أثناء تواجدي في إحدى الديوانيات قبل قرابة 30 عاماً، وفي سياق ردّه على سؤال أحد روّاد الديوانية، أوضح وزير الدفاع آنذاك أن الشِّباك المحيطة بالمحميّات الطبيعية كانت تُقطّع بشكل متكرر، وأن المحميّات - بما فيها من كائنات حيّة - كانت تتعرّض باستمرار للاستغلال الجائر، من قِبل بعض رعاة الماشية وهواة الحيوانات والطيور المستهترين.
وأكّد أن اللوحات التحذيرية والمساعي الأخرى التي بذلها مجلس حماية البيئة - الجهة الحكومية المعنية بشؤون البيئة قبل صدور قانون إنشاء الهيئة العامة للبيئة - لوقف التعدّيات على المحميّات لم تجدِ نفعاً أمام جشع وتهوّر المخالفين.
ولذلك نقل مجلس الوزراء تبعية المحميّات من وزير الصحة - رئيس مجلس حماية البيئة بموجب قانون رقم 62 لسنة 1980 في شأن حماية البيئة - إلى وزير الدفاع بغرض تحصين المحميّات من التعدّيات.
الشاهد أن الوزير اختتم إجابته بتأكيد الانخفاض الكبير في عدد التعدّيات بعد استبدال اللوحات التحذيرية القديمة بأخرى باسم الدفاع.
تذكرّت قبل أيّام كلام وزير الدفاع الأسبق، وأنا أستمع إلى حديث أخي بومحمد حول السرعة المذهلة التي نُفّذت بها إجراءات معالجة أزمة الازدحام والاختناقات المرورية في قطعة رقم (1) من ضاحية صباح السالم، التي جاءت بعد زيارة وتوجيهات ميدانيّة من الشيخ طلال الخالد، الذي كان في حينه نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، بالإضافة إلى كونه وزير الداخلية بالوكالة.
ومهما قيل في توقيت الزيارة واسبابها، إلا أنها عجّلت واختصرت - بشكل استثنائي - الدورات المستندية السابقة لأشغال الطرق الميدانية؛ واقترنت بوادر وشواهد معالجة الأزمة المرورية في ضاحية صباح السالم بمبادرة وزير الدفاع، وإن كانت المبادرة بصفته وزيراً للداخلية بالوكالة، إلى جانب اقتران تكليف وزير الدفاع الأسبق بتخفيف أو إنهاء أزمة التعدّي على المحميّات الطبيعية، فضلاً عن اقتران وزراء دفاع آخرين بإنجازات وإصلاحات خارقة للأعراف السائدة في حينها؛ كل تلك الشواهد في مجموعها تحثّنا على اللجوء إلى حظوة وسلطان وزراء الدفاع لتداول وتحقيق أولويّاتنا الإصلاحية المؤجّلة طويلاً والمنسيّة.
إحدى هذه الأولويات من منظور الأكاديميين والباحثين العلميين، هي معالجة أزمة الرقابتين المعيقتين للبحث العلمي: الرقابة المالية المسبقة واللاحقة والرقابة النيابية المسبقة واللاحقة.
ويبدو لي أنه بعد جلسة مجلس الأمّة الثلاثاء الماضي، المليئة بالتناقضات والانقلابات في المواقف النيابية، تبخّر سراب الإصلاح من وعبر المجلس، ولم يبقَ أمام الأكاديميين والباحثين العلميين سوى خيارات غير مألوفة كمناشدة مجلس الوزراء نقل تبعية البحث العلمي من وزير التربية وزير التعليم العالي إلى وزير الدفاع، ولو بصفة موقّتة تجريبية.
وتباعاً تكليف وزير الدفاع والبحث العلمي تشكيل فريق من الباحثين العلميين المتميزين والمستشارين القانونيين يُعنى بمعالجة أزمة الرقابتين المعيقتين وإعداد مقترحات تشريعية وإدارية تكيّف القوانين واللوائح والأعراف المنظّمة للرقابتين المالية والنيابية مع طبيعة البحث العلمي، لتعودا كما كانتا - قبل قرابة أربعة عقود - راعيتين ومحفّزتين للبحث العلمي.
قد يستغرب كثيرون المناشدة، ولكنهم سيتفهمون دوافعها بعد مشاهدة أحداث جلسة الثلاثاء.
وكان من بينها موافقة نوّاب كثر على إقرار الميزانية العامة التي كانوا يستنكرونها إلى ما قبل الجلسة، وسكوت جل النوّاب الذين حضروا جلسة 16 أكتوبر عن تعسّف الرئيس السعدون في فرض تفسيره لمواد الدستور في شأن المصادقة على مضبطة تلك الجلسة، واستمرار السكوت حتى عندما قاطع السعدون بغلاظة أحد المتحدّثين بنقطة نظام ضد رأيه، ومواصلة السكوت عندما أسند السعدون رأيه على المادة (91) من الدستور، متناسياً أن المضابط متعلّقة بالجلسات لا النوّاب، وهي أشمل من مجرّد توثيق أفعال وأقوال النوّاب... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com