No Script

أمـّا بعد...

«على هامان يا فرعون»

تصغير
تكبير

يُروى في كُتب الأساطير قصة المثل الشعبي المشهور «على فرعون يا هامان»، والذي يُضرب حين يدّعي شخصٌ أمراً ما وهو كذب وخداع، محاولاً خداع من يتحدث معه، فيُقال تأكيداً أن متلقي الكلام لم يصدقه، بل وواثق من كذبه.

أما أحداث مثل: «على هامان يا فرعون» فتدور في قديم الزمان، وتحديداً في عصر فرعون مصر، إذ قيلت تلك المقولة من وزيره هامان، حين مُنع من الدخول لمقابلة فرعون أكثر من مرة، وكان ذلك المنع سببه أن فرعون كان يدّعي الألوهية والعياذ بالله، ويتظاهر أمام الناس أنه هو الذي يخلق المخلوقات، فكان إذا أتاه بعض كبار رعيته؛ ليزوره احتجب عنه بحجة أنه مرة يخلق غنماً، ومرة يخلق إبلاً، ومرة أخرى يخلق بقراً، وهكذا، وكان هامان وزير فرعون، مطلعاً على جميع مداخله، ومخارجه وأسراره جميعاً، ويعرف أن كل ذلك كان مجرد ادعاء يدعيه لنفسه؛ ليخاف منه أبناء شعبه.

في أحد الأيام، جاء الوزير هامان وأراد الدخول إلى فرعون، فما كان من الحاجب إلا أن قام بمنعه، بحجة أن خلق الإبل يشغله! وفي اليوم الثاني قابل الوزير فرعون، فعاتبه على منعه من الدخول في الأمس، فقال له فرعون: كنت مشغولاً البارحة بخلق الإبل، فالتفت إليه هامان باستغراب واستهجان، قائلًا: على هامان يا فرعون! فصارت جملته مثلاً، تناقلته الأجيال، ويضرب ذلك المثل حينما يدّعي أحدهم أمراً، وهو يحاول خداع من يتحدث معه، فيقال هذا المثل تأكيداً أن المتلقي لم يصدقه، بل إنه واثق من كذبه.

وتطبيقاً على واقعنا السياسي والانتخابي اليوم نجد الفراعنة هنا وهناك، ولكل فرعونٍ «هامانهُ» الخاص به، فالأول يُدَجّل والثاني ينشُرُ ويُروّجُ دجل الأول. وقد وصل بهم الغُلوُّ بأنفسهم لتوزيع «صُكوكِ غفران سياسية» فمن رضي بهم رضوا عنه ومن خالفهم جعلوه أبو رغال عصره.

وأن من يراقب الصراعات السياسية في هذه الأجواء الانتخابية يجد أن هناك حالة استقطاب شديدة بين الفرقاء السياسيين، فتارة ترى أن الدين يُستغل لإذكاء الشرعية على الفجور في الخصومة، وتارة يُتذرّع بمحاربة الفساد لدحض مخالف سياسي لا عدوٍ فعليّ. وتارةً أخرى ترى التعصُّب (القبلي / الفئوي) وشق الوحدة الوطنية هو المخرج الوحيد لمتاهاتهم وتناقضاتهم. وكل هذا التلاعب بوعي الجماهير وفرض الوصاية العامة على الأفراد ومحاولة التحكم وتوجيه الرأي العام يجعل الخصومة داخل المجتمعات تبدو عميقة، ويجعلنا في المقابل شعوباً هشة قابلة للتقسيم. ولابد في مثل هذه الظروف أن تتربى الجماهير على التفكير الصحيح الذي يستلزم الانعتاق والتجرد من العادة والاتكال على تفكير الآخرين، وأن يغلب الناس المصلحة الكبرى على المصالح الشخصية الضيقة، وألّا نكون أسرى الخطابات الإعلامية المتحيّزة التي تُهيّج العاطفة ضدَّ أي طرف ٍمن الأطراف، بل يجب أن ينمي الأفراد ملكتهم على الفهم والوعي والثقافة وألّا يكونوا تبعاً لأحد، وأن ينحازوا للحق الذي لا يعرف بشهرة قائليه.

Twitter: @Fahad_aljabri

Email: Al-jbri@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي