No Script

رؤية ورأي

كتل برلمانية مسيئة لمنظومتنا الديموقراطية

تصغير
تكبير

الأحداث والتطورات الأخيرة على الساحتين السياسية والنيابية تشير إلى انطلاق مشاريع لتغييب الشعب عن التغيّرات والتحوّلات النيابية المنهجيّة الخطيرة، واختلاق زوبعات في الفضاء الافتراضي حول قضايا ثانوية لإشغال الشعب عن أولويّاته وخرق الدستور. وقد يكون أبرز مشاريع التغييب هو تشكيل كتل نيابية تتضمّن نوّابا مخضرمين من دون إعلان مبادئها وأولويّاتها للشعب، كما لو كان المؤسسون هواة أو مستجدّين في عالم السياسة، يجهلون الموقع المحوري للشعب في المنظومة الدستورية الكويتية.

فمجمل الشعب مغيّب اليوم عن حقيقة التحالفات النيابية التي عقدت على أسس وقواعد مصلحية، بمبادرات مماثلة لحيلة الخليفة العباسي المأمون حين أصرّ على تعيين الإمام علي الرضا – عليه السلام – وليّا لعهده لفترة من الزمن.

ومجمل الشعب مغيّب اليوم عن خفايا البيانات الناعمة التي أصدرتها كتل برلمانية حول مخالفة المادة (87) من الدستور، بتأجيل جلسة افتتاح مجلس الأمة. فهم لا يعلمون لماذا وهن وفتر حرص تلك الكتل على تحصين الدستور، ولماذا بياناتها لم تعد تحذيرية توعّدية كما كانت في المجلس السابق، وصارت ودّيّة توسّليّة.

والشعب يجهل اليوم ماهيّة العدوى التي غيرت نبرات أصوات مجاميع من النوّاب. فأصواتهم المطالبة بمحاسبة سرّاق المال العام واسترجاع أموال الكويت والكويتيين لم تعد عالية وصاخبة، وأصبحت خافتة وغير مسموعة.

لذلك، أؤكّد على حق الشعب في معرفة مبادئ وقيم الكتل النيابيّة المشكّلة، وأولويّاتها للفصل التشريعي المرتقب، وفق خارطة طريق واقعية مبرمجة زمنياً على مدى أربعة أدوار تشريعية. وهذا الحق الدستوري لا يُستوفى إلا بالمنشورات والوثائق والمبادرات التي تصدرها وتتبنّاها مجاميع النوّاب ككتل برلمانية، وليس تلك المرتبطة بنوّاب فرادى بصفتهم المستقلّة.

والكتل البرلمانية يجب أن تتوقّف عن تغييب وتضليل قواعدها الانتخابية عبر تصريحات وأنشطة نيابية فردية غير متّسقة مع أولويّاتها. فالإصلاح السياسي يتطلب الشفافية العامّة، الممتدّة إلى جميع الجهات التابعة لكل السلطات الثلاث، من دون انتقائية تستثني الكتل البرلمانية – أو غيرها – من تبنّي الشفافية أمام الشعب.

فمن بين ما يعيب بشدّة تجربتنا الديموقراطية، وجود كتل برلمانية تحتضن قواعد انتخابية بأولويات متناقضة تجاه قضايا مفصلية، ظنّاً من كل فئة منهم أن قضيّتهم المفصلية ذات موقع لدى الكتلة متوافق مع تطلعاتهم وآمالهم.

فعلى سبيل المثال، لدينا في الكويت كتلة برلمانيّة لا تعتبر قضيّة البدون «أولوية» تستحق التوافق عليها ككتلة نيابية، ولكن القاعدة الشعبية لهذه الكتلة تتضمن مجموعة واسعة من المواطنين الذين يعتبرون إقرار «قانون جمعية المحامين الكويتية لمعالجة أوضاع البدون» أولوية قصوى لا تقبل التفاوض ولا التأجيل، وبجانبهم ضمن القاعدة الشعبية مجموعة أخرى من المواطنين الذين يعتبرون إقرار ما يعرف بـ «قانون مرزوق» هو الحل الأوحد، ومعهم مجموعة ثالثة ترى أن الوضع القائم سليم يجب الاستمرار عليه.

السر في اجتماع هؤلاء (الناخبون المتنافرون بأولويّاتهم) على دعم الكتلة هو الجهود الفردية المتناقضة التي يبذلها أعضاؤها النوّاب. فتجد أحد أعضائها – أو أكثر – يتبنّى صراحة أو ضمناً «قانون جمعية المحامين»، في حين يتبنى عضو آخر – أو أكثر – صراحة أو ضمناً «قانون مرزوق»، ومعهم عضو – أو أكثر – يتبنّى فرض سياسة الأمر الواقع.

الشاهد أن هذه الخديعة ومثيلاتها المجدية انتخابياً، غير منتجة تشريعياً ورقابياً، ومانعة وسالبة حق الشعب في رقابة وتقويم أداء الكتل البرلمانية، فضلاً عن كونها تسيء لمنظومتنا الديموقراطية في بعدين على الأقل: مصداقية نوّاب الكتل البرلمانية ومستوى وعي الناخب.

لذلك، أدعو إلى ترقية علاقتنا نحن الناخبين بالكتل البرلمانية من مستوى علاقة مشجّعين بلاعب مشهور أو بنادٍ رياضي محبوب إلى مستوى العلاقة التي أرادها المشرّع الكويتي المؤسّس، العلاقة المتوافقة مع محورية الشعب في منظومتنا الديموقراطية الدستورية، العلاقة التي تستوجب شفافية الكتل البرلمانية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي