تسويقٌ صامت لمرشحٍ رئاسي مدعوم... فرنسياً

واشنطن تعتبر اتفاق الترسيم «بمتناول اليد» فهل نزل لبنان و إسرائيل عن «الشجرة»؟

عون مستقبلاً هوكشتاين في بيروت (أرشيفية)
عون مستقبلاً هوكشتاين في بيروت (أرشيفية)
تصغير
تكبير

- عون أمل إنجاز كل الترتيبات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية خلال أيام بعدما تَقَلَّصت الفجوات
- فريق عون بدّل «استراتيجيّته»... تعطيل استيلاد الحكومة لاستدراج صفقة رئاسية؟

تقاطعتْ المؤشراتُ في بيروت عند أن ملف الترسيم البحري مع إسرائيل «أَفْلَتَ» من دائرة التفجير برفضٍ بالصوت العالي من تل أبيب للملاحظات التي تقدّم بها لبنان على المسودة التي طرحها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.

وستحمل الساعاتُ المقبلة تسليمَ هوكشتاين إلى المسؤولين اللبنانيين الصيغة النهائية المنقّحة التي وَضَعها بناءً على ملاحظات بيروت وموقف إسرائيل منها تمهيداً لتحديد «آخِر كلام» بإزائها، فيكون هذا الملف الذي سلك مساراً شاقاً على مدار نحو عقد من الزمن، انطلقت في آخِر عامين منه المفاوضات بين الجانبين بوساطةٍ أميركية ورعايةٍ أممية في الناقورة، أمام سيناريوهيْن:

- إما إنجازٌ خلال أيامٍ للاتفاق الثنائي ولكن بتوقيعٍ أحادي الجانب لكل من طرفيْه على المحضر أو الرسالة قبل الإيداع في الأمم المتحدة، فيُطوى نزاعٌ بحري كادت تتحوّل معه مكامن النفط والغاز الدفينة حقول ألغام موصولة بفتائل المنطقة، وذلك بعد أن يكون «هزّ العصا» الإسرائيلي التهويلي الذي مورس في الأيام الأخيرة بوجه بيروت وملاحظاتها فَعَل فعله على الداخل الإسرائيلي وعدّل الموازين الانتخابية مع بنيامين نتنياهو، خصوصاً إذا تم اعتماد صياغات حمّالة أوجه - تنال قبولَ لبنان ولا تُغْضِب إسرائيل - لنقطتين أساسيتين في هذه الملاحظات تتعلّقان برفض (بيروت) الاعتراف بخط الطفافات (الإسرائيلي) كحدودٍ بحرية، أو التسليم بتحكُّم تل أبيب بقرار منْح الأذونات للتنقيب في الجزء من حقل قانا الذي يقع جنوب الخط 23.

• وإما تحويل الجولة الأخيرة من المفاوضات وتفاهماتها بمثابة توقيع بالأحرف الأولى يكتمل نصابه بعد الانتخابات الإسرائيلية، فيكون يائير لابيد انحنى أمام العاصفة التي أحْدثها نتنياهو في ما خص شروط الترسيم، لتصبح مزايداته أشبه بـ«زوبعة في فنجان»، وإلا أتاحتْ له موجة الاعتراض فوزاً ثميناً لن يأتي إلا على حساب الاتفاق البحري ولمصلحة «إغراقه».

وكرّر الرئيس اللبناني ميشال عون، أمس، تفاؤله بإمكان التوصل إلى اتفاق قريباً، إذ أمل «في إنجاز كل الترتيبات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية خلال الأيام القليلة المقبلة بعدما قطعت المفاوضات غير المباشرة التي يتولاها الوسيط الأميركي شوطاً متقدماً، وتقلصت الفجوات التي تم التفاوض في شأنها خلال الأسبوع الماضي»، معتبراً «أن الوصول إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية يعني انطلاق عملية التنقيب عن النفط والغاز في الحقول اللبنانية الواقعة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة، الأمر الذي سيحقق بداية دفع جديد لعملية النهوض الاقتصادي».

وكان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية أعلن الأحد أن عون «تلقى اتصالاً من هوكشتاين أطلعه خلاله على نتائج الجولات الأخيرة للاتصالات مع الجانب اللبناني من جهة، والجانب الإسرائيلي من جهة أخرى، والتي تم خلالها درس الملاحظات المقدَّمة من الطرفين. وأوضح الوسيط الأميركي أن جولات النقاش خُتمت وتم تحديد الملاحظات التي سيرسلها هوكشتاين خلال الساعات المقبلة في نسخة تتضمن الصيغة النهائية للاقتراح المتعلق بترسيم الحدود البحرية الجنوبية».

وبحسب البيان، شكر هوكشتاين الرئيس عون وفريق عمله «على الإدارة الحكيمة لملف المفاوضات والطريقة التي تم فيها التعاطي مع النقاط التي كانت موضع بحث، ما سهل استكمال التفاوض من خلال عمل مرهق في الأيام الماضية»، و«سيدرس الجانب اللبناني الصيغة النهائية بشكل دقيق تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب».

وفي موازاة ذلك، وإذ نقلت وكالة «الأناضول» عن مسؤول لبناني رفيع المستوى، أن «بيروت لم تتسلّم بعد الصيغة النهائية للرد الأميركي حول مقترح اتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل»، مؤكداً أن «النقاشات حول الموضوع باتت شبه منتهية، والأمر لا يتعدى البحث في بعض المفردات الواردة في الصيغة، وقد وصلنا إلى مفردات قليلة يجري الآن توحيدها وإنجازها إذا لم تحصل مفاجأة غير سارة في اللحظة الأخيرة»، قال ناطق باسم الخارجية الأميركية في تصريح لـ «العربية» إن هوكشتاين «على اتصال مع كل الأطراف ويعمل على حل الخلافات العالقة في ما المفاوضات في فصولها الأخيرة»، مضيفاً: «ملتزمون بالتوصل إلى حل ونعتقد أن اتفاقاً مستداماً أمر ممكن وبمتناول اليد».

ولم يحجب هذا الملف الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي عشية جلسة انتخاب ثانية حدد موعدَها رئيس البرلمان نبيه بري بعد غد، واستدعت رغم توقعات بإمكان عدم توافر نصاب التئامها (الثلثان أي 86 نائباً من 128 يتألف منهم البرلمان) اتصالاتٍ داخل الكتل وبين التكتلات أو الائتلافات النيابية.

وإذ تتمحور هذه الاتصالات حول محاولةٍ لتوسيع التفاهمات أو ردم الهوات وكلاهما مازالا حتى الساعة داخل «البيت الواحد» على ضفتي الموالاة (حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما) والمعارضة، فإن الكواليسَ الرئاسيةَ تشهد مساعي خفية لتسويق شخصيةٍ يُستفاد من كونها مدعومة فرنسياً (وتحمل الجنسية الفرنسية) ونقطة تَقاطُعٍ مع النواب التغييريين الـ 13 الذين يتمايزون عن أحزاب المعارضة ويرفضون السير بترشيح النائب ميشال معوض (يطرحون أسماء زياد بارود وناصيف حتي وصلاح حنين)، وذلك بناءً على «اتفاق ترسيم سياسي» بين هذه الشخصية ورئيس «التيار الحر» جبران باسيل الذي يعتبر نفسه ممراً إلزامياً لأي رئيسٍ غيره، ينال بموجبه الأخير ضماناتٍ تتصل بحجمه ودوره في العهد الجديد.

ورغم أن ترجمة هذا السيناريوهات تبقى دونها تعقيداتٌ تتصل بمدى القدرة على اجتذاب 86 نائباً يؤمّنون نصابَ جلسةِ انتخاب «فعلية»، وإقناع أطراف وازنة به وبـ «ملحقاته السرية»، وسط انطباعٍ بأن حزب الله قد لا يمانعه ما دامت الشخصية المعنية (وزير سابق) ليست ضدّه ولا تشكل استفزازاً له، فإن تحمية المسار الرئاسي «خلف الجدران» تترافق مع تسليمٍ ضمني بأن باب تأليف حكومة جديدة قبل انتهاء ولاية عون في 31 الجاري بات شبه مقفل، ما يشي بتبدُّل استراتيجية فريق عون الذي كان يؤخذ عليه أنه يسعى لاستثمار الشغور الرئاسي الآتي للدفع نحو حكومةٍ رئاسية بشروطه وله الكلمة الفصل فيها، فإذ به يحاول استعمال «الفراغ الحكومي» لمحاولة استيلاد رئيس بمواصفاته وبـ «deal» معه يفرضه على الآخَرين وربما ضمن المهلة الدستورية.

ولم يكن عابراً أمس تظهير موقع «لبنان 24» (المحسوب على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي) قراءةً لكلام عون قبل أيام عن أن «الأولوية المطلقة يجب أن تكون راهناً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لأن وجود الرئيس أساسي لتشكيل حكومة جديدة وليس العكس»، بوصفه «إشارة بالغة الدقة على دخول الملف الحكومي في دائرة الجمود».

وكشف الموقع أن موقف عون «جاء في أعقاب سلسلة اتصالات ولقاءات رفض خلالها الرئيس ميقاتي ما طرحه باسيل، مدعوماً من رئيس الجمهورية»، من مطالب وشروط أبرزها تغيير كل«وزراء التيار»(في حكومة تصريف الأعمال الحالية) للاتيان بوزراء«يحلبون صافي»، وفق ما جاء حرفياً على لسان باسيل خلال جمْعه«وزراء التيار»في اللقلوق وإبلاغهم أنه«سيغيرهم جميعاً لأن ميقاتي بلعهم».

وكشف الموقع أن محاولة جرت خلال اجتماع الرؤساء عون وبري وميقاتي في بعبدا الأسبوع الماضي لتمرير التشكيلة الحكومية«لكنها قوبلت بإصرار عون على التغيير الشامل والشروط السابقة، فتوقف البحث».

وتوقف الموقع عند«عودة التسريبات على خط بعض المحيطين برئيس الجمهورية عن الاتجاه إلى سحب التكليف أو تسليم الجيش إدارة المرحلة (الشغور الرئاسي)»، ليشير إلى«أن الاتصالات الحكومية باردة بين القصر الجمهوري والسرايا الحكومية، بعدما قدم رئيس الحكومة كل التسهيلات، ولكنه كان يواجه في كل لقاء بمطالب جديدة، توحي بأن المطلوب هو شل العمل الحكومي بالكامل في حال حصل شغور رئاسي، أو إدارة باسيل الحكومة مواربةً والإمساك بها، سواء بالعرقلة أو التسويات، والأمران مرفوضان لدى رئيس الحكومة، فيما يبقى الدستور هو الحكم الفاصل في هذا الملف».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي