No Script

الخبير الاقتصادي حدّد لـ «الراي» المعالجات الطارئة المطلوبة وعَرَضَ ضرورات «صندوق ضمان الودائع»

خليل الخوري: ينتظر لبنان السيناريو الفينزويلي ما دام هناك إهمال ونكران

خليل الخوري
خليل الخوري
تصغير
تكبير

- تمييز الخطة الإصلاحية بين فريش دولار و«اللولار» هرطقة وفضيحة استُعملت لإنقاذ الدولة من ديونها على حساب المودعين
- لإقرار موازنة مصفّرة دون أي عجز غير مبرر وزيادة ساعات الكهرباء والتعرفة وتفعيل الجباية
- المساعدات المطروحة من صندوق النقد غير كافية لكن الإفادة الحقيقية تأتي من تنفيذ الشروط المطلوبة
- للعمل على تثبيت سعر الليرة مقابل الدولار وتوحيد سعر الصرف عبر إنشاء هيئة النقد «Currency Board»
- القرار السياسي بإستمرار الدعم أدّى لتآكُل أكثر من ثلثي الإحتياطي الإلزامي بأقلّ من عامين ونصف من 32 مليار دولار إلى ما دون 10 مليارات
- رصيد الاحتياطي الإلزامي المتبقي لا يسمح وللأسف بدعم أي سلع غذائية أساسية ولا الدواء

يراوح لبنان في قعرٍ مالي - اقتصادي مفتوح يُخشى أن ينزلق معه إلى ارتطامٍ كبير في ضوء إما التباطؤ في المعالجات وإما تقديم حلول تفتقر إلى العلمية أو الإدارة السياسية.

فلبنان الذي يواجه واحدةً من أعتى ثلاث أزمات مالية - اقتصادية عرفها العالم منذ 1850، يتّجه بسبب القصور في إدارة هذه الأزمة والتعافي منها نحو السيناريو الفنزويلي وربما إلى ما هو أدهى.

الخبير الإقتصادي خليل الخوري يضع الأصبعَ على الجرح في مقاربة طبيعة المأزق التاريخي الذي يعانيه لبنان وأسبابه ويرسم خريطة طريق لكبْح جماح الإنهيار الشامل ولجْمه ووضْع البلاد على سكة حلول واقعية عبر إجراءات طارئة أو بعيدة المدى.

«الراي» وضعتْ على الطاولة مجمل المشهد الإقتصادي - المالي اللبناني وكوابيسه في حوار خاص مع الخبير الخوري تطرق إلى السبل الممكنة لإطلاق دينامية التعافي، وفي ما يأتي نص الحوار:

لم ينجح لبنان حتى الآن في توحيد الرؤية حول خطة التعافي بدليل المناقشات الجارية في البرلمان لمضمونها.

أي أفقٍ للخطة المعلَنة بخطوطها العريضة، وهل يمكن ان تشكل ملاذاً واقعياً لإخراج لبنان من أزمته المالية - الإقتصادية، وقاعدةً لإستكمال التفاوض مع صندوق النقد؟

الخطة الإصلاحية، كما هي مطروحة، لن تمرّ لأسباب عدة منها رفض صندوق النقد الدولي لعدم واقعيتها وشموليتها، كما عدم مراعاتها القوانين المرعية الإجراء، حيث أن المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها هذه الخطة تبدأ بالتمييز بين المودعين بحسب قيمة الوديعة وهو مفهوم خاطئ يتعارض مع مبادئ قانون النقد والتسليف ومفهوم الواجب الائتماني المنصوص عليه في هذا القانون كما القانون رقم 520/96 الناظم لأحكام العقود الائتمانية الذي يُمْلي على المصارف الحفاظ على حقوق كل المودعين دون إذعان وعدم التمييز بين فريش دولار وما يسمّى باللولار أو دولار ما قبل إحتجاجات 17 أكتوبر 2019، وهذه تُعتبر هرطقة وفضيحة إستُعملت لإنقاذ الدولة من ديونها على حساب المودعين. ناهيك عن تعاميم مصرف لبنان التي جذبت المودعين المجبَرين على تسييل ودائعهم بالدولار على أسعار بالليرة بعيدة جداً عن أسعار السوق بالإضافة إلى غض النظر عن تداول الشيكات وتسييلها على نِسب جداً متدنية من قيمتها ما أدّى إلى فرض واقعة الـ «Hair Cut» بطرق ملتوية بمساعدة المصارف.

الخاسر الأكبر إذا نُفّذت الخطة الإصلاحية كما هي مطروحة سيكون المودع. فالودائع بالمفهومين الإقتصادي والمالي تُعتبر أهمّ مصدر تمويلي وإستثماري للعجلة الإقتصادية، وضرب الودائع كما هو مطروح ضمن الخطة سيؤدي إلى نتائج كارثية.

أما في موضوع الشمولية فالأولويات كما هي مطروحة ضمن الخطة تشكل إبراءً لذمة الدولة والمصارف والمصرف المركزي على حساب الخاسر الأكبر، أي المودع، وليست إرساءَ مبادئ لنقلة نوعية من إقتصاد الريع إلى إقتصاد مُنْتِج. أضِف أنه لم تتم الموافقة أيضاً على خطة إعادة هيكلة قطاع الكهرباء ولا على آلية توحيد سعر الصرف وهي مطالب أساسية. لكل هذه الأسباب لا يمكن أن تمرّ الخطة كما هي مطروحة ولا أن تحظى أيضاً بموافقة صندوق النقد الدولي.

مَن بيدهم القرار السياسي في لبنان يتحدثون عن «الصندوق السيادي» كأداة إنقاذ، في حين تقترح صندوقاً للودائع... ألا يشكل الصندوق السيادي حلاً أكثر شمولية؟

يجب أولاً فهْم ماهية الصندوق السيادي وأسباب وجوده. الصندوق السيادي كما هو الحال في غالبية الدول النفطية وُجد للحفاظ واستثمار الإيرادات الناتجة عن الموارد الطبيعية غير المتجدّدة مثل النفط والغاز وهو بمثابة الحفاظ على حقوق إفادة الأجيال المقبلة من هذه العائدات. نعم الصندوق السيادي هو أحد أبرز عوامل الخلاص للإقتصاد اللبناني المتعثّر وذلك ضمن خطة إصلاحية إقتصادية ومالية واضحة الأهداف والمعالم غير الموجودة حالياً.

ويجب الفصل بين حقوق المودعين والصندوق السيادي. الطرح الحالي من السلطات السياسية لا يمتّ لمفاهيم إدارة الأصول أو الحفاظ على الثروات القومية بل يجعل من الصندوق ملاذاً لإطفاء ديون الدولة على حساب المودعين عبر آلية الـ «Hair Cut».

الصيغة المطروحة تؤمّن الصندوق على إدارة أملاك الدولة التي لا تنتج أي فائض بغية بيعها بهدف تغطية خسائر الدولة أولاً. أما تعويض المودعين فيأتي فيما بعد من فوائض الموازنة التي تقع في دوامة عجز مستمر منذ أكثر من عقدين دون تحميل المصارف أي عبء أو مسؤولية. ومن هنا أتى اقتراح صندوق ضمان الودائع الذي يُشْرِك الدولة والمصارف في عملية إعادة وضمان الودائع بأقل خسائر ممكنة، عبر جمْع أصول تلك الأطراف وخصوصاً المملوكة من المصارف بغية إدارتها وإستثمارها والتعويض على المودعين من خلال إيرادات هذا الصندوق دون المساس بإيرادات الصندوق السيادي التي يجب أن تُستثمر لتنفيذ وتمويل خطة النهوض الإقتصادي والمالي.

كلنا على علم بالفساد السياسي والإداري المستشري في البلاد، والفصل بين الأمرين (ضمان الودائع والصندوق السيادي) ضروري لإرساء الشفافية بعيداً عن السياسة والموازنة.

في إعتقادي ان إمكان الرقابة في مجلس النواب والمحاسبة عبر مجلس الوزراء لكيفية إدارة وإستثمار عائدات الغاز والنفط ضمن الصندوق السيادي عبر هيئة عامة للإستثمار مستقلة مكوّنة من مديري أصول مختصين هي من أهمّ الشروط التي ستؤمن نجاح الصندوق.

أما بالنسبة إلى صندوق ضمان الودائع المقترَح، فالموضوع والأهداف ومنهجية الإدارة مختلفة ويمكن إشراك أصحاب العلاقة أي المودعين، المصارف والمصرف المركزي في الإدارة بغية تحقيق الهدف المنشود وهو ضمان إعادة أكبر نسبة من الودائع عبر إدارة أو إستثمار أو تسييل أصول هذا الصندوق وربْط صريح لضمان الودائع بالإحتياطي الإلزامي. ومن الممكن أيضاً إشراك المودعين في رؤوس أموال المصارف أو ما يسمى بـ«Bail-in» ضمن آلية الصندوق.

أحد الأسباب الأساسية التي تعزز فكرة إنشاء صندوق ضمان الودائع لتثبيت حقوق المودعين هو أنه لم يربط قانون النقد والتسليف وأسبابه الموجبة بنص صريح بين الإحتياطي الإلزامي وضمان الودائع.

المساعدة المنتظَرة من صندوق النقد الدولي تُعتبر «تأشيرة» برسم الدول التي يراد منها دعم لبنان، ما يعيدنا إلى السؤال البديهي... هل الإحجام عن تقديم العون للبنان هو بسبب عجزه عن الإصلاحات المالية فحسب، أو نتيجة تموْضعاته على خط الصراع الإقليمي – الدولي؟

سأجيب على الفرضية الأولى دون الدخول بالموضوع السياسي لأنه متشعّب ومعقّد جداً. ليست قيمة المساعدات التي نتفاوض عليها مع صندوق النقد الدولي هي مصدر الإفادة للبنان بقدر ما تحويه الشروط المفروضة للحصول على القرض.

المساعدات المطروحة من صندوق النقد غير كافية وهي أقلّ مما أَنْتَجَه لبنان من عائدات وتدفُّق عمولات صعبة خلال الموسم السياحي الذي شارف على الإنتهاء. الإفادة الحقيقية تأتي ضمن تنفيذ الشروط المطلوبة من الصندوق. ولدى صندوق النقد الدولي وذراعه التنفيذية شكوك كبيرة في إمكان تنفيذ لبنان هذه الشروط والأسباب متعددة: فساد الطبقة السياسية، فساد إداري، غياب الإجماع السياسي بسبب التبعية لمَحاور تستفيد من الضيقة الإقتصادية الخانقة لفرض شروط وإحراز مكاسب سياسية محلية وإقليمية. ومن الواضح جداً لعيون المجتمع الدولي أن ليس هناك طرف سياسي يُعْلي المصلحة الوطنية على المصالح السياسية الفردية.

تنفيذ الإصلاحات له متطلبات كبيرة ومنها: عزم وإجماع سياسي، ضوابط ومنهجية تنفيذية قاسية وإرساء قِيَم تتناقض مع القِيَم الحالية التي تشكل ملاذاً تستمدّ منه القوى الأساسية الحاكمة نفوذَها. أضِف إلى ذلك الشفافية، لجم الفساد، إعادة هيكلة مالية الدولة وتفعيل الإدارة، الإصلاح الإقتصادي، المحاسبة المساءلة وتحديد المسؤوليات.

والسؤال الذي يَطرح نفسه: هل لدينا المقوّمات كلبنانيين لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة؟ الجواب نعم ولكن الممارسات السياسية ستمنع المضيّ قدماً بالإصلاحات المطلوبة وذلك لغايات ومَنافع سياسية وإقتصادية لا أكثر.

تَعَدُّد الأزمات وتَمَدُّدها وتَعاظُمها يوحي بأن لبنان ينزلق، رويداً رويداً، نحو الإرتطام الكبير... هل من معالجات طارئة خارج إطار دفتر الشروط المعلن، أي الإصلاحات المالية والسياسية؟

- المعالجات الطارئة تبدأ أولاً بتدابير تخفف عن المواطن وتساعد في إنعاش العجلة الاقتصادية والمالية ولو بشكل محدود:

- إقرار موازنة مصفّرة دون أي عجز غير مبرر.

- زيادة ساعات التغذية من الكهرباء وزيادة التعرفة وتفعيل الجباية.

- زيادة وتفعيل دعم المجتمع الدولي للأسر الأكثر فقراً.

- العمل على تثبيت سعر الليرة مقابل الدولار وتوحيد سعر الصرف عبر إنشاء هيئة النقد «Currency Board».

- إسترداد الأملاك البحرية المنهوبة والتي تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات.

- إنشاء صندوق ضمان الودائع والإتفاق على آلية تعويض للمودعين وهذا ما سيساعد على إعادة الثقة في القطاع المصرفي.

- زيادة ضريبة القيمة المضافة على السلع غير الأساسية والكماليات.

- الإحجام عن الزيادات الضريبية العشوائية التي تطال كل فئات المجتمع دون تمييز مثل الدولار الجمركي.

- العمل بجدية على إنجاح المفاوضات مع صندوق النقد بهدف إعادة ثقة المجتمع الدولي.

ثمة مَن يقرع ناقوس الخطر من مغبة تآكُل الإحتياطات المتبقية في مصرف لبنان تحت وطأة الحاجة لتسيير بعض أمور الدولة وتأمين بعض الدعم لسلع كالقمح والدواء... أي سيناريو ينتظرنا؟

من المؤكد أن القرارَ السياسي الذي شجّع على إستمرار الدعم من دون أي بُعد نظر ودراية، أدّى وفي شكل سريع ومفاجئ إلى تآكُل أكثر من ثلثي الإحتياطي الإلزامي في أقل من عامين ونصف عام حيت تدهور إجمالي الإحتياطي من 31 أو 32 مليار دولار إلى ما دون الـ 10 مليارات دولار.

رصيد الإحتياطي الإلزامي المتبقي لا يسمح وللأسف بدعم أي سلع غذائية أساسية ولا الدواء. النتيجة ستكون كارثية على المجتمع خصوصاً الفئات الأكثر فقراً والتي أصبحت تمثل أكثر من نصف الشعب اللبناني بحسب كل الإحصاءات وتقارير المؤسسات الدولية.

بكل صراحة وبأسف شديد ينتظرنا السيناريو الفينزويلي ما دام هناك إهمال ونكران للوضع الذي يمر به لبنان وغياب لأي تدابير معالجة وإصلاح أو حتى تَدارُك لذروة الوضع المالي والإقتصادي. وأنا لا أرى شيئاً آخَر وأتمنى ألا نصل إلى أسوأ من هذا السيناريو.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي