مر عليكم شخص مع الناس انفعالاته مبالغ فيها؟ يبالغ بالسعادة ويضحك وايد ودمه خفيف، بس يروحون الناس يتغير ويقلب ويكون حزينا، تُجيب أحدهم؛ «إي دكتورة نعرفه عدل، هذه اختي نسميها أم وجهين حق الناس تهبل ودمها خفيف وكله تضحك وحقنا البوز شبرين وما تطلع من الدار وكل شيء غصب تسويه بالبيت...».
كان هذا رأي أخت عن أختها وتعبيراً متعارفاً عليه لكل من يتغير مزاجهم بعد أن ينتهي الموقف الاجتماعي ويرجعون لحياتهم الخاصة، ماذا نسمي ذلك؟ هذا نوع مهم من الاكتئاب اسمه الاكتئاب المبتسم، وهو نوع متعارف عليه بين الناس ويرجع علمياً إلى نوع من الاكتئاب يسمى الاكتئاب اللانمطي، يعاني صاحبه من أعراض مثل أعراض الاكتئاب العادي وهو فعلا اكتئاب عادي بردة فعل متناقضة من المصاب.
أي بتفسير دقيق هو حزن وقلق وعدم الشعور بالمتعة واضطرابات النوم، وفراغ داخلي لكنه يختلف عن المكتئب العادي أنه لا يُظهر للآخرين معاناته بل يظهر مشاعر متناقضة لم يشعر هو بها، كأنه يلبس قناعا يحمي نفسه فيه من معاناته، ومن معرفة الآخرين لما يعاني، خوفاً عليهم أو عدم رغبته في الإثقال على المحيطين به، وغالباً المصاب بهذا الاكتئاب يكون شخصاً قوياً ويعتمد عليه الآخرون ويستند عليه الكثير، وله وظيفة فيها اتصال مباشر مع الناس كالإعلاميين والمشاهير والسياسيين والمحامين والأطباء، وأهم وأبرز مثال له الممثل الكوميدي الأميركي روبن ويليامز الذي أسعد و أضحك الجميع وعجز عن إسعاد نفسه وتخطي الحزن العميق داخله وفقدان الحياة ولهفتها فيه، والغريب بالأمر أنه في واحد من أهم أدوار ويليامز في فيلم «غود ويل هانتينغ» (Good Will Hunting)، والذي حصل به على جائزة الأوسكار الوحيدة في مسيرته، لعب ويليامز دور شون ماغواير المعالج النفسي الذي أظهر براعته في مساعدة ويل هانتينغ لفهم نفسه والخروج من أزمة نفسية معقدة، ولكن يبدو في الحقيقة أن ويليامز لم يستطع مساعدة نفسه في الحياة الواقعية.
ما نستشفه من ذلك أن المصاب ممثل بارع في حياته وفي عمله وفي علاقاته. وإنسان لا يملك البراعة في حب نفسه أو السعي لمساعدتها.
فهذه الحالة لا يمكن اكتشافها بسهولة أو التعرف عليها بشكل سهل، لأن صاحبها متصنع لسلوكه بشكل لا يمكن كشفه إلا بمتابعة دقيقة من محب له، كما أن المكتئب بهذا الاكتئاب يخاف من ردة فعل الناس وينكر أنه يحتاج مساعدة، لأنه ممتاز وبارع في التواصل مع الآخرين، ويستطيع أداء عمله بشكل جيد متجاهلاً أنه إذا رجع المنزل دخل كوخ الحزن وعدم المتعة وعدم القدرة على فعل أي أمر مع نفسه.
أما عن معاناة المكتئبين في المنزل فهي حكاية أخرى. أهم فصل فيها أصابع الاتهام التي توجه لهم على الدوام، حيث يواجهون هذا الكلام بشكل توضيحي وبلغة عامية (أنت زين وتجنن مع الناس أما أهل بيتك تعطيهم وجه البومة) وغيرها من الاتهامات العائلية التي تجبره على ارتداء وجه الضحك والابتسامة بحِمل أكبر لتثقل عليه معاناته السرية مع حاله. ولأن هذا الشخص يحب المثالية يخاف الاعتراف بحاجته للمساعدة.
كما أن المصابين بهذا النوع من الاكتئاب تجدهم يضحكون كثيراً في مواقف لا تحتاج الضحك، ويبتسمون في مواقف لا تحتاج الابتسامة، وهناك منهم عندما يضحك يبكي باللحظة ذاتها (محججاً الأمر لكثرة الضحك أي مبرر منطقي للبكاء لا حكم فيه من أحد يتعارض مع الصورة التي يريد صاحب الموضوع إيصالها)، ومن أهم أعراض الاكتئاب اللامنطقي أو المبتسم أنه يصبح حساساً من الانتقاد والرفض وينام بكثرة، ويصبح عنده شراهة بالطعام، يأكل كثيراً ومن دون حاجة وشعور، ويشعر بثقل بالكتف والساقين.
يقول فرانكلن، العالم النفسي، إن المكتئب يجب أن يمارس أهدافه ويتطوع ويشارك المجتمع ويتعرف على أشخاص جدد ويحدد روتينا خاصا يلتزم فيه ليشعر بأهميته في حياته. وأتفق مع هذا العالم بأن الخطة الحياتية والإنجاز يخففان من أعراض فقدان المتعة واللهفة إضافةً لتعرف وتعلم كل ما هو جديد.
ولأن الاكتئاب منتشر بشكل كبير أي بين كل 10 أشخاص هناك شخص واحد مكتئب في العالم، كما أعلنت الدراسات والإحصائيات، أخبركم:
أن ذا وجهين بمشاعر مختلفة هو مكتئب بقناع لا يعرف كيف يظهره خوفاً من اتعابك معه وليس استكثاراً فيك. نرجع لما تفضلت به الأخت:
طيب أختك أم وجهين تنام كثير؟
إي جداً دكتورة، ولما تصحى بس تاكل ولا تخرج من غرفتها. السؤال الآن، أختها هل ما زالت أم وجهين؟
و كم مرة مروا أمامك ولم تتعرف عليهم؟