No Script

مشاهدات

لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك

تصغير
تكبير
قال الله تعالى:«إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولا». في المقام الأول كل منا مسؤول عن جوارحه ومحاسب عن أي تقصير قد يبدر منه، وبالتالي هو مسؤول عن أسرته، فالمولى عزّ وجلّ خلقَ الإنسانَ وجعله خليفةً في الأرض ليعمّرها ويتحمّل مسؤولية هذا الإعمار، وهو من جانب آخر مبدأ اجتماعي وتربوي مهم في حياة الفرد والمجتمع، فإن مستوى الشعور بالمسؤولية يمكن أن يسمو بالمجتمع إلى مواقع الفضيلة والرُقي إن كان بالحد الإيجابي المطلوب، الذي يدفعه للنهوض بأعباء المسؤولية، أو يمكن أن تنحدر المجتمعات إلى غياهب الجهل والفوضى والتخلف إن كان بالحد السلبي.

- حب المناصب والسعي لها صفة غير محمودة، إن كان القصد منه حب الظهور والتعالي والتكبر، وقد حذّر النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله - منها:

الرئاسة ومراحلها الثلاث: (إنْ شِئتمْ أنبأتُكمْ عنِ الإمارةِ وما هِيَ؟ أوَّلُها مَلامةٌ، وثانِيها نَدامةٌ، وثالِثُها عذابٌ يومَ القيامةِ،إلَّا مَنْ عدَل).


فالمسؤولية ضرورة للناس من أجل تنظيم شؤون حياتهم في الدنيا، وهي من الأمور الضروريّة في كل المجتمعات البشريّة.

ولكن المشكلة الأساسية هي أنّ الإنسان غالباً ما يستغل مركزه لإرضاء الذات وتحقيق المصالح الشخصيّة وحب الشهرة والتسلّط على الرقاب وظلم العباد، متناسياً أنّ الغرض منها هو خدمة الناس والأمن الاجتماعي وحفظ المصالح.

والمسؤولية قد تختلف سعةً وضيقاً ولا يخلو أحدٌ منها، فإنه مسؤول عن نفسه أولاً بتهذيبها وإصلاحها، ثم عن أسرته وعائلته ثانياً، وعن أصدقائه وزملائه في العمل وعن جيرانه، وهكذا إلى أن تصل إلى المسؤول ذي المنصب القيادي الذي يتولى أمور فئة كبيرة من المواطنين، فيأخذ على عاتقه القيام بواجباته، ومنها تيسير أمورهم، العسيرة منها واليسيرة، على أن يشعر المسؤول بأن الإنصاف وعدم الظلم أمانة لديه وتكليف له، وليس منحة أو ملكاً شخصياً له، وبذلك يتوجّب عليه الحرص على شؤون الآخرين المادية والأدبية، وكذلك الحرص على إدارة شؤونهم والأخذ بهم نحو الجادة الصحيحة والتقدم والازدهار، وتحصينهم وحمايتهم مما يهددهم ويشكّل خطراً عليهم، والوفاء لهم بالوعود.

فإنّ هذا النوع من المسؤولية هو أهم المسؤوليات التي ينبغي لأي شخص أن يتسلّح بها حين يكون في هذا الموقع، سواءً أكان وزيراً أو مديراً أو مسؤولاً عن أي جهة كانت، وأن يضع الخطط الإدارية المنظمة التي تحّسن نوعية العمل المراد إنجازه ليخرج بصورة حسنة، وليس خليطاً مِن الفوضى الذي يربك العمل ليخرج في صورة سيئة يضر بالوطن والمواطنين على أن يكون لهذه الجهة هدف سام، فالغاية من التنظيم والإدارة الصحيحة هي تحقيق أهداف كبيرة في الحياة، لانّ الإدارة هي كيانٌ حيّ ينبض بالحياة، فهي متصفة بالصفة الإنسانية والصفة التنظيمية والصفة الجماعية.

فالمسؤول الجيد هو الذي يعرف طبيعة الأشخاص الذين يتعامل معهم ويعلم ما الذي يحرّكهم، وما الذي يثبّط عزائمهم؟ يعرف متى يتقدمون؟ ومتى يتأخرون؟ فالمسؤولون الاحتكاريون الذين ينظرون إلى أبناء جلدتهم ككتلة من الأصنام الصماء، ويتعاملون معهم بطريقة سيئة ودونية والنظر إليهم بنظرة منحطة، فنجدهم لا يعيرون أهمية للمحفزات المعنوية التي تدفع بهم إلى الأمام، فالمحفزات المعنوية أهم بكثير من المحفزات المادية.

والمسؤولون ليسوا سواء في طباعهم وشخصياتهم ومدى جديتهم في تحمل أعباء الوظيفة.

- فهناك المسؤول الفاشل الذي لم يحافظ على الأمانة، ولم يراع ضميره في القيام بواجبات وظيفته، وأقنعَ نفسه بأنه يملك العصا السحرية لحل جميع المشاكل التي تنشأ في إدارته، وبغطرسة كدرت العلاقة مع مرؤوسيه ونفرت المتعاملين مع إدارته من المواطنين، فهو مقتنع بنفسه ويستشعر النجاح ويتمادى أكثر ليغرق في بحر أخطائه، ومنهم من يستغل مركزه للتحرش بالموظفات، لذا... عندما يُعفى أو يقال هذا الفاشل، سواء في العمل الحكومي أو الخاص، تكون هذه الإقالة إنقاذاً من مصير سيئ ونهاية أسوأ من الواقع الإداري الذي تسبّب به في وقت قصير. بل الواجب محاسبته بشدة أن استغلّ مركزه في التعدي على كرامات الناس وعدم إحالته إلى التقاعد قبل أن يعاقب على ما بدر منه.

- كما أن هناك بعض المسؤولين تنقصهم الشجاعة والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة، فعلينا ان نأخذ بعين الاعتبار أن هذه الفئة لا تتحمّل المسؤولية عن نفسها فكيف ستدير وترعى شؤون الموظفين ممن هم تحت سلطتهم؟

ختاماً،

من المؤسف أن نشاهد البعض أصبح الهم المسيطر عليهم أن يتبوأوا المراكز الوظيفية المرموقة بهدف السيطرة والغرور والتعالي على الناس، متناسين بأن المسؤولية ببساطة هي شرف وليست ترفاً، بل هي تحمّل للمسؤولية نتيجة الالتزامات والقرارات التي قِبل بتحمّلها أمام الله في الدرجة الأولى، وأمام ضميره في الدرجة الثانية، وأمام المجتمع في الدرجة الثالثة.

والكفاءة هي المعيار للترقي، وقد ذكر ذلك نبي الرحمة ، صلى الله عليه وآله، حين بيّن معنى الأفضلية:

(ليس الأكبر هو الأفضل بل الأفضل هو الأكبر).

- النجم المضيء الآن في سماء الكويت الحبيبة هو المسؤول الذي يعمل دون بهرجة إعلامية ولا تلميع صحافياً ودون حملات إعلامية، هو رئيس مجلس الوزراء، سمو الشيخ أحمد النواف الذي نال الثقة من القيادة السامية ومن الكويتيين، آملين منه أن يخرجنا من مسار الأزمات المتلاحقة وتطبيق النهج الإصلاحي على أرض الواقع، فذلك ما ينتظره الجميع من الحكومة الجديدة.

- الشيخ أحمد النواف اتخذ قرارات حازمة وتنظيمية ومصيرية في محاربة الفساد وفتح المجال للمواطنين بمقابلة الوزراء مباشرة دون الحاجة لواسطة من متنفذ أو سياسي، وقام بتدشين الخط المباشر بوسائل التواصل الاجتماعي لتلقي التظلمات والشكاوى مباشرةً إلى ديوان مجلس الوزراء، وهي بارقة أمل لتفادي كل السلبيات السابقة.

وإذ إننا نشيد بهذه السواعد المعطاة، نطالب بعدم التراخي والعزم والجدية بزمام الأمور والاستمرار بهذا النهج المحمود.

إنَّ المناصِبَ لا تدومُ لواحِدٍ

إنْ كُنْتَ تُنْكِرُ ذا فأينَ الأوَّلُ؟

فاغْرِس من الفعلِ الجميلِ فضائِلاً

‏فإذا عُزِلتَ فإِنَّها لا تُعزلُ

اللهمّ احفظ الكويت آمنةً مطمئنةً، والحمدلله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي