قيم ومبادئ

دين الدولة الإسلام والديموقراطية؟

تصغير
تكبير

الانفتاحُ على الثقافات والخبرات الإنسانية إذا أحسنّا بها الظن فإن البعض يحاول تمييع الإسلام وإزالته عن أصالته النابعة عن كونه نظاماً ربانياً لا يمتزج بغيره من الأنظمة الوضعية ليصبح مكوّناً ثالثاً!

إنّ الذين يحملون لواء هذا الشعار يقعون - بوعي أو بلا وعي - تحت تأثير الانهزام النفسي أمام طوفان النظم الغربية المادية... فتجدهم يضعون لأنفسهم المبرّرات لتحسين صورة الإسلام، فيقتبسون من هذه النظم ما يرونه صالحاً في نظرهم، وغير متعارض مع أهدافهم، وكأنهم في دخيلة أنفسم يشكّكون في مدى صلاحية النظام الإسلامي بذاته... بذريعة أن الوحي نزل ليخاطب بيئة صحراوية ومجتمعاً قبلياً انتهى بانتهاء ذلك الزمان!

هذه الشبهة انطلت على معظم لجان وضع الدساتير العربية في وقت من الأوقات، خصوصاً مع تزعّم فرنسا وإنكلترا لبرامج الاقتباس من الفقه الإسلامي، كما فعل نابليون بترجمة فقه الإمام مالك إلى الفرنسية، وإنكلترا حيث استفادوا من الفقه المالكي ما يُعرف بـ«شهادة اللفيف» وهم مجموعة من أشراف الناس يتم التحاكم إليهم قبل اللجوء إلى القضاء العام، فكانت هذه النواة التي استفادت منها أميركا وفرنسا وإنكلترا لإنشاء هيئة المحلفين الدوليين!

إنّ الترغيب في الإسلام أمر مطلوب في الدعوة إلى الله تعالى، لكن دون تمييع لحقيقة دعوة التوحيد، ولا حقيقة الاستسلام لله تعالى ظاهراً وباطناً ولا بإدخال ما ليس منه فيه!

وإن تأليف قلوب العالم الخارجي لا يكون بالمداهنة لهذه النظم الجاهلية البعيدة عن الوحي الإلهي، وإذا أردنا تعاطف العالم، فيجب علينا عرض الإسلام الصحيح الصافي كما أنزله الله تعالى، نظاماً شاملاً متكاملاً كاملاً في ذاته، لا يحتاج إلى الترقيع من الشرق والغرب خصوصاً من الأنظمة الشاردة عن الإنسانية بمعناها الإنساني وليس السياسي أو الاقتصادي النفعي!

حقاً، هناك بعض التشابه بين النظم الاشتراكية والرأسمالية، وبين الإسلام الصحيح، لكن الأولى وحتى من الوجهة العلمية الأكاديمية البحتة أن يُقال إن بعض هذه النظم البشرية يقترب من الإسلام أو يتلاقى معه في بعض النقاط، لا أن يُقال العكس، وكأن هذه النظم هي الأصل وهي السابقة، أما الإسلام فمحمول عليها أو آخذ منها!

كما أن الأمانة العلمية تقتضي أن نقول عن هذا التشابه الظاهري بين هذه الأنظمة البشرية وبين دين الإسلام فلا يجوز أن ننسى الفارق الهائل بين صراط الذين أنعمَ الله عليهم، وصراط الضالين والمغضوب عليهم من رب العالمين ففي دين الإسلام المعبود هو الله وحده، والمشرّع هو الله، والسيد المالك للكون هو الله، الذي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.

أما في الأنظمة الأخرى، فالمعبود هو آلهة أخرى مع الله، أو من دونه! والمشرع هو البرلمان الأوروبي والأميركي والروسي، مع كل ما في البشر من خضوع لنوازع الظلم والعدوان والهوى والشهوات وقصور عن العلم الشامل... وتالياً تتحقق إنسانية الإنسان كاملة حين يكون المعبود هو الإله الحق، وينتقض من هذه الإنسانية حين يكون المعبود آلهة أخرى اسمها الزعيم الثوري أو الديكتاتور أو القومية أو المذهب أو الدولار والدينار!

حين يكون بعض الناس بطريق التشريع عبيداً لبعضهم البعض، فلا يتحقّق العدل الشامل حين يكون المشرّع هو البشر ويظل جانب من الظلم قائماً على الدوام.

يحاول البشر تعديله فيعدلونه بظُلم متجدّد على الدوام، وحينما نقدم حلولاً عملية لمشاكل الغرب الأخلاقية لن يلتفتوا إلينا ولن يستمعوا لنا، لأن الغرب غير مسلم! والحاجز الصليبي الذي يفصله عن الإسلام أعلى بكثير واكثف بالظلمات من أن يجعله يُبصرنا أو يسمع هتافاتنا له، بأننا نملك حلولاً عملية لمشاكله أفضل مما لديه من حلول، وإنما يسلم مَنْ يسلم، منهم لإحساسه بجوع الروح أو بمخالطته لمجتمع مسلم حقيقي... لا من أجل حلولنا العملية!

إن نظم الديموقراطية الباطلة لها دول قائمة، بالفعل ولها قوة وسلطان، أما الاسلام حتى وإن اقتنع به الإسلاميون بأنه الأفضل فليس له دولة ذات قوة وسطوة وسلطان على العالم كله، لذلك فإن من يتفرج على النظم البرلمانية سيجد أمامه بضاعة مُزجاة في الدكان الديموقراطي، وبضاعة مثلها في الدكان القومي والعروبي والاشتراكي، ولكنه بالنسبة للإسلام سيسمع نداء على بضاعة لم توجد بعد، وان قال له عارضها إنها الأفضل من هذه البضاعة وتلك المعروضة في سوق النخاسة حيث تُعرض السلع!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي