القانون كقاعدة اجتماعية، يختلف عن القواعد الاجتماعية التي تهتم بعادات المجتمع وتقاليده، مثل المجاملات بين الناس، فهذه تتعلّق بالسلوك وتتابع عُرف الناس عن اتباعها في صلاتهم اليومية بل وفي تقاليدهم المهنية، مثل حفلات الزواج والاجتماعات العامة وطريقة تقديم الطعام والشراب...
وتهدف العلاقات الاجتماعية إلى زيادة الروابط الاجتماعية وترسيخها، ولكنها تختلف عن قواعد القانون من حيث قوة الإلزام، والجزاء عليها جزاءٌ معنويٌّ من قِبل أفراد المجتمع يتمثل في استنكار الجماعة واستهجانهم لمن يخرج عليها أو يخالفها، بينما القواعد النظامية في القانون تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار المجتمعي، وهي ملزمة بقوة النظام العام في الدولة والجزاء عليها مادي محسوس توقعه السلطة القضائية على المُدان.
إذاً، فالقانون هو مجموعة القواعد التي تضمن الدولة تطبيقها بما ينظم سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع تنظيماً عادلاً يكفل حرُيات الأفراد ويحقّق الصالح العام... ولعلّ أهم ميزة يتميّز بها القانون التجرد والعموم من حيث النشأة والصياغة، والتجريد يعني أن تُصاغ القاعدة القانونية صياغة مجردة من كل هوى وشخص ووصف، بحيث تتناول الحوادث المراد تنظيمها بما يحقّق العدل والاستقرار والمساواة بين الناس، ولا تُوجه إلى شخص مُعيّن بذاته، ولا إلى واقعة محدّدة بعينها، وإنما تستهدف معياراً ثابتاً موجهاً للأشخاص بصفاتهم، وللحوادث بصفاتها فتُطبق على كل من توافرت فيه شروط تطبيقها والصفات اللازمة لانزال النصوص عليها، ما لم يكن هناك استثناء بموجب القاعدة أو القانون بذاته يعني حتى يسلم من العوارض والموانع.
كما أن القاعدة القانونية لا ينتهي دورها بتطبيقها مرة واحدة بل تطبق على جميع الأشخاص والحالات المماثلة متى وجدت الشروط المطلوبة.
ولنأخذ مثلاً ديوان الخدمة المدنية وقواعد ترقية الموظفين من درجة إلى أخرى أو في حالة الإحالة للتقاعد، أو تطبيق عقوبات التأديب الإداري فهذه جميعاً تعتبر قواعد نظامية عامة ومجردة لأنها لا تخص موظفاً بعينه، ولا واقعة بعينها وإنما تطبق مع كل موظف أو حالة تنطبق عليها شروط الترقية أو التأديب.
وهذا بخلاف الحكم القضائي الصادر بإدانة شخص معين أو عقابه، وكذلك القرار الصادر بتعيين موظف أو نقله فإنها لا تتسم بالعموم والتجرد لأنها خاصة بمن صدرت بحقهم دون أن يشاركهم غيرهم.
وقد يكون القانون أو القاعدة النظامية تخص في تنظيمها أشخاصاً محدودين أو شرائح معيّنة من الشعب ما دامت موجهة إلى الصفات لا إلى الأشخاص، مثل - ربات البيوت غير العاملات - ومثل القواعد التنظيمية لعمل القضاة أو كتّاب العدل أو الوزراء فإنها تعدّ قواعد عامة مجردة لأنها نظمت عمل من تنطبق فيهم الصفات والشروط المطلوبة وليست موجهة إلى شخص بعينه.
وهنا ثمة فرقٌ بين القانون والقواعد الاجتماعية للأفراد وهي أن القانون يقتصر عمله على السلوك الخارجي للأفراد والجماعات، أما السلوك الداخلي للأفراد فلا تتعلّق به القواعد القانونية... بل هو متروك للوازع الديني والضمير (التقوي) فهي التي تُهذّب مقاصد الإنسان ونواياه الداخلية وعليه فلا عقوبة في القانون على مجرد التفكير بالجريمة، ولا حتى العزم عليها إذا لم تقترن مع سلوك خارجي مثلما يقولون - مع سبق الإصرار والترصد - أو سلوك خارجي يدل عليها كالبدء في التنفيذ أو الشروع في التخطيط والتحضير لها.
ومن الفروقات الواضحة بين القانون وقواعد علم الاجتماع الإنساني. أن القاعدة القانونية مُلزمة للأفراد وموجهة إليهم بصفة الأمر أو النهي، لا النصح أو الترغيب فقط وعليه تكون مصحوبة بجزاء مادي عادل يوقعه القضاء على كل من يخالف النظام إذ ليس للأفراد الخيار في تنفيذ قواعد النظام أو تركها لأن هذا سيؤدي حتماً إلى فوضى تعم الجميع، حيث إن الإنسان يميل بطبعه إلى عدم التقيد بالنظام، وحين يعلم العقوبة المرتبة على هذا الإخلال فإنه يتقيّد بهذا الوازع السلطاني بعد فقده الوازع الإيماني.
فالجزاء المرُتب على مخالفة القانون هو الذي يُعطي القانون قيمته ويُلزم الجميع.