اجتماعان رئاسي وتقني وصوغٌ لآخِر الملاحظات في الطريق إلى «بروتوكول الناقورة»

لبنان «المُطْمَئنّ» لإنجاز الترسيم بشروطه يطارد «الشياطين الصغيرة»

لقاء بعبدا الرئاسي تناول الاتفاق المحتمل للترسيم البحري مع إسرائيل (أ ف ب)
لقاء بعبدا الرئاسي تناول الاتفاق المحتمل للترسيم البحري مع إسرائيل (أ ف ب)
تصغير
تكبير

- بري متفائل «قمحة ونص» وميقاتي «الأمور على الطريق الصحيح»
- بوصعب: الردّ الرسمي النهائي للبنان في ضوء جواب الفريق الآخَر عبر هوكشتاين على ملاحظاتنا

... بيروت، تل أبيب، باريس، واشنطن. مربّعٌ تكثّفت داخله الاتصالات في ما يُفترض أنه الأمتار الأخيرة من المفاوضات المُضْنِية حول النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل والتي يُنتظر أن ترسو على ما يشبه «1701 بحري» يتّخذ شكلَ ما هو أقلّ من اتفاقية ومعاهدة تربط طرفيْن وأكثر من تَوافُقٍ مُرفَقٍ بتعهدات وضمانات أميركية - أممية - فرنسية حيال «حُسن التنفيذ».

وفيما كانت إسرائيل تطلّ على المقترَح الأميركي حيال الترسيم البحري مرتبكةً بانقساماتها السياسية وبتشققاتٍ طالت فريقها التفاوضي، بدا لبنان مرتاحاً لوضعيّته في مفاوضاتٍ حقّق فيها نظرياً كل مطالبه وأكثر عبر الخط 23 + جيْبٍ جنوبه لضمان كامل حقل قانا و«حجْز» حقوقه في امتداداته التي تصل الى البلوك 72 الإسرائيلي، ومن دون أي اقتطاعاتٍ من بلوكاته الجنوبية 8 و 9 و10.

وبينما بدت تل أبيب مُرْبَكة وسط إشاراتٍ إلى محاولةِ إشراك الكنيست في «إبرامِ» الموافقة النهائية على حلٍّ وكأنها تفتّش عن «إبرة» إنجازٍ فيه بين «كومة» تراجعاتٍ أمام بيروت ومن خلْفها «حزب الله»، كان لبنان يوحّد ملاحظاته على المقترَح الأميركي في ضوء خلاصاتِ اجتماعين عُقدا أمس، واحد تقني وثانٍ سياسي على مستوى رئاسي أطلق مسار صوغ هذه الملاحظات التي وُصفت بـ «الشياطين الصغيرة التي لا تنسف الاتفاق»، على أن تُسلَّم اليوم كحد أقصى إلى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لتعديل الطرْح على أساسها وعرْضه على الجانب الإسرائيلي سريعاً ليبْني بعدها لبنان على الردّ جوابَه الرسمي النهائي.

وإذ كانت إسرائيل تظهّر بمواقف وتسريباتٍ نقاطاً تعتبر أنها انتزعتْها من فم المفاوضات مثل الكلام عن الاحتفاظ بـ «خط أمني» هو عبارة عن «خطّ الطفافات» (أي الاحتفاظ بالخط 1 على طول 5 كيلومترات لينحرف بعدها جنوباً باتجاه الخط 23) الذي يكرسّ لها ما يشبه «الجدار البحري» الذي يحجب الرؤية عن كامل خليج عكا حيث حقل «كاريش» وأخواته، وتمويه التنازل عن السيادة على الأجزاء من حقل «قانا» جنوب الخط 23 والتركيز على تعويض شركة «توتال» الجانب الاسرائيلي من أرباحها لقاء المخزون المحتمل الذي بات «من حق لبنان»، فإن بيروت كانت مُطْمئنّة إلى المسار الذي يسلكه هذا الملف مشيرة إلى أن كل المطالب اللبنانية تأمّنت في العرض الأميركي، وموحيةً بأن الملاحظات «الأساسية، والعادية، والبسيطة» التي وُضعت يمكن أن تُسجَّل في النهاية على محضر الاتفاق على طريقة «مع التحفّظ».

وبدا واضحاً من الاستعجال «المشترَك» اللبناني - الاسرائيلي لقفْل هذا الملف خلال أكتوبر الجاري، أن العوامل الضاغطة المتقاطعة ستشكل قوة الدفع في اتجاه إيصال المفاوضات الى شاطئ الأمان، ما لم يعلق في الدقائق الخمس الأخيرة في شِباك التعقيدات الاسرائيلية... من الانهيار الشامل في «بلاد الأرز» التي باتت تبحث عن «قرش أبيض» لم تعد تجده إلا في الذهب الأسود ولو على طريقة «شراء السمك في البحر»، وسط مباركة لهذا المسار من «حزب الله» الباحث عن «تنفيسة» للواقع اللبناني الذي يوشك على الانفجار الكبير، مروراً باسرائيل المستعجلة أن «تشْبك» دوراً دولياً عبر تشكيل «طوق نجاةٍ» ولو بالحدّ الأدنى لأوروبا التي تخشى «خنْقها بالغاز» الشحيح، وصولاً إلى الولايات المتحدة الراغبة في تقوية الجبهة وقفْل ما أمكن من دفرسوارات يمكن أن تشكل «اوكسيجيناً» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربٍ بدأت على أوكرانيا وباتت على ما بعد بعد أوكرانيا.

وفور إنجاز الاتفاق الذي سيولَد في الناقورة وفي شكلٍ منفصل، حيث يوقّع لبنان منفرداً على ما قد يكون محضراً أو رسالة بمضامين التفاهم على أن يُختم أيضاً بإمضاء أميركي وأممي، والأمر نفسه يفعله الجانب الاسرائيلي قبل الإيداع في الأمم المتحدة، لن يكون ممكناً فصل هذا الاختراق الإيجابي عن المسرح السياسي والديبلوماسي الاقليمي - الدولي الذي تقف عليه إيران أيضاً بقوةٍ، وإن كان تنفيذُ الاتفاق مسألةً وإشكالية أخرى انطلاقاً من التنصّل المبكر لبنيامين نتانياهو منه بحال فوزه في الانتخابات التشريعية مع ما قد يرتّبه ذلك من تداعياتٍ سياسية وميدانية، وهو ما ظَهَر أن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله تَحَسَّبَ له في إطلالته الأخيرة حين بدا وكأنه «أنجز ما عليه» بمفاخرته بانتزاع مقترح خطي أميركي يضم حقوق لبنان وأمِل أن يفضي إلى نتيجة إيجابية، تاركاً للدولة إدارة الملف في مرحلته اللاحقة.

وكان لبنان شهد قبيل الاجتماعيْن التقني والرئاسي تبلُّغ الرئيس ميشال عون من السفيرة الفرنسية آن غريو الجهوزية الفورية لشركة «توتال» لبدء التنقيب في البلوكين 4 و 9 فور إنهاء اتفاق الترسيم، وهو الجانب الذي شكل «متمّماً» أساسياً كان اشترطه لبنان لإنجاز «بروتوكول الناقورة»، وذلك فيما كان الجانب الاسرائيلي يكمل في باريس حلقة الضمانات بأن تعوّضه «توتال» من أرباحها ما سيؤول إلى لبنان من عائدات حقل قانا.

وخلال استقباله غريو التي رافقت مديرة أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية ANNA GUEGUEN خلال زيارتها قصر بعبدا، أكد عون انه «بالنسبة الى موضوع المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، فإن لبنان سيحدد موقفه من مضمون العرض الخطي الذي قدمه هوكشتاين والذي تضمن نصوصاً قيد الدرس اليوم بالتشاور مع رئيسي مجلس النواب والحكومة وفي ضوء ملاحظات اللجنة الفنية المشكلة لهذه الغاية»، مؤكداً انه لن تكون هناك اي شراكة مع الجانب الإسرائيلي.

وبعد الاجتماع الرئاسي تعزّزت الإيجابية اللبناني حيال العرض الأميركي وهو ما عبّر عنه الرئيس نبيه بري حين سئل «قمحة أو شعيرة؟» بقوله «قمحة ونص»، قبل أن يعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من على منبر القصر الجمهوري بإعلانه «ان الأمور مُتجهة على الطريق الصحيح»، مشدداً على أن «موقف الجميع في لبنان موحّد في شأن هذا الاتفاق وذلك من أجل مصلحة البلد»، وكاشفاً «كانت لي وللرئيس بري بعض الملاحظات، واللجنة التقنية أخذت بها كاملة، وسيكون لنا رد سيُرسل إلى الوسيط الأميركي ضمن هذا السياق كاملاً، وأودّ التأكيد أن كافة المسلّمات والأمور الأساسية تامة ضمن الاتفاق».

أما نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب (المكلف من عون بملف الترسيم) فرفض الإفصاح عن جوهر الملاحظات التي سيقدّمها لبنان ولا عن أي نقاط واردة في المقترح الأميركي، مؤكداً «أن موقف لبنان موحّد تجاة الامور في ملف ترسيم الحدود البحرية»، وآملاً في أن يصل الرد اللبناني على مقترح هوكشتاين اليوم على أبعد حد «وذلك بعد جمع كافة الملاحظات من الفريق التقني اللبناني».

وأوضح أنه لا يمكن أن يأخذ أي طرف في المفاوضات كامل حقوقه من دون التنازل للطرف الآخر، مشددا على أن لبنان حصل على كامل حقوقه في حقل قانا ومن دون إعطاء المزيد من التفاصيل.

وطمأن إلى «أن الشياطين التي تكمن في التفاصيل باتت صغيرة جداً»، مؤكداً «أن الأمور سريعة» ومن الممكن توقيع الاتفاق الاسرائيلي خلال أيام، وموضحاً أن الردّ اللبناني سيعرضه هوكشتاين «على الفريق الآخَر، والعمل متواصل ليل نهار بيننا وبين الوسيط الأميركي ونتأمل أن يصل لنا الجواب بحلول آخر الاسبوع، وعندها يتبين إن كان سلبياً أو ايجابياً».

وشدد على أنّ «جوابنا اليوم ليس نهائياً بل هو ردّ على طرح هوكشتاين، والموقف الرسمي النهائي سيكون بعد الحصول على الأجوبة على ملاحظاتنا».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي