دمشق أحبطت في الدقائق الخمس الأخيرة مهمة وفد عون للترسيم البحري معها: الوقت غير مُناسِب

لبنان: خميس الترسيم مع إسرائيل... حفلُ توقيعٍ بلا احتفالية

دورية لقوة «اليونيفيل» على الطريق الساحلي في الناقورة أمس (أ ف ب)
دورية لقوة «اليونيفيل» على الطريق الساحلي في الناقورة أمس (أ ف ب)
تصغير
تكبير

- البرلمان ينتخب الفراغ وفريق عون «يرمي» إشارات متناقضة على الجبهة الحكومية
- التغييريون إلى مزيد من التصدُّع مع خروج الصادق بعد دويهي
- بري «حجز مسبقاً» حواراً بـ «MENU» رئاسي بملاقاة الشغور

الخميس يُطوى رسمياً و«نهائياً» النزاعُ البحري مع «العدو» الاسرائيلي بـ «حفلِ توقيعٍ» تجري مراسِمه بلا احتفاليةٍ في الناقورة برعاية الوسيط الأميركي... والأربعاء، «طار» مسارُ التفاوض المباشر مع «الشقيقة سورية» حول الترسيم البحري بعدما أحْبطه النظام السوري في الدقائق الخمس الأخيرة... وفي «الأحد الموعود» مَراسم وداعٍ «هادِرٍ» للرئيس ميشال عون مُغادِراً قصر بعبدا وسط سؤال كبير تضجّ به بيروت: مَن يسبق مَن: الفراغُ أو مراسيم حكومة اللحظة الأخيرة لتفادي «الصِدام» السياسي - الدستوري؟

مثلّثُ اهتماماتٍ طغت على المشهد اللبناني، في ظلّ مفارقةٍ جعلتْ الأيامَ الأخيرة من روزنامة عهد السنوات الست مزدحمةً بعناوين «ثقيلة» بعضها لا يمكن إغفال بُعده الاستراتيجي (الترسيم مع اسرائيل) أو «الاستلحاقي» الذي أراده عون بتوقيته كالتفاوض البحري مع سورية قبل أن تردّه دمشق خائباً، فيما أكدت جلسةُ الانتخاب الرئاسية الرابعة أمس المؤكدَ لجهة أن عون سيترك القصر (الأحد) على متن شغورٍ لن تتوقف وحتى آخِر دقيقةٍ محاولاتُ «تصفيحه» بحكومةٍ مضادة لـ«رصاصٍ طائش» سيتطاير من فوق رأس حكومة تصريف الأعمال بحال قُذفتْ بين يديْها «كرة نار» الفراغ الرئاسي غير المنظّم.

وحتى «الساعة الرئاسية»، التي يستحيل أن تتلاقى عقاربُها إيذاناً بعهدٍ جديد قبل منتصف ليل 31 أكتوبر - 1 نوفمبر، ضُبطت جلستُها الانتخابية الخامسة التي كانت مقرَّرة بعد غدٍ، وفق أجندةِ زيارة «عرّاب» الترسيم مع اسرائيل آموس هوكشتاين ولقاءاته الرسمية على هامش مشهديةِ الناقورة التي لا يُعلم إذا كانت تخبئ أي «مفاجآتٍ» من حيث الحضور المُواكِب لها في بيروت بما يعكس الأهمية الكبرى لاتفاقٍ بين بيروت وتل أبيب أعْلته واشنطن لمرتبة «التكامل الإقليمي».

ويصل هوكشتاين إلى لبنان مساء غد، على أن يسلّم صبيحة الخميس إلى عون نص المذكرة بنقاط التفاهم حول ترسيم الحدود البحرية، قبل أن يحصل التوقيع في اليوم نفسه بعد أن يكون رئيس الجمهورية حَسَم مَن سيمثّل بيروت في «الاحتفالية الصامتة» في الناقورة والتي ستراعي في الشكل عدم حصول أي تواصُل لبناني - إسرائيلي إذ سيكون الجانبان في غرفتين منفصلتيْن ويضع كل منهما إمضاءه على نسخة من الاتفاق.

وقبيل وصول هوكشتاين، كان يفترض أن يتوجّه نائب رئيس البرلمان إلياس بوصعب، الذي سبق أن كلّفه عون ملف الترسيم مع اسرائيل، إلى دمشق على رأس وفد شكّله رئيس الجمهورية لبحث الترسيم البحري مع سورية ومعالجة نقاط هي محط نزاعٍ وتحديداً في ما خص تداخل البلوك رقم «1» السوري مع البلوكين 1 و2 اللبنانييْن وتلزيم دمشق هذا البلوك لشركة «كابيتال» الروسية في مارس 2021.

وقد أعلن عون أمس أن الوفد الذي يزور دمشق الأربعاء «لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في سورية بهدف مناقشة مسألة الترسيم البحري بين البلدين الشقيقين» يضم إلى بو صعب وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، وزير الأشغال علي حمية، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وعضوا مجلس إدارة هيئة قطاع النفط وسام فبراير ووسام ذهبي.

وسرعان ما باغتت دمشق لبنان الرسمي، مساء أمس، ببعث رسالة إلى وزارة الخارجية اللبنانية تقول «إنّ الوقت غير مناسب لمثل هذه الزيارة»، وهو ما تلاه تعميم هذه الوزارة والمغتربين على رئاستَي الجمهورية والحكومة في بيروت الكتاب من سورية الذي يعتذر عن عدم استقبال «وفد الترسيم».

ونقلت وسائل إعلام لبنانية عن مصدر في الخارجية «أن الجانب السوري طلب تحديد موعد آخَر غير الذي كان مقرراً الأربعاء، لزيارة الوفد اللبناني عازيا السبب لارتباطات مسبقة على أن يتم الاتفاق على موعد جديد لاحقاً»، فيما ذكر تلفزيون «ال بي سي آي» «أن لا حماسة من الأجهزة الأمنية في كلّ من لبنان وسورية لفتح باب الحوار في موضوع ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وقد ترجم ذلك عبر رسالة وصلت إلى الخارجية اللبنانية عبر السفارة السورية».

وجاء هذا التطور بمثابة الصدمة لدوائر الحُكْم في لبنان، رغم الاقتناع بأن في الحيثيات السورية عدم رضا مزدوج عن عون الذي تجنَّب زيارة دمشق طوال مدة ولايته من جهة، كما اختياره من جهة أخرى فتْح ملف الترسيم بعد إنجازه مع اسرائيل وتكليف الشخصية نفسها، أي بوصعب، التي توّلتْ قضية الترسيم مع تل أبيب والتي أنيط بها مهمة الاتصال مع الجانب الأميركي، ترؤس الوفد إلى سورية.

وكان هذا الملف جرى التعاطي معه في بيروت من زاويتيْ: هل تصبح مهمة الوفد «منتهية الصلاحية» حين يُطوى عهد عون أم لا؟ وأن «غض النظر» من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على تفرُّد رئيس الجمهورية بتشكيله من دون مروره بالحكومة والاكتفاء بـ «أخْذ العِلم» وعدم الممانعة، اعتُبر من أوساط سياسية في سياق رغبةٍ في تمرير الأيام الأخيرة من ولاية عون «بالتي هي أحسن» ومن دون «صبّ الزيت على نارٍ» تؤججها تسريباتٌ مستمرة عن «شرور» ستطلّ ما لم تُفْضِ الساعات المقبلة لاستيلاد حكومة بشروط فريق عون.

ولم تكد الساحة السياسية تهنأ بسحْب عون ورقة توقيع مرسوم قبول استقالة حكومة ميقاتي (باتت مستقيلة حكماً بعد انتخابات مايو النيابية) وتحويلها «مطعوناً بشرعيتها» في وراثة صلاحيات رئيس الجمهورية ابتداء من 1 نوفمبر، حتى باغتت مقدمة نشرة «أو تي في» (تابعة لحزب عون أي التيار الوطني الحر) الجميع بتحذيراتٍ على قاعدة «إمّا حكومة جديدة... وإما كارثة (...) فالحكومة الحالية المستقيلة، ممنوعٌ أن تتولى ما خصصه الدستور من صلاحيات لرئيس الجمهورية بحال الشغور في السدة الاولى (...) ورئيس الجمهورية، ومعه التيار الحر وسائر الحريصين على الكيان ومكوِّناته، يملكون مجموعة من الخيارات الكفيلة بمنع الانزلاق في المحظور، ومنها بدايةً، كلُّ ما يتصل بإسقاط الصفات القانونية والمقوِّمات الشرعية عن الحكومة الحالية كي لا تتحول أداة للفتنة».

ولم يَبْدُ اشتداد لعبة عضّ الأصابع الحكومية على وقع «عدّ الأيام» الفاصلة عن انتهاء عهد عون، كفيلاً بتغيير حرْف في اتجاهات الانتخابات الرئاسية، وسط تَعَمُّق الانقسامات النيابية تحت سقف التوازن السلبي داخل البرلمان: بين موالاة («حزب الله» والتيار الحر وحلفاؤهما) عاجزة عن الاصطفاف خلف مرشّح واحد وتنتخب الورقة البيضاء وفق معادلةٍ خفية للحزب «إما هذه الورقة أو تعالوا للتفاهم معنا»، ومعارضة غير قادرة على توحيد الصف والكلمة على اسم واحد وتزداد تشرذماً مع كل جلسةٍ.

ولم تختلف «الرئاسية الرابعة» أمس عن سابقتها إذ توافر نصاب انعقادها (86 نائباً) بحضور 114 نائباً (من 128) والتأمت دورتها الأولى ليتم تطيير نصاب الثانية، في «مسرحيةٍ» تشي بأن تكون مفتوحةً وبدا أن الهدف من «السماح» بتكرارها إنهاكُ القوى السياسية والكتل البرلمانية بجلساتٍ تظهّر أن لا أحد يملك مفتاح هذا الاستحقاق لوحده، في حين شكّل «الحجْز المسبق» من الرئيس نبيه بري لحوارٍ بـ MENU رئاسي مع «توابعه»، ما يشبه «البابَ الخلفي» الذي يُراد ولوجه نحو مرحلة شغورٍ مع الحدّ الأدنى من «بوليصة التأمين» ولا سيما بحال فشل محاولات تأليف حكومة كاملة الصلاحيات.

وكانت جلسة الانتخاب التي ختمها بري معلناً بدايةً تحديد الخميس موعداً لجلسة خامسة قبل أن يلفته بوصعب إلى أن هوكشتاين سيكون في بيروت فيستمهل رئيس البرلمان لتأكيد الموعد أو تعديله، انطبعتْ بالخلاصات الآتية:

• تَراجُعٌ بسيط في عدد الأصوات التي نالها مرشح الأحزاب السيادية (القوات اللبنانية، التقدمي الاشتراكي والكتائب) ومستقلين من المعارضة النائب ميشال معوّض إلى 39 صوتاً مع وجود 4 أصوات أخرى «مضمونة» غاب أصحابها عن جلسة أمس، وسط تبدُّلات في بعض أصوات مؤيّديه عبّرت عنها خسارته صوتيْن (كان رقمه في جلسة الخميس الماضي 44 صوتاً) وانضمام نائب جديد لدعمه هو التغييري وضاح الصادق.

• المزيد من التصدُّع في صفوف كتلة النواب التغييريين الذين بدأوا 13 وانفصل عنهم النائب ميشال دويهي، وتبعه أمس الصادق الذي أعلن «أنا نائب تغييري خارج التكتل»، وموحياً بانضمامه إلى تكتل آخر تردّد أنه قد يضم «منشقين» آخرين من التغييريين.

• أن الأصوات العشرة للنواب التغييريين الذين حضروا أمس (غابت النائبة بولا يعقوبيان) توزّعت بين 8 صّوتوا للدكتور عصام خليفة (كان رَفَض ترشيحه) الذي نال ما مجموعه 10 أصوات (مع النائبين أسامة سعد وشربل مسعد)، فيما اختار نائبان تغييريان «لبنان الجديد» الذي اقترع باسمه أيضاً دويهي ونواب تكتل «الاعتدال الوطني» (غالبيتهم من قدامى «المستقبل») وحلفاء له وآخرين ليكون مجموع الأوراق التي حملتْ هذه التسمية 15.

• سقوط محاولة توحيد كتلة التغييريين والاعتدال الوطني وحلفائه ونواب صيدا الثلاثة (سعد، مسعد وعبدالرحمن البزري) أي نحو 24 نائباً خلف مرشح واحد، وفق ما أظهرته عملية التصويت المبعثرة.

• انحسار موجة الورقة البيضاء التي تتسلّح بها قوى الموالاة من 55 في الجلسة الماضية إلى 50 أمس، رغم أن هذا مردّه إلى غياب نواب منها عن البرلمان.

• تسجيل اقتراع النائب كريم كبارة بورقة «لأجل لبنان»، والنائب جميل السيد بـ «العوض بسلامتكم».

وفي السياسة، مضى «حزب الله» برمي مسؤولية تعطيل الاستحقاق الرئاسي على المعارضة وتحديداً الأحزاب التي تدعم ترشيح معوض معتبراً أن هؤلاء يضعون البلد أمام معادلة «إما مرشح التحدي أو الفراغ»، في مقابل اتهام الأحزاب السيادية له بمحاولة «الترهيب والإخضاع» عبر تطيير النصاب وتعطيل اللعبة الديموقراطية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي