مهما شطح بنا الخيال واستغرق بنا التصور وغصنا في اعماق التفكير والتأمل فلن نستطيع ان نتصور حجم ما حدث لهايتي قبل ثلاثة ايام، فهذا البلد الذي يقبع في منطقة تضم اغنى القارات والدول والذي من المفترض ان يتمتع بحماية اميركية خاصة بسبب اهميته للولايات المتحدة، لكنه في الواقع قد سبق جميع دول القارة السمراء (افريقيا) في لون بشرة شعبه وفي فقره المدقع وفي توالي الانقلابات والاضطرابات السياسية عليه دون توقف.
أما اليوم فإن ما حدث لهايتي فهي ارادة إلهية لا دخل للبشر بها وهي كارثة تضع جميع الكوارث الاخرى تحت ابطها (إذا صح لنا التعبير)، فهو زلزال مدمر لم يترك بيتا الا وهدمه ولا عائلة الا واوقع فيها ضحايا ولا شيئاً ينبض بالحياة الا وأسكته.
من يصدق بان اكثر من مئة الف انسان يفنون في ثوان معدودات، وآلاف الابنية التي عمّرها الناس في عشرات السنين تتساوى مع الارض في اقل من دقيقة، بل ان رؤيتنا لبعض آثار الدمار لتجعلنا نشعر بالخوف والرهبة، فبعد مرور اكثر من ثلاثة ايام على الزلزال فإن آلاف الجثث الملقاة على قارعة الطريق والناس مشغولون عن دفنها لان مصاب الاحياء اكبر من مصاب الاموات، فلا غذاء ولا مأوى ولا دواء ولا ماء، وكأنما الحياة قد توقفت فجأة!!
اين ذهب هؤلاء الذين يدّعون بأنهم قد سيطروا على زمام الامور في الكون وسخروا الطبيعة لخدمتهم؟! أين ذهبت اجهزة رصد الزلازل والتنبؤ بما سيحدث في الارض؟! بل كيف عجزت دول العالم المتقدم عن ان تصل إلى تلك البلاد المنكوبة بالمساعدات إلى ان فني من تحت الانقاض وكابد الناجون اشد العذاب؟!
انها قصة الحياة العجيبة وقصة الانسان على هذا الكوكب العجيب، لكننا نؤمن بقضاء الله وقدره ونتمنى الاستفادة من الدروس الكثيرة والعبر، ونعلم بان الزيادة المضطردة في الزلازل خلال السنوات الماضية والمقبلة هي مما أخبر به الصادق المصدوق بقوله: «لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتكثر الفتن، ويكثر الهرج (وهو القتل القتل)، حتى يكثر فيكم المال فيفيض». رواه البخاري
وجميع ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدث ورأيناه رأي العين.
***
أتمنى أن تبادر الكويت إلى زيادة مساعداتها إلى الدول المنكوبة اكثر مما تعطيه الآن، وان تخصص فرقا خاصة للاغاثة لديها جميع التجهيزات والمعدات اللازمة، فهذا هو المقياس الحقيقي للحضارة والرقي.
د. وائل الحساوي
[email protected]