قدمتها «فرقة الخليج العربي» ضمن «الكويت المسرحي 22»
«طاهرة»... العنف لا يُولّد إلّا عنفاً
لن تعود «طاهرة» إلى نقائها... حين يتمزق ثوبها الأبيض بنصل العادات والتقاليد!
هذه إحدى الرسائل التي أراد إيصالها الكاتب الدكتور حمد الرومي من خلال مسرحية «طاهرة»، التي قدمتها فرقة مسرح الخليج العربي أمس، على خشبة مسرح الدسمة، في المسابقة الرسمية لمهرجان الكويت المسرحي الـ 22.
ففي نصه المسرحي، كأن الكاتب يردد مقولة الناقد الأدبي والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر «العنف يبرر نفسه دائماً بأنه يحارب العنف، أي أنه رد فعل ضد عنف الآخرين»، حيث تريد بطلة النص أن تحقق العدالة بنفسها.
تبدأ الأحداث مع ولادة «طاهرة» بثوبها الأبيض، تلك البنت الحالمة التي أحبت حبها الأول العذري الطاهر «أيوب»، لكنها تصدم بعدم موافقة والدها على زواجها منه حينما يتقدم لها بمعية والده، لأن الزوج ليس كفؤاً لها لأنه بائع للبطيخ، وهذه القضية الاجتماعية التي لاتزال موجودة في بعض المجتمعات، حيث يرفض تزويج الفتاة من شخص غير أصيل، وممن دونها في الحسب والنسب، والنظرة التمييزية للمجتمع تتجه دائماً إلى معاقبة المرأة دون الرجل، لأنها الجانب الأضعف والمستضعف من طرف المجتمع.
وهناك «ثيمة» أخرى لعرض «طاهرة»، هي العنف، الذي يُشكّل هنا عنفاً نفسياً على تلك المرأة... فالعنف لا يولد إلا عنفاً ويخلف في أعقابه الموت والدمار. فطاهرة سمحت لنفسها أن تكون ضحية لهذا العنف، فظلمت نفسها، فتعيش حياتها بلا قيمة، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى الانتقام بالقتل.
السينوغرافيا
لو بدأنا من الرؤية الإخراجية للمخرج هاني الهزاع، لرأينا براعته في إيجاد معادلة إيقاعية سليمة لعناصر العرض، واستطاع أن يجذب المتفرجين منذ الاستهلال وصولاً إلى نهايته. البداية مع ولادة طاهرة بثوبها ناصع البياض، ونهايتها بثوبٍ أسود، يلف جسدها بعنف.
كما أثرت السينوغرافيا العرض المسرحي بفرجة درامية مبهرة. وهذا العرض، يؤكد على أن المسرح هو عمل جماعي، حينما شاركت عناصره في تحريك الديكور وتوظيفها جيداً في المشهد الدرامي، بتناغم مع الممثلين وكأننا نرى صورة تشكيلية جمالية. أما الأداء التمثيلي، فقد أبدعت الفنانة أحلام حسن في تجسيد شخصية «طاهرة»، والانتقال من حالة نفسية إلى أخرى ببراعة، بينما أمتعنا الفنان إبراهيم الشيخلي في تأديته للكوميديا و«بقفشاته» الجميلة تارة، وبأدائه التراجيدي تارة أخرى.
«طاهرة» من تأليف الدكتور حمد الرومي وإخراج هاني الهزاع، وشارك في التمثيل إلى جانب حسن والشيخلي، كل من محمد الكليبي، ماجد البلوشي، محمد بوشهري، غدير حسن، علي بوجندل، عبدالله الشطي، عبدالرحمن العريمي، سليمان الفرحان، عبدالرحمن الصالح وعبدالوهاب الخضير.
الجمعان: العمل الإنساني هو الباقي
أعقب العرض ندوة تطبيقية، أدارتها أمل الدباس بحضور كاتب ومخرج العمل، في حين عقّب عليها الدكتور سامي الجمعان، الذي استهل حديثه قائلاً: «نحترم كل عرض يحترم المشاهد، وهو ما تجسّد في مسرحية (طاهرة) التي ناقشت هماً إنسانياً في المقام الأول، فالعمل الإنساني في المسرح هو الباقي، ولذلك فإن أعمال شكسبير لاتزال رائجة على خشبة المسرح رغم مرور مئات السنين، وذلك لأنه عالج قضية الإنسان، وهو ما حدث مع طاهرة التي تسبّب طهرها في أن تكون غير طاهرة، حين قامت بارتكاب جريمة القتل، وما أفظعها من جريمة».
ولفت الجمعان إلى أنه قرأ النص الأصلي الذي كتبه مؤلف المسرحية الدكتور حمد الرومي، ولكنه حين رأى العرض وجد شخصية مستقلة تماماً للمخرج، «حتى إن النص الذي جاء في 52 صفحة، اختزله المخرج برؤية إبداعية مستقلة في 32 مشهداً فقط، وتمكن من خلال هذا الاختزال حل أزمات الطول في النص من خلال مزج المشاهد في صور مسرحية ثلاثية الأبعاد، معتمداً على سينوغرافيا فائقة التنظيم، حركت المسرح بشكل ديناميكي مقنن وليس فوضوياً».
ووصف الجمعان المخرج الهزاع بـ «الثائر على النص»، مؤكداً أن المخرج الذي ينقل النص من دون وضع بصمته المستقلة، إنما هو نوع من الاستسهال، «وهو ما ابتعد عنه الهزاع كلياً، حتى إن أول مشهد بالمسرحية غير مكتوب في النص الأصلي، وهو مشهد القماش الأبيض الذي تلتف به طاهرة، والذي أصبح في آخر المسرحية أسود في دليل آخر على الرمزية الناجحة التي اعتمدها مخرج النص في رؤيته الإبداعية».