان ورخاء اللبنانيين والتوافق على انتخاب رئيس جديد يلم شمل اللبنانيين».

وكان ميقاتي التقى على هامش قمة الجزائر أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي تمنى «أن يتجاوز لبنان الصعوبات الراهنة ويتم انتخاب رئيس جديد في أسرع وقت».

وقال «إن قطر ترغب في الافادة من الطاقات اللبنانية، وهي أعلنت عن حاجتها الى توظيف مئة الف لبناني في كل القطاعات، فيما المتوافر الآن في قطر نحو ثلاثين ألف لبناني فقط».

وسبق ذلك إبلاغ ميقاتي إلى «رويترز» أن الضمانات الأميركية ستحمي اتفاق الحدود البحرية مع إسرائيل في حال فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق المحافظ بنيامين نتنياهو بغالبية في الانتخابات.

وأضاف: «أصبح الاتفاق في عهدة الأمم المتحدة، ولبنان من ناحيته ملتزم بهذا الاتفاق الذي أودع في الأمم المتحدة ونحن لا نعتقد أن أحداً يمكن أن يزيح قيد أنملة في هذا الموضوع».

فاجعةٌ في مدرسة واقتحامُ مصرف

كل ذلك جاء فيما الانهياراتُ تتعمّق في «الدولة المتحلّلة» حيث برز أمس في لبنان «المتداعي» تطوران:

• الأول مأسوي حيث أدى الإهمالُ الفضائحي إلى فاجعةٍ في منطقة طرابلس حيث قضت الطالبة ماغي محمود ابنة الـ 16 عاماً بانهيار جزء من سقف إحدى الغرف داخل مدرسة الأميركان الرسمية المختلطة في جبل محسن كما أصيبت زميلتها شذى درويش بكسور وجروح في ظهرها.

وتم تشييع محمود وسط حال من الغضب العارم فاقمتْه بعض المعلومات عن ملابسات الانهيار في مدرسة صُنفت أثرية وهي قائمة في مبنى عثماني قديم كان مَقراً للمخابرات السورية إبان وجود الجيش السوري في لبنان قبل أن يتم ترميمه ويُحوّل مدرسة رسمية.

وفي حين نُقل عن أحد الأساتذة في المدرسة أنه «قبل مدّة، ولضرورة توسعة إحدى غرف الصفوف ارتأت إدارة المدرسة إزالة جدار فاصل بين غرفتَين تم استبداله بقنطرة حجرية والمفاجأة اليوم كانت بسقوط القنطرة على التلاميذ واتضاح أنها غير مدعّمة بالحديد»، فإن هذا الحادث المأسوي الذي بوشرت التحقيقات فيه عاود قرع جرس الإنذار بإزاء نحو 400 مبنى في طرابلس مهدّد بالسقوط بحسب النائب أشرف ريفي الذي ذكّر بـ«أننا كنا طالبنا الدولة بالتحرّك السريع قبل أن تتكرّر الحوادث المفجعة، لكن بلا نتيجة».

• والتطور الثاني تجدُّد عمليات اقتحام المصارف بالقوة من مودعين يسعون لتحرير ودائعهم بالدولار.

وكان بارزاً أمس قيام المودعيْن ابراهيم بيضون، ولديه 113 الف دولار، وعلي الساحلي ولديه 60 ألف دولار وهو متقاعد في قوى الأمن الداخلي، «بالتكافل» باقتحام مصرف الاعتماد اللبناني في الحازمية، وظهر أحدهما وهو يحمل مسدساً فيما أكد الثاني أنه مزوّد بعبوات مولوتوف.

واتخذت عملية الاقتحام أمس، بُعداً خطيراً، بعدما لم تُحلّ المسألة بالإعلان عن موافقة المصرف على منْح المودعيْن - وأحدهما (الساحلي) كان اقتحم مصرفاً في شتورا قبل شهر ولم يتمكن من الحصول على وديعته - مبلغ 55 ألف دولار، إذ أشارت تقارير إلى أن القضاء رفض إخراج المودعيْن من المصرف وطلب من الأجهزة الأمنية إلقاء القبض عليهما ومصادرة الأموال التي دفعها المصرف.

وفي حين تحدثت معلومات عن تهديداتٍ من القوى الأمنية باقتحام المصرف وتحرير الموظفين الرهائن وسط كلام «جمعية المودعين اللبنانيين» عن أن «جمعية المصارف أبلغت في اتصال هاتفي مع أبرز وجوه القضاء: إما الاقتحام او الاضراب المفتوح وشوفوا الدولار وين بصير»، هدّد المودع المسلّح في بنك الاعتماد الرهائن بالقول "إذا حاولوا أن يؤذونا فسنؤذي الجميع، إذا حاولوا اقتحام البنك فسنموت كلنا، لا أريد أن أؤذيكم».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي