«الراي» ترصد تطورات الميدان النقدي
تحسن كبير ومفاجئ لليرة اللبنانية أمام الدولار
حصل «انقلابٌ» نقدي مُفاجئ في أسواق المبادلات المُوازية في لبنان وتمّت ترجمتُه بتحسّن كبير في سعر صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار، لتصل في أولى ساعات المساء إلى نحو 35 ألف ليرة لكل دولار، مقابل نحو 41 ألف ليرة بعد الظهر.
وتفاعلت الأسواق فوراً مع معطيات تحمل بدورها كل عناصر «المفاجأة»، وحفل بها بيان مسائي غير معهود وغير متوقّع بتاتاً صدوره في يوم عطلة رسمية، وحمل توقيع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مقرراً انطلاق المستجدات من خلال حزمة أولية تستند الى المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف.
وورد في مضمون المستجدات التي يصح وصفها بالتمهيدية لسلسلة تعاميم تنظيمية ولاحقة ستصدر خلال الأيام المقبلة، القرار بامتناع مصرف لبنان اعتباراً من يوم الثلاثاء، وحتى إشعار آخر، عن طلب شراء الدولار من خلال منصّة صيرفة، والاستمرار بعرْضه على الأفراد والشركات وضخ كميات إضافية من الدولار مقابل السحوبات المتاحة بموجب التعاميم السارية المفعول.
وبالاضافة قرر البنك المركزي الاستمرار بدفع معاشات القطاع العام بالدولار وفق نص التعميم 161، والاستمرار بتلبية السحوبات المحددة بمبلغ 400 دولار لأصحاب الحسابات المصرفية المستفيدين من التعميم 158، ومواصلة العمل بالتعميم 151 والتعميم 158، واللذين يتيحان اجراء عمليات سحوبات بالليرة بسعريْ 8 و 12 ألف ليرة لكل دولار، على أن يتم الدفع ايضاً بالدولار.
ووفق مصادر معنية ومتابعة، فإن المستجدات لن تقتصر على هذه الوقائع بعينها، بل ثمة معلومات عن قرار تم اتخاذه فعلاً، بانطلاق مرحلة نقدية جديدة يستعيد من خلالها البنك المركزي موقعه المحوري ليس في سوق القطع فحسب، إنما في إعادة هيكلة مجمل السيولة النقدية وإدارة سعر الصرف الرسمي.
وعُلم في هذا السياق، أن بدء العمل بالدولار الجمركي بسعر 15 ألف ليرة، سيتمدد بمفاعيله الى مجمل العمليات النقدية والى ميزانيات البنوك، من خلال تعميم يصدر لاحقاً عن مصرف لبنان المركزي ويقضي برفع السعر الرسمي لليرة الى حدود موازية لسعر الدولار الجمركي، والذي سيبدأ تطبيقه أوائل الشهر المقبل.
واستندت الحزمة الاولى من المستجدات الى المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف. حيث تنص المادة 75: «يستعمل مصرف لبنان الوسائل التي يرى أن من شأنها تأمين ثبات القطع، ومن اجل ذلك يمكنه خاصة أن يعمل في السوق بالاتفاق مع وزير المالية مشترياً أو بائعاً ذهباً أو عملات أجنبية مع مراعاة أحكام المادة 69. وتقيّد عمليات المصرف على العملات الاجنبية في حساب خاص يسمى»صندوق تثبيت القطع".
أما المادة 83، فتنص على انه «يمكن لمصرف لبنان ان يقوم مباشرة في حالات استثنائية وبالاتفاق مع وزير المالية بشراء العملات الاجنبية من الجمهور وبيعها منه».
وسبق هذه التطورات المثيرة بمضامينها، تسجيل زيادة شهرية لافتة في احتياطات العملات الصعبة بمبالغ تصل الى نحو 418 مليون دولار خلال شهر واحد من منتصف الشهر الماضي، وهو تطور حمل بدوره عنصر «المفاجأة»، بوصفه الاول من نوعه منذ خريف العام 2019، والذي يؤرخ لدخول البلاد مرحلة الانهيارات النقدية والمالية التي تستمر بتوليد ضغوطها الحادة على سعر صرف العملة الوطنية.
ولم تَسْلم هذه التطورات من الربط بالخلفيات السياسية والكيديات الداخلية. اذ لفتت مصادر متابعة الى ان ما يحصل في الميدان النقدي يتزامن مع قرب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون في 31 الجاري ما دفع بعض الجهات الداخلية الى استنباط وجود روابط تتصل بالمواقف الحادة من عون وفريقه والداعية الى إقالة حاكم البنك المركزي رياض سلامة، والمسبوقة بإثارة تحركات وملاحقات قضائية داخل لبنان وخارجه، فضلا عن ملف التدقيق الجنائي بميزانية البنك المركزي.
وفيما حملت تصريحاتٌ من شخصيات في فريق الرئيس اتهامات للحاكم بتعمد حجب التفاعل التلقائي والمفترض لتحسن سعر صرف الليرة بعد انجاز اتفاقية الترسيم البحرية مع اسرائيل، تشير مصادر متابعة الى التأثيرات العكسية الناتجة حكماً عن التعقيدات المشهودة التي تحاصر الاستحقاقات الدستورية الداهمة، وفي مقدمها الشغور المتوقع في موقع الرئاسة الأولى والتعقيدات المتوالية التي تحول دون تأليف حكومة جديدة مكتملة المهام والصلاحيات، بينما يتعيّن على البنك المركزي الاستمرار بضخ الدولار لمصلحة الأفراد والشركات عبر منصة صيرفة.