ممدوح إسماعيل / فتوى الجدار وفتنة الحدود

تصغير
تكبير
الأحداث والجدل في تصاعد بسبب بناء مصر الجدار الفولاذي على الحدود بين مصر وقطاع غزة، ودخلت على الخط الفتاوى الشرعية التي كانت لافتة بقوة. فقد خرجت على المسلمين فتوى من المؤسسة الرسمية الإسلامية تؤيد الحكومة المصرية في بنائها جداراً فولاذياً على الحدود مع قطاع غزة لقطع آخر شريان لحياة الفلسطينيين في غزة، وتقول بحل بناء الجدار وأن الشرع الإسلامي يؤيد ذلك. وانتقد هذه الفتوى الكثير من العلماء في بلاد المسلمين، ما جعل بعض الناس يقولون من نصدق؟

نعم فتلك المؤسسة الإسلامية هي نفسها التي أصدرت الفتاوى في العام 1948 بفرضية الجهاد لتحرير فلسطين، وفرضية مساعدة الفلسطينيين ودعمهم بجميع أنواع الدعم، وتتابعت على ذلك الفتاوى من المؤسسة الرسمية الإسلامية في مصر حتى بلغت مجلدات حتى العام 1973. وبعد ذلك مع العام 1978 و«كامب ديفيد» المشؤومة بدأت الفتاوى تتغير، مع أن العدو لم يتغير، واحتلاله لفلسطين لم يتغير، وقتله وسفكه لدماء الأبرياء من الفلسطينيين لم يتغير، وتدميره للحياة والمنازل وشجر الزيتون لم يتغير، بل زاد أضعافاً مضاعفة، ولكن الذي تغير هو الواقع السياسي الجديد.

الحقيقة أن منشأ الفتنة يرجع إلى التغير الذي حدث في المفاهيم الإسلامية بعد أن كانت فتاوى علماء الإسلام قائمة على أممية الإسلام ووحدة العلاقة بين المسلمين. لقد سقطت تلك القاعدة عند الكثير منهم بسقوط الخلافة الإسلامية مع سقوط آخر خليفة عثماني رسمياً العام 1928، وبدأت تتكون مفاهيم جديدة مع اتفاقية «سايكس بيكو» الاستعمارية التي رسمت حدوداً بين الدول العربية.

وتم تأسيس الانفصال القطري الإقليمي لكل دولة، ولم تشفع محاولات القومية العربية والجامعة العربية في وضع قواعد وحدة بين العرب المسلمين، وأيضاً لم تشفع منظمة المؤتمر الإسلامي في إعادة وحدة المسلمين. ومع ترسيخ قواعد القطرية الإقليمية ترسخت معها قواعد الانفصال الجديدة عن مفاهيم وقواعد الفهم الإسلامي للوحدة الإسلامية الثابتة بالقرآن الكريم والسنّة الشريفة.

وقضية فلسطين مثال واضح لا لبس فيه لتلك القضية بعد أن كانت قضية إسلامية وفتاوى علماء المسلمين من الهند حتى المغرب تقول بفرض الجهاد لتحريرها تغيرت إلى قضية عربية ثم تقوقعت إلى قضية فلسطينية.

ولا يفوتنا أن من الأسباب أيضاً هي أن بعض العلماء في المؤسسة الرسمية الإسلامية في بلاد المسلمين هم الذين تسببوا في تلك الفتنة بسبب خوفهم على مناصبهم ودنياهم وتملقهم للحكام، وتناسوا حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم»، مسند أحمد.

وسبب آخر هو الانفصال بين الدين والدولة والعلمانية التي ترسخت حتى في عقول بعض علماء المسلمين. والحقيقة أن بعض علماء المسلمين يستغلون قواعد الفقه الإسلامي وقدرتهم على حياكة الفتوى فيصنعون ما يشاؤون، مستغلين قدرتهم وظروف الواقع.

مثال: اليوم يقولون بحتمية المحافظة على الحدود وغلقها أمام الشقيق المظلوم لتحقيق السيادة الوطنية تحت دعوى المصالح المرسلة، وتناسوا وغفلوا أن مصلحة الإسلام هي الواجبة والمحافظة على الحدود تكون من العدو الثابت عدواته بالنص المقدس والواقع الذي لا يخفى.

صحيح أن العالم شهد تغيرات كثيرة على جميع المستويات، والمسلمين تفرقت كلمتهم وضعفت قوتهم في عالم لا يعرف غير لغة القوة. ولكن هل يعرف التاريخ القديم والحديث تحقيقاً للقوة إلا بالوحدة، ولن تتحقق وحدة المسلمين وتتحقق قوتهم إلا بتمسكهم بالإسلام الذي جعلهم أمة واحدة وليس دولاً متفرقة لكل منها له أجندتها ومصلحتها التي تختلف وتعارض الدولة الجارة المسلمة. ومن المحزن أن أجندة الكثير من دول المسلمين تابعة لمصلحتها الإقليمية الضيقة لدولة كبرى غربية وليست أجندة مستقلة.

وأخيراً، ان بعض الفتاوى الفقهية تسبب مشاكل ولا خطر منها، ولكن الخطر الأكبر في تلك الفتاوى التي تكون سبباً في ضياع حقوق ومقدسات وضياع أمة هي خير أمة أُخرجت للناس.





ممدوح إسماعيل

محامٍ وكاتب مصري

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي