No Script

الاستحواذات المصرفية حفّزت «الجهاز» لوضع إصبعه بالقانون على بيانات محظورة

البنوك تخشى الوقوع في شَرك كشف السريّة المصرفية... بسيف «المنافسة»

تصغير
تكبير

- «المركزي» طالب وزير «التجارة» بتعديل القانون لتفادي التداخل
- تحركات لحلحلة «شرباكة» اختصاص «المركزي» الأصيل ومسؤوليات الجهاز
- الخلاف المصرفي الرقابي أبرزَ تناقضاً قانونياً يحتاج إلى إعادة نظر
- الجهاز أكد أن البيانات المصرفية بغرض الدراسة وأمنها مسؤوليته
- تنظيم التداخل في اللائحة لم يكن جائزاً لأنه يلغي إجراءً موجوداً بالقانون
- تجربة «المركزي» و«هيئة الأسواق» رقابياً تشجّع «المنافسة» على تكرارها
- قانون الجهاز لا يستثني المصارف من الخضوع لسُلطته وصلاحياته الكاشفة

يحضّر مسؤولو البنوك المحلية هذه الأيام، لينقلوا إلى بنك الكويت المركزي مخاوفهم من احتمالية انكشافهم على مخاطر تجاوز تعليمات السرية المصرفية، بعد أن وجدوا أنفسهم مضطرين قانوناً للإفصاح لجهاز حماية المنافسة، عن بيانات تصنف عادة على أنها سرية للغاية.

ففي حين تؤكد بعض المواد الواردة في قانون «حماية المنافسة» عدم استثناء البنوك من الخضوع لرقابة وشروط الجهاز ومتطلباته، تشير مواد أخرى في قانون «المركزي» إلى أن البنوك لا تخضع للبنود التي قد تكشف معها سرية مصرفية، ما أبرز تناقضاً قانونياً يحتاج إلى إعادة نظر رقابية في بحثه.

وفيما تأمل البنوك من ناظمها الرقابي أن يوفر لها ضمانات، أو مسارات حمائية من وقوعها في شَرك إفشاء السرية المصرفية، يعلم مسؤولوها جيداً أن قانون البنك المركزي ولائحته التنفيذية يفرضان عليهم تقييد هذه البيانات، وعدم الكشف عنها لأي جهة، باستثناء الصادر بحقها أمر قضائي، أو بتوجيه من النائب العام، وهو ما تتبعه بنوك الكويت حرفياً منذ تأسيسها.

حدود السرية

إلا أنه يبدو أن شيئاً ما تغير رقابياً خلال الفترة الماضية، خصوصاً بعد توسع حركة «حماية المنافسة» لجهة الصلاحية الكاشفة للبيانات بمختلف القطاعات رقابياً وتنظيمياً، حيث طلب مسؤولوه أخيراً من تنفيذيي المصارف تزويد الجهاز بمعلومات تفصيلية، تنطبق عليها حدود السرية المقررة، ما وضع البنوك بين رحى قانوني «المركزي» و«حماية المنافسة»، ومن هنا يشتعل النقاش:

القصة بدأت منذ أن تقدم مسؤولو بيت التمويل الكويتي (بيتك) إلى «حماية المنافسة» بطلب للموافقة على استحواذ البنك على 100 في المئة من أسهم رأسمال البنك الأهلي المتحد، عن طريق تبادل الأسهم.

وكما يجري التقليد الإجرائي والقانوني لدى الجهاز بدأ موظفوه المعنيون بعملية تجميع البيانات، لدراسة الأوزان المصرفية التنافسية التي يمكن أن تنشأ من هذا التحالف مستقبلاً للتأكد من عدم وجود تركز مصرفي مضر قد يترتب من إقرار الصفقة.

بيانات دقيقة

وأثناء ذلك تمت مخاطبة مسؤولي البنوك لتزويد الجهاز بجميع البيانات المتعلقة بكفاية رأسمال كل مصرف، وحجم ودائعه، وقروضه، وحصصه السوقية، وغيرها من البيانات التي لا يُكشف عنها تفصيلاً، لتعارض ذلك مع تعليمات السرية المصرفية، علماً بأن «حماية المنافسة» لا يكتفي بمصدر واحد لاستقاء المعلومات التي يكوّنها، بل يعتمد على أكثر من مصدر.

ومصرفياً، لم تُفلح جميع النقاشات التي فتحها تنفيذيو البنوك ومسؤولوها مع إداراتهم القانونية، سواء بشكل منفصل أو مجمع، في تهدئة المخاوف من إمكانية أن يقود الكشف عن المعلومات المطلوبة من «حماية المنافسة» إلى مخالفة تعليمات كشف السرية المصرفية.

زيادة المخاوف

ولعل ما زاد الحيرة المصرفية بهذا الشأن أن طلب الإفادة قادم من ناظم رقابي غير معتاد أن يكون له هذا النفوذ القوي والواسع على البنوك، كما أنه بدا واضحاً أن الجهاز لا يكتفي بالمعلومات المتوافرة في ميزانيات البنوك، أو المنشورة على مواقعها، أو حتى على موقع البورصة، بل يذهب إلى العمق، بطلب تفاصيل إضافية، مسكوت عنها حكماً، ومن ثم تزداد المخاوف مصرفياً من أن يؤدي الكشف عنها إلى مخالفتها لمحددات الحفاظ على سرية بياناتها.

وإلى ذلك، أكد مسؤولو «حماية المنافسة» أن قاعدة البيانات التي يطلبونها من البنوك تندرج قانوناً تحت اختصاصهم، وسلطتهم الرقابية، وأن عدم توفيرها بناء على ما يطلبه الجهاز من تفاصيل، يعرّض البنك الممتنع للوقوع في المخالفة قانوناً، ومن ثم التعرض للعقوبة.

وبينوا أن الجهاز سيكون معنياً بأمن الإبقاء على سرية البيانات المصرفية المقدمة من قبل البنوك، ومسؤولاً عن التعامل معها في حدوده الرقابية، ما يُضعف المخاوف المصرفية من مخاطر الكشف عنها.

معارضة التعليمات

ومن زاوية أخرى، لفت مسؤولو الجهاز إلى أن تعليمات «حماية المنافسة» للبنوك ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺪﻳﻠﺔ عما أﺻﺪره البنك المركزي ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻴﻤﺎت بخصوص السرية المصرفية، بل مقرّرة بقانون حدد اختصاصات الجهاز وحدوده الرقابية، التي لم تستثنِ البنوك من الخضوع لتعليماته، مبينين أنه لا يجوز التصدي لها مصرفياً أو معارضتها تحت ذريعة السرية.

وفي الطريق الرقابي الذي مُدّ حديثاً بين البنوك و«حماية المنافسة» ويبدو أنه معقّد قانونياً، لا يقف «المركزي» موقف المتفرج، أو الذي ينتظر خطاب المصارف بخصوص «الشرباكة» القانونية الواقعة فيها بين متطلبات «حماية المنافسة» ومحاذيره ليقرّر التحرك أو ماذا يفعل.

وفي هذا الخصوص، عُلم أن «المركزي» سبق وأن خاطب «حماية المنافسة» من أجل التنسيق على إعداد مذكرة تفاهم تساعد في تفادي التداخل بين الناظمين الرقابيين، مثلما سبق ونجح في فعله مع هيئة أسواق المال، حيث تم تنظيم الأعمال الرقابية بين الجهتين إلى الحدود التي ساعدتهما في أن يكونا مكمّلين لبعضهما، وليسا طرفين مقابلين رقابياً لبعضهما البعض.

تشكيل جديد

فضلاً على ذلك، كشفت المصادر أن «المركزي» خاطب وزير التجارة والصناعة وزير الشؤون الاجتماعية والتنمية المجتمعية فهد الشريعان، لتنظيم التداخل الحدودي، حيث تمت التوصية بإعادة العمل على إيجاد تفاهم رقابي رقابي أوسع في هذا الخصوص.

وألمح «المركزي» في خطاب وجهه إلى الشريعان إلى ضرورة تعديل قانون «المنافسة»، مبرّراً موقفه بتداخل بعض أحكام قانون الجهاز مع بعض مسؤوليات وسلطات «المركزي»، وفق أحكام القانون (32) لسنة 1968 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية وتعديلاته.

وأشار إلى أنه منذ صدور قانون «المنافسة» بادر «المركزي» لوضع آلية لمعالجة هذا التداخل، حيث خاطب وزير «التجارة» في وقت سابق لتوضيح وجهة نظره في هذا الأمر، كما عقد اجتماعاً مع مسؤولي جهاز المنافسة بمقره، لتحديد آلية لتنسيق الإجراءات، وتوزيع المسؤوليات، وفق أطر محددة وواضحة، ومن ثم تحديد النقاط المقترحة من جانب «المركزي»، لأخذها في الاعتبار عند إعداد اللائحة التنفيذية للقانون.

استقرار القطاع

ولفت «المركزي» إلى ضرورة تنظيم التداخل بين الاختصـاص الأصيل له في الرقابة على القطاع المصرفي، ومسؤوليات جهاز حماية المنافسة، وذلك من خلال إبرام مذكرة تفاهم بين الطرفين، بما لا يخل بالالتزامات القانونية لكلا الجهتين، وبما يضمن سلامة واستقرار القطاع المصرفي.

وإلى ذلك، لفتت مصادر حكومية إلى أن تحرك «المركزي» باتجاه تعديل القانون يؤكد أن الإشكالية بوجهة نظر البنوك مودعة في القانون، وليست عيباً في التطبيق.

وأوضحت المصادر أن تنظيم هذا التداخل في لائحة «المنافسة» بناء على طلب «المركزي» لم يكن جائزاً، لأن ذلك يعني إلغاء إجراء سيظل موجوداً في قانونه، الذي لا يستثني البنوك من رقابة الجهاز، مبينة أنه من أجل ذلك لم يتجاوب مسؤولو «المنافسة» مع مقترح «المركزي» وقتها.

وإلى أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة، وإعادة تشكيل مجلس جديد لـ«حماية المنافسة» بدلاً من الحالي المتوقع تغيير تركيبته الحالية، حسب التوجه الحكومي العام، يرجح أن يظل الخلاف المصرفي الرقابي، والرقابي الرقابي، على تحديد نفوذ «المركزي» و«حماية المنافسة» قانوناً، قائماً حتى إشعار آخر.

الجدال على سُلطة «المنافسة» مصرفياً ليس الأول

يبدو أن الجدال على حدود صلاحية «حماية المنافسة» على البنوك، ليس الأول، فقبل فترة قريبة بدا نقاش آخر أظهر وجود تداخل تنظيمي، بعد أن برزت للجهاز سلطة حتى على بعض التراخيص الجديدة التي تسعى البنوك للحصول عليها من «المركزي».

وفي هذا الخصوص، أفاد مسؤولو «حماية المنافسة» بأن أياً من الطلبات المصرفية المتقدمة لتأسيس بنك رقمي، وتحديداً المقدمة في صيغة تحالفات، لن تستطيع بدء أعمالها ما لم تحصل على موافقة «حماية المنافسة»، وإن كانت حاصلة على الترخيص من «المركزي».

وأوضحوا أن الإلزام الرقابي بهذا الشأن ينسحب على جميع حالات التحالفات، حتى المكوّنة بالقطاعات الناشئة، مثل البنوك الرقمية، ما دفع البنوك المهتمة بالحصول على ترخيص إلى تدارك الإجراء بتقديم طلب إلى «الجهاز»، رغم أن هذا الإجراء لم يكن مدرجاً بين تحركات المصارف لذلك.

وفيما تعتبر البنوك أن الحالة الأولى من التداخل تعد مقبولة مصرفياً باعتبارها مجرد إجراء غير سري، ترى أن الإفصاح عن بيانات مخفية قانوناً في دفاترها قد يعرّضها للمساءلة قانوناً.

إلا أنه يبدو أن مسؤولي الجهاز مصرّون على أن معرفة مثل هذه البيانات واجبة رقابياً، للتأكد من عدم ترتب تركز تنافسي مضرّ على السوق، مشيرين إلى أن قانون «حماية المنافسة» حدّد بوضوح المتطلبات الرقابية لحركات الاندماجات والاستحواذات، حيث أكد ضرورة دراسة «حماية المنافسة» لأثر التحالفات المتقدمة ما يتطلب البحث في جميع البيانات المتوافرة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي