تعويم العملة المصرية يدفع للسؤال عن الملاذات الآمنة لامتصاص مدخرات الداخل وتدفقات الخارج
كويتيون ومصريون خسروا ربع أموالهم من هبوط الجنيه وآخرون ربحوها
- مليارات الكويت الأربعة المُودعة في مصر محفوظة بالدولار
- المُودعون بالدولار ربحوا من التعويم ونظراؤهم بالجنيه «أكلوها»
- الطلبة الكويتيون والمغتربون سيخفّضون نفقاتهم وإن ارتفع التضخم
- «هيئة الاستثمار» مستثمر طويل الأجل لا تُقيّم استثماراتها بالمتغيرات
- قروض «الصندوق الكويتي» مُحصّنة فعملة تمويلاته وسدادها بالدينار
- أصول وخصوم البنوك الكويتية العاملة في مصر مُسجّلة بالعملة المحلية
- مستثمرو العقار سيوفّرون رُبع كلفتهم إذا سدّدوا أقساطهم بالأسعار الجديدة
- المرحلة الحالية تتطلّب الحذر في تسييل المدخرات سواء إلى الدولار أو للجنيه
- الكويتيون أصحاب الفلل والشاليهات والمزارع غير المخطّطين لبيعها لن يتأثروا
عندما كشف البنك المركزي المصري أنه سيتبنّى نظام سعر صرف مرن، سينعكس معه صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية وفقاً لقوى العرض والطلب، لامس سعر صرف الجنيه مقابل الدولار أدنى مستوياته على الإطلاق ليقارب 24.
عملياً، ليس المصريون وحدهم الذين بدوا منشغلين باتجاهات موازنة تعويم الجنيه، حيث تظهر التحليلات أن بينهم كويتيين رابحين من هذا الإجراء وآخرين خاسرين من المسار الجديد للجنيه، ومن هنا تبدأ القصة.
بعيداً عن مستهدف البنك المركزي المصري في دعم العملة المحلية، هناك نوعان من المتأثرين بقرار تعويم الجنيه، أولهما الفريق السلبي، الذي لديه استثمارات قائمة في مصر في هيئة أرصدة بنكية أو أي من الاستثمارات السائلة، حيث يجد هذا الفريق نفسه منكشفاً على خسائر غير محددة حتى الآن بسبب القرار، ويبقى قياسها معتمداً على حجم المبالغ الموجودة لديه في السوق المصري.
وما يستحق الإشارة إلى أن غالبية العاملين في الخليج لا يعتمدون في تحويلاتهم على السوق الرسمي، لعدم قبولهم بسعر الصرف الرسمي للدولار، حيث يلجؤون إلى السوق السوداء سعياً للحصول على سعر صرف أفضل، وهنا يتبعهم الكويتيون الأفراد، وبعض الشركات المضاربة في السوق المصري.
وفي قراءة سريعة يمكن تحديد دائرة الخاسرين والرابحين من تعويم الجنيه في التالي، سواء من أصحاب المدخرات المتوافرة بداخل مصر أو أصحاب التدفقات التي قد تتأتى من الخارج:
أولاً: أصحاب «الكاش»
أي أموال سائلة موجودة بالجنيه فقدت نحو 25 في المئة من قيمتها الحقيقية، بعد أن انخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار إلى أكثر من 24 جنيهاً، من نحو 19.3 قبل يوم التعويم.
وهنا يكون أصحاب هذه الأموال عرضة للتأثر كثيراً إذا قرروا عقد صفقات عدائية بتحويل أموالهم في الوقت الحالي لخارج مصر.
ثانياً: المودعون بالجنيه
رغم أن القرار كان متوقعاً منذ بدء المفاوضات بين مصر وصندوق النقد قبل شهرين تقريباً بتعويم الجنيه، إلا أن هناك من أصحاب الودائع من كان يتوقع تأخر الخطوة قليلاً مدفوعين بمعدل الفائدة المرتفع والذي وصل قبل التعويم الأخير إلى 13.5 في المئة، في مسعى لمنع «الدولرة» وتشجيع البنوك على طرح أدوات ادخارية.
هذه الشريحة خسائرها على مدخراتها بالجنيه المصري أقل، فإذا فقدت نحو 25 في المئة من ودائعها تستطيع حالياً إعادة إيداعها بـ17.5 في المئة ما يقوّض خسائرها لنحو 7.5 في المئة فقط.
ثالثاً: المودعون بالدولار
من أهم الرابحين في تلك الحالة أصحاب الودائع الدولارية، فكما انخفضت القيمة الفعلية للأموال المقوّمة بالجنيه بنحو 25 في المئة ارتفعت في المقابل قيمة الأموال المقوّمة بالدولار بالقيمة نفسها، فضلاً عن فائدتها التي تقارب 3 في المئة، وهو انعكاس إيجابي على أصحاب هذه الودائع، خصوصاً التي اقتربت مواعيد تصريفها، أو الودائع التي سيرغب أصحابها في تحويلها من الدولار إلى الجنيه حالياً.
رابعاً: مستثمرو العقار
كل من لديه التزامات ثابتة في شكل أقساط تمويلية أو دفعات سداد لعقارات أو أراض استثمر فيها، ستحقق خطوة التعويم له هامش ربحية كبيراً عند معادلة دفعاته بالجنيه، ومن ثم ستنخفض قيمة التزاماته المتبقية للسداد مع ارتفاع القوى الشرائية لعملة البلد الذي يعمل فيه.
ولذلك يمكن تصنيف مستثمري العقارات بالتقسيط سواء المصريون العاملون في الخارج أو الكويتيون من الرابحين، خصوصاً المتعاقدين حديثاً على وحدات بمبالغ مليونية، فباختصار يستطيع هؤلاء دفع أقساطهم بالقيمة الجديدة والتي تضمن لهم وفقاً لأسعار اليوم توفير نحو 25 في المئة من قيمة العقار، بمعنى أنه إذا كان قيمة العقار بمليون جنيه، موزعة أقساطه على 5 سنوات، وقرر المالك الاستفادة من السعر الجديد للعملة المحلية، فبإمكانه تكييش كل الأقساط مرة واحدة مستفيداً من قفزة الدولار الذي سيُحوّل به أمواله من الخارج مقابل الجنيه، وإذا لم يكن يملك سيولة كامل الأقساط فسيستفيد تدريجياً من تحويل أقرب قسط، وربما بقية الأقساط إذا استمر زمن تراجع الجنيه.
خامساً: الطلبة والأسر
يأتي أولياء أمور الطلبة وأصحاب الأسر مع مقدمي الإعانات من المستفيدين من القرار، فما يمكن أن يحققوه ربحاً من هامش تراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، يتجاوز ما ينفقه أولادهم أو أهلهم زيادة بسبب التضخم، فالحصول على قيمة أعلى للتحويلات المستقبلية مقابل الجنيه، مقارنة بتلك التي كانوا يحصلون عليها قبل التعويم، يخفض ولو قليلاً من ضغوطات كلفة الإنفاق.
سادساً: المستوردون
من أكبر المستفيدين من هذا القرار المستوردون لبعض السلع خصوصاً التي باتت أسعارها متدنية مقابل ازياد قوة الدولار الذي سيدفعونه، ما يعني تحقيقهم هامش ربح جراء فارق السعر، وهذا الربح يتفاوت وفقاً للقيمة الجديدة للسلعة بالعملة المحلية، قياساً بسعر الصرف الجديد.
سابعاً: البنوك الكويتية
يمكن في هذا الخصوص الاقتباس من مقابلة الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني-الكويت، صلاح الفليج مع «الراي» المنشورة 9 أكتوبر الجاري، حيث قال: «لن يكون هناك تأثير يذكر على نتائج (الوطني) 2022 جراء انخفاض الجنيه المصري أو الإسترليني، والسبب بكل بساطة أن الأصول والخصوم المسجلة في البلدين بالعملة المحلية نفسها».
وأضاف: «عموماً سواء في مصر أو لندن أو بأي سوق آخر توجد لدينا خصوم ومطلوبات وكلاهما بالعملة نفسها، ما يعني عدم انكشافنا على مراكز مفتوحة بالعملة الأجنبية يضعف موجوداتنا هنا أو هناك، ومن ثم لا توجد مخاوف على نتائج (الوطني) المجمعة بسبب أسعار صرف عملات بعض الدول التي شهدت تراجعات أمام الدولار».
وتابع: «لمزيد من التوضيح قد يكون مفيداً الإشارة إلى أنه إذا كان لدى البنك الكويتي في مصر قرض أو استثمار بالدولار بأي من أفرعه الخارجية، فلدى هذه الأفرع أيضاً ودائع بالدولار، ما يخلق التوازن في الخزينة، فما يحصل عليه كبنك من ودائع بالدولار استثمرها في قروض بالعملة نفسها، ولذلك إذا هبط الدولار أو صعد فلن يتأثر كبنك لأن أصوله وخصومه بالعملة نفسها».
وحسب الحصافة التي تتميز بها البنوك الكويتية، وجنوحها للتحفظ بدعم من بنك الكويت المركزي، فإن جميع البنوك الكويتية العاملة في مصر وغيرها من الأسواق مضطربة العملة على الأرجح تحافظ على توحيد عملة الأصول والخصوم تجنباً لأن يكون لدى البنك مراكز مفتوحة في العملات الأجنبية، كما أن هناك حداً معيناً لا يتجاوزه مديرو الخزينة، ودور مدير المخاطر لجهة تحديد الهامش الآمن إلى ذلك.وفي الوقت نفسه يضع البنك المركزي الحد الأعلى لمراكز العملات الأجنبية ويلتزم بها مدير الخزينة، ما يزيد طبقات الحماية من مخاطر تقلبات سعر الصرف.
ثامناً: «هيئة الاستثمار»
تعتبر الهيئة العامة للاستثمار أو غيرها من المؤسسات الحكومية الاستثمارية المتواجدة في مصر جهات استثمارية طويلة الأجل، بمعنى أنها لا تنظر إلى المتغيرات التي تطرأ على الأسواق بمفهوم المضاربين، بل تعمل وفق موازنات اقتصادية ومالية لجهة الربحية ونسبة العائد وكلفة الأموال وغيرها من اعتبارات لقياس فائدة الاستثمار على المدى الطويل.
تاسعاً: «الصندوق الكويتي»
طبقاً للنظام الأساسي للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية يعتبر الدينار الكويتي عملة الإقراض والسداد، حيث يقوم الصندوق بالنص في اتفاقيات قروضه على أن القرض بالدينار الكويتي، كما تنص هذه الاتفاقيات على إلزام الدول المقترضة بسداد القرض بالدينار الكويتي. وعليه، فإن قروض الصندوق محصّنة من الانخفاض في عملة الدولة المقترضة، حيث يتحمل المقترض مخاطر سعر الصرف وليس الصندوق الكويتي.
عاشراً: ودائع الكويت
أيضاً، تعد مليارات الكويت الأربعة المُودعة في مصر آمنة كونها بالدولار، واستردادها سيكون بالدولار ما يجعلها محصّنة من تقلب العملة.
الحادي عشر: أصحاب الفلل
بالنسبة لأصحاب الأصول الثابتة مثل الفلل والسكن الخاص والمزارع والشاليهات والتي لا يخطط أصحابها لبيعها، فإنهم لن يتأثروا بتعويم الجنيه، على أساس أن التضخم سيصل ممتلكاتهم ويصعد بأسعارها بما يعوّض فرق سعر الصرف، وهنا تتعادل القيمة الدفترية أو تقترب من بعضها.
الثاني عشر: مورّدو السيارات
معلوم أن إقرار البرلمان المصري أخيراً لقانون يسمح لكل مصري مغترب في الخارج باستيراد سيارة على أن يودع قيمة جماركها في وديعة بالدولار يستردها بعد 5 سنوت بالعملة المحلية لاقى قبولاً واسعاً لدى مصريي الخارج، إلا أنه بعد هبوط قيمة العملة المحلية يرجح أن يخف وهج القانون، فإذا كان شيئاً ما لم يتغير على مزايا القانون المقر، إلا أن انخفاض العملة المحلية مقابل عملات الأسواق التي يعمل بها المغتربون سترفع عليهم قيمة المبالغ المطالبين بتحويلها بالدولار.
الخلاصة
خلاصة ما سبق، أنه يفضل عدم الاستعجال باتخاذ قرار تصريف المدخرات، حيث لا يمكن توقع مسار دقيق للعملة بعد تعويمها، ولذلك يميل الخبراء في هذه المرحلة إلى الحذر، وتأجيل أي قرار يرتبط بتسييلها بالدولار أو بالجنيه قبل تنامي المؤشرات الإيجابية أو السلبية، التي تؤكد أن العملة المصرية مرشحة لمزيد من الانخفاض أو الارتفاع مستقبلاً.