من الخميس إلى الخميس

تحالف القادة والعلماء

تصغير
تكبير

وعودٌ رائعة تلك التي نسمعها هذه الأيام، أيام الاستعداد لانتخابات مجلس الأمة الكويتي، مرشّحون بالعشرات يعدوننا بالإصلاح، وكأن الإصلاح بضاعة جاهزة سوف يحملها لنا الناجحون، لو كان الإصلاحُ بهذه البساطة لكُنّا اليوم أكثر الدول تقدّماً، فطوال أكثر من نصف قرن ونحن نسمع وعود الإصلاح، وما زالت حركتنا بطيئة لا توازي طموحنا.

إنّ مبادئ الإصلاح تقوم على قاعدة النقص، لا توجد مدينة كاملة ولن توجد، لذا تقوم الشعوب الأكثر نشاطاً بتبنّي قواعد النقد والتحسين، أما الشعوب الأقل نشاطاً فإنها تتبنّى قواعد التصريحات وأحياناً السبَّ والتشهير، هذا هو الفرق الجوهري بين الأمم، أمم في عصر النهضة وأمم في عصر ما قبل النهضة.

إن الإنسان منذ استيطانه الأرض استمرّ في التطور، كان في فترات حياته الأولى بطيئاً، وأحياناً بطيئاً جداً، العلامة الفارقة للإنسانية هي بداية نشوء العقلية الناقدة في القرن السادس عشر، فقد قام علماء عصر النهضة الأوروبية بإعادة تشكيل المنظور الفكري مستفيدين من سقوط القسطنطينية، وذلك بنقل أفكار أمم عظيمة نجحت قبلهم في تحرير عقل الإنسان وعلى رأسهم أمة العرب والإسلام.

في ذلك التاريخ القريب في عُمر الإنسان تسارعت حركة النمو والحضارة وظهرت قدرات العقل البشري في العلم والصناعة والزراعة، وخطا الإنسان فوق القمر، وجعل الأرض قريةً صغيرةً تحيطها شبكات لا متناهية من الموجات.

لقد كان سر نجاح الإنسان في التطوير هو في قدرته على استخدام عقله من أجل تحسين محيطه، لم يستخدم الشعارات كمُسكنات، ولم يبنِ قِيمَهُ على حاجياته الشخصية بل رسم طريقاً كل علاماته واضحة والكل له دور فيه، تلك هي الأمم التي نراها اليوم تملك عوامل النجاح أو تسير في طريقه، أما أمم التخلف فاستمر الإنسان فيها بالتصريحات والوعود دون أن يخلق خطة العمل الواضحة ويستعين بمبادئ النقد والتحسين.

مرة أخرى، هذا هو الفرق الجوهري بين الشعوب، فمتى ما اختفت العقلية الناقدة، ومتى ما كَثُر الذين يُصرّحون ويُهاجمون، ومتى ما انتشر التشاؤم والإحباط كان هذا مؤشراً على فشل الشعب وكسله، وفي النهاية تأخره عن ركب الحضارة.

ليست كثرة الوعود دليلاً على رغبة الإنسان في العمل، بل العكس صحيح تماماً، وليس الهجوم والصراخ إشارة إلى حرص الإنسان على الإصلاح، بل العكس تماماً.

العقلية الناقدة هي التي نحتاج إليها اليوم، عقلية تُحلّل الواقع، وتستعين بالمعلومات العلمية القائمة على البراهين، وتؤدي واجبها التنفيذي كاملاً غيرَ منقوص، عقلية متفائلة تؤمن بأن النقص طبيعة الحياة فلا تَغضب حين ترى الخلل بل تعمل على إصلاحه بأقل الأضرار، عقلية تعشق الحرية وتؤمن بحقوق الإنسان وتحترم كل كائن حي لأنه من خلق الله.

كيف نستطيع أن نخلق في أنفسنا هذه المفاهيم وأغلبنا ما زال يملؤه الغضب والتشاؤم؟ كيف نبدأ بداية صحيحة والكثير منا يبحث عن مسكن ومتنفّس موقت للغضب، لا يبحث عن خطة عمل تقوم على قِيم التطوير وتبنى بالصبر وتحسين الأداء، هذا هو التحدي المقبل والفاصل بين عهد سابق وعهد مرتقب.

لدينا في الكويت قيادات علمية وفكرية حيادية تحتاج إلى الاستماع لها، قيادات لا تعرف المجاملة تحترم الرأي الآخر وتؤمن بقيم النجاح بعيداً عن المحاصصات، القائد الناجح هو مَن يُؤمن بقدرات مواطنيه، مواطنيه فقط، فهم أدرى بدروب الخير فينا، مع هؤلاء، قادة العلم والفكر الوطنيين والحياديين، تبدأ عجلة الإصلاح، وكلما استعان القادة في مجالسهم ولجانهم بمثل هؤلاء أضاءوا لنا جميعاً مصابيحَ في درب الإصلاح الطويل.

الأمم لا يقودها عامة، ولا يقرّر مستقبلها مجاميع سياسية وتجارية تبحث عن مصالحها وتدور قضاياها حيث تدور تلك المصالح، الأمم تُقاد بعلمائها وخبرائها ومفكريها الحياديين، والحاكم الذكي هو الذي يستقوي بهم، فهم مفاتيح الخير ولا بد من تحمل صِدقهم وصراحتهم، تلك الصراحة التي يعشقها القادةُ المُخلِصون، هذا العشقُ الذي يميّز بين قادة تاريخيين يصنعون التاريخ وبين غيرهم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي