البلاد «خارج السَمع» وإضراب موظفي «أوجيرو» يُنْذِر بانهيار «الاتصالات»

لبنان دَخَلَ «النفق الرئاسي» فهل يستدرج الفراغ الإفراجَ عن الحكومة؟

إضراب موظفي «أوجيرو» يُنْذِر بانهيار «الاتصالات»
إضراب موظفي «أوجيرو» يُنْذِر بانهيار «الاتصالات»
تصغير
تكبير

دخل لبنان منتصف ليل الأربعاء - الخميس نَفَقاً سياسياً - دستورياً مع بدء مهلة انتخاب رئيسٍ لـ «جمهوريةٍ معلّقة»، مؤسساتُها تتداعى تحت وطأة واحدٍ من أعتى الانهيارات المالية في العالم (منذ 1850) والإمعان في اقتيادها نحو «جهنّم شاملة» بفعل وقائع «زَحَلَتْ» معها تدريجاً خارج الحضن العربي كما أجنداتٍ محلية أفرطت في تحويل البلاد والعباد وقوداً في لعبة السلطة ولو على طريقة... وبعدي الطوفان.

ابتداءً من اليوم وحتى 31 أكتوبر المقبل، شهران هما واقعياً بداية النهاية لعهد الرئيس ميشال عون، ورصاصة الانطلاق الرسمي لسباق اختيار خَلَف له لا يحتاج في لبنان إلى العبور بأي مرحلة «تأهيلية» ولا لإعلان ترشيح رسمي، حيث يمكن للبرلمان المؤلف من 128 نائباً انتخاب شخصية لم تتقدّم بترشيحها العلني، على أن يتم ذلك في جلسةٍ تشترط لتكون دستوريةً أن تنعقد بنصاب قانوني هو الثلثان (86 نائباً) وهي الغالبية المطلوبة لفوز أي اسمٍ في الدورة الأولى، وبحال عدم تَوافُرها يُكتفى للتنصيبِ بالأكثرية المطلقة (النصف زائد واحد) أي 65 نائباً للدورة الثانية وحتى انتخاب رئيس.

ومع افتتاح «الزمن الرئاسي»، لم تبرز أي مؤشرات لإمكان أن يوجّه رئيس البرلمان نبيه بري الدعوة لأولى جلسات الانتخاب أقلّه قبل أواخر سبتمبر، أي في الشهر الأخير قبل انتهاء ولاية عون، في تكرارٍ لما حصل في 2014 حين دشّن الاستحقاقَ في 23 أبريل (كانت ولاية الرئيس ميشال سليمان تنتهي في 25 مايو)، فكانت جلسة يتيمة توافر نصاب انعقادها وعُقدت فيها دورة واحدة طار بعدها النصاب لـ 44 جلسة أخرى قبل أن يُفرج عن الانتخابات في 31 أكتوبر 2016 في الجلسة رقم 46 التي حَمَلَت عون إلى الرئاسة بأكثرية 83 صوتاً نالها في دورة ثانية انطبعتْ بسابقة إعادة الاقتراع فيها 3 مرات (بسبب خلل في عدد المظاريف التي توضع فيها أوراق الاقتراع السري).

وإذا كان محسوماً أن بري، الذي يخوّله الدستور منفرداً توجيه الدعوات لجلسات الانتخاب ضمن المهلة الدستورية وحتى الأيام العشرة الأخيرة من ولاية الرئيس (يصبح حينها مجلس النواب في حال انعقاد حُكمي حتى حصول الانتخاب)، لن يتوانى عن استخدام هذه الصلاحية الرئيسيةِ في «توقيت مدروس» (على الأرجح قبل شهر من 31 أكتوبر)، فإن هذا الأمر لن يعني بأي حال أن ثمة ضمانات بحصول تفاهماتٍ سياسية عابرة للاصطفافات تسمح بتوقُّع أن يكون مصير رئاسية 2022 مختلفاً عما شهده الاستحقاقان اللذان سبقاها: في 2007 حين سلّم الرئيس اميل لحود إلى فراغٍ استمرّ نحو 7 أشهر، وفي 2014 عندما عمّر الشغور لنحو «نصف ولاية رئاسية» أي 30 شهراً بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان الذي تسلّم من فراغ وسلّم إلى فراغ.

على أن هذه الانتخابات الرئاسية تتسم بمفارقةٍ غير مسبوقة في جمهورية الطائف تتمثل في أنها قد تشهد انتقالَ صلاحيات الرئاسة الأولى لحكومة تصريف أعمالٍ اعتُبرت مستقيلة حُكماً بعد الانتخابات النيابية (مايو الماضي)، ولم ينجح رئيسها نجيب ميقاتي، وهو الذي كُلف بتشكيل الحكومة الجديدة، حتى الساعة في إنجاز مَهمّته التي علقت في «شِباك» الاستحقاق الرئاسي وحساباته والتي بات مصيرها أشبه بـ «حزّورة» على طريقة: تولد اليوم، أو غداً، أو في ربع الساعة الأخير قبل انتهاء ولاية عون، وربما لن تولد أبداً.

وتختلف الانتخابات الرئاسية هذه المرّة أيضاً عن سابقاتها، بأن مهلتها الدستورية تبدأ وسط ضبابية كبرى تلفّ الترشيحات الجدية، بعدما كان اسم الرئيس سليمان شهد «نصاباً» خارجياً حوله في 2007 ولكن شروطَ انتخابه الداخلية بأبعادها الإقليمية التي عبّر عنها «حزب الله» وحلفاؤه حينها تطلّبت عملية عسكرية في 7 مايو 2008 اقتادت الجميع الى طاولة الدوحة.

أما انتخاب عون، فكان من «أول الطريق» في 2014 مسألة وقت بالنسبة إلى «حزب الله» أيضاً الذي وَعَدَ «الجنرال» وخاض معركته علناً في لعبة «عض أصابع» ونَفَس طويل وضعتْ خصومه في مفاضلة سوريالية بين حليفيه، رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وعون، فاختاروا الأخير ضمن تسويةٍ عادتْ و«تطايرتْ» سريعاً.

ويبدو من السياق الرئاسي لاستحقاق 2022 أن «حزب الله» غير مستعجل على كشْف مرشحه الفعلي، وهو فرنجية حتى إشعار آخَر، من جهةٍ تفادياً لجعْله مرشّح تحدٍّ أو مواجهة، ومن جهة أخرى لتلافي أن ينفجر مثل هذا التبني لزعيم «المردة» بالتحالف الذي يقوده الحزب في ظلّ رفْض رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، السير بفرنجية.

وثمة انطباع لم يعد خافياً بأن «حزب الله» قادر بحال توافُر نصاب الثلثين لانعقاد جلسة الانتخاب على توفير الـ 65 نائباً لإيصال فرنجية، من ضمن المعادلة الرقمية نفسها التي كان «اخترق» عبرها صفوف المعارضة وغالبيتها المشتَّتة وأمّن انتخاب بري لرئاسة البرلمان بالنصف زائد واحد، خصوصاً أن ما يُسمى القوى السيادية والتغييرية يصعب جداً أن تتوافق على مرشّح واحد، وهي تراهن بالحدّ الأدنى على توفير ثلث معطّل يمنع التئام الجلسات بحال كانت ستُفْضي لفوز مرشّح من 8 مارس.

وإذ تشير مصادر عليمة إلى أن «حزب الله» يستفيد من التوازن السلبي في البرلمان الجديد، لتلافي حَرَج «التخلي» العلني عن باسيل، في موازاة إعطائه إشاراتٍ مكتومة إلى أنه لن يخوض معركة فرنجية حتى إيصاله، فإن كل المعطيات المحلية تشير إلى أن فراغاً ثالثاً متتالياً سيحلّ على القصر الرئاسي في الأول من نوفمبر، من دون أن يُعرف إذا كان سيتمّ إنقاذ البلاد في الدقائق الخمس الأخيرة من إشكالات كبرى بحال انتهتْ ولاية عون من دون ولادة حكومة جديدة، خصوصاً بعدما رسم فريقه خطاً أحمر حول تسليم صلاحيات الرئاسة لحكومة تصريف أعمال، باعتبار ذلك وصْفة «لمشكل كبير في البلد» فـ «مثل هذا الاتجاه سيودي بالبلاد الى فوضى دستورية، وربما أكثر وهذا ما لن نسمح به».

وفيما زار ميقاتي أمس، عون، من دون أن يسفر الاجتماع عن أي مفاجآت وسط انطباعٍ بأن بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس سيجعل هذا الاستحقاق يتقدّم مقاعد المشهد الداخلي على حساب الملف الحكومي، سرت أجواء بأن قرار استيلاد حكومة لإدارة الفراغ اتُخذ وتبقى ترجمته التي يمكن أن تتطلّب فترة من «الانهاك» لتحسين الشروط أو لترسيخ الاقتناع بأن «الطريق السريع» يبقى تعويم حكومة تصريف الأعمال نفسها بمراسيم جديدة وتَقدُّمها لنيل ثقة البرلمان.

في موازاة ذلك، يتمدّد تحلُّل المؤسسات وانهيار القطاعات الخدماتية. فبعد الكهرباء المعدومة والتي تحكم على اللبنانيين بـ«إعدام العتمة» ما خلا ما توفّره مولدات الأحياء، والمياه الشحيحة التي يتطلّب توفيرها للمنازل عمليات «استجرار» بصهاريج صارت فوق طاقة قسم كبير من اللبنانيين على تَحَمُّل أكلافها، ها هو لبنان على شفير أن يصبح خارج الخدمة في قطاع اتصالاته الذي حوّل البلاد أمس، «خارج السَمع» في مناطق عدة، سواء بخطوط الاتصال الأرضية أو الخلوية أو بالانترنت.

فغداة إعلان موظفي ومستخدمي هيئة اوجيرو، وهي الذراع التنفيذية لوزارة الاتصالات، الاضراب المفتوح إلى حين تصحيح الأجور لجميع العاملين في القطاع، تداعت شبكة الاتصالات والإنترنت في العاصمة ومناطق أخرى، وسط تحذيراتٍ من أن الأمور تتجه بسرعة نحو التدهور الشامل.

وتَسبَّب توقف خطوط الهواتف الأرضية وخدمة الإنترنت (عبر اوجيرو كما شركات خاصة)، بتعطُّل الخطوط الساخنة للصليب الأحمر وغيره من المنظمات الاجتماعية والانسانية، وبارباكات كبرى لشركات ومواطنين تجرّعوا بالأمس مُرّ رفْع تعرفة الاتصالات والانترنت (بنحو 5 أضعاف) فإذ بهم على مشارف... الانقطاع عن العالم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي