«حزب الله» لن يغطّي بقاءه في القصر والجيش.. لن يحميه
عون إلى «استراحة مُحارِب» بعد انتهاء ولايته
- عون 2022 الرئيس المُتْعَب ليس جنرال الـ 1988 الصاعد و.. المُتْعِب
- التلويح بعدم مغادرة القصر مجرّد بروباغندا سياسية
- إمرة الحرس الجمهوري تعود لقيادة الجيش بعد 31 أكتوبر
أسبوعٌ واحد يفصل لبنان عن بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد خَلَفاً للرئيس ميشال عون. لا تكفي الأيام المتبقية من عمر ولايته أي شهران وأسبوع للتكهن بما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من سيناريوات حول ما بعد 31 أكتوبر، باعتبار أن هناك شبه إعتقاد بأن لا إنتخابات رئاسية في لبنان للمرة الثالثة بعد عام 1990.
والمفارقة أن الفراغ الأول قبل 1990، شغله العماد ميشال عون بوصفه رئيساً لحكومة إنتقالية، لكنه رفض بعد ذلك مغادرة القصر الجمهوري في بعبدا، بحجج مختلفة، من حرب التحرير إلى حرب الإلغاء إلى عدم موافقته على إتفاق الطائف، ليَخرج منه على وقع هدير الطائرات السورية.
ستكون محطةً لافتة بمعانيها الكثيرة، أن ذكرى 13 أكتوبر (1990) التي كان حزب عون أي «التيار الوطني الحر» يحتفل بها على أنها ذكرى خروج عون إلى المنفى الباريسي قبل أن تعود المياه إلى مجاريها بين التيار وسورية، ستمرّ هذه السنة قبل أيام قليلة من مغادرة «الجنرال» القصر الجمهوري في بعبدا للمرة الثانية والأخيرة. إلا أن الصالونات السياسية والأمنية تحفل في هذه الأيام بتكهنات حول ما بعد 31 أكتوبر، وإمكان خروج عون فعلياً من القصر أو معاندته المغادرة إذا لم يُنتخب خَلَف له، إستناداً إلى تجربته السابقة.
لكن ثمة محاذير كثيرة تشي بصعوبة تحقيق مثل الخطوة إستناداً إلى مجموعة من الملاحظات والخطوات السياسية والأمنية التي تُرافِق الإستحقاق الرئاسي.
تختلف ظروف عون الخاصة عن ظروفه السابقة. حينها كان قائدُ الجيش المعيَّن رئيساً للحكومة الإنتقالية في عزّ صعوده العسكري في سلسلة معارك ومجابهات عسكرية، وفي عز إنطلاقة نجمه السياسي، محلياً وعربياً ودولياً. وقد تحوّل عون في تلك المرحلة التي رفض فيها مغادرة قصر بعبدا، مُحاوِراً سياسياً ولاعباً أساسياً في «بازل لبناني» متشابك. وسمح له موقعه وهو في ذروة نشاطه السياسي والعسكري أن يكون على تماس مع العالم الخارجي، وأقام صداقات وعداوات كثيرة.
من باريس والمنفى إلى بيروت وإلى القصر الرئاسي، ليس سهلاً على مَن خبِر الحياة السياسية نائباً ورئيس أكبر كتلة نيابية ومن ثم تَوِّج حياته السياسية رئيساً للجمهورية أن يبقى شاغلاً الحياة السياسية إلى هذا الحد. لكن عون الذي لم تتعبه الحياة السياسية التي تبقى شغفه، أَتْعَبَه التقدم في العمر والحياة اليومية، وهو بحسب عارفيه ينتظر اللحظة المناسبة للإستراحة في المنزل الذي سينتقل إليه من دون أن يعتزل السياسة، خبزه اليومي.
هذا في الناحية الشخصية، أما العملانية فظروف إنتهاء العهد الحالي تختلف عن ظروف 1990. فرغم أن عون حينها كان مكلَّفاً بصورة شرعية من الرئيس أمين الجميل، وفق دستورِ ما قبل الطائف، بمهمات رئاسة الحكومة الإنتقالية بعد تعذُّر إنتخاب خَلَف للجميّل (العام 1988)، إلا أنه إستند آنذاك إلى أمرين: عداؤه لسورية وصراعه مع «القوات اللبنانية»، ورفْضه إتفاق الطائف.
ورغم انه لم يتمتع بأي أحلاف داخلية أو خارجية سمحت ببقائه في بعبدا، إلا انه بتحويله القصر الجمهوري «قصراً للشعب» وتَحَصُّنه خلف شرعية شعبية، تَمَكَّن من مقاومة الخروج من القصر تحت وطأة الضغوط الدولية التي عادت وسمحت بما حصل حينها من تدخل سوري عسكري إلى جانب الشرعية المنتخَبة أي الرئيس الياس الهراوي.
ظروف اليوم لا تشبه مرحلة التسعينات. وإذا كان عون يتمتع بدعم أكبر قوة عسكرية وسياسية أي «حزب الله» كحليفٍ داخلي، إلا أن حسابات عدم خروجه من بعبدا لا تلتقي مع حسابات الحزب الذي لا يمكنه تغطية بقاء عون في القصر، خارج الأطر الشرعية.
ويتعامل خصوم عون، أكانوا حلفاء «حزب الله» أم خصومه، مع إحتمال عدم مغادرته المقر الرئاسي بخلاف التسعينات على أنه ليس بقاءه هو كرئيس إنما بقاء مرشّحه الرئيسي أي رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحمّل تبعاتَه «حزب الله» في وجه المجتمع الدولي وتَعاظُم المعارضة الداخلية لباسيل، إضافة إلى أن للحزب مرشحوه وحلفاؤه الذين ينتظرون أدنى اشارة لدخول لائحة مرشحيه للرئاسة، وبقاء عون في الكرسي الرئاسي سيغيّر هذه المعادلات.
في المقابل تكبر دائرةُ الاهتمامِ بتنامي الإتجاه داخل أوساط «التيار الحر» الرافض لمغادرة القصر والإيحاء بإمكان تحويله قصر شعب مرة أخرى. علماً أنه سبق للتيار أن ردّ على تظاهرات 17 أكتوبر 2019 والحملات على عون بتظاهرةٍ كبرى على طريق القصر الجمهوري عدّها باسيل حينها إستفتاءً لشعبية عون وشعبيته، كما فعل الأمر نفسه في السنة التالية. إلا ان أي مخطط مماثل لما حصل في التظاهرتين أو في التسعينات بما انطوت عليه من دلالات، من الصعب تحقيقه في هذه المرحلة وسط التوازنات السياسية الداخلية، والعين الغربية على لبنان. ومن العبث الإعتقاد ان كل القوى السياسية والشعبية المناوئة لعهد عون ستقف مكتوفةً إزاء أي تحضير لإبقائه في بعبدا، لأنه ينذر بحرب داخلية متجددة بين «التيار» وخصومه. ناهيك عن أن من مصلحة خصوم عون حالياً الإضاءة على مثل هذه التوقعات، وتسليط الضوء عليها بغية التحذير من مغبة حصولها. فحملة المعارضين للتيار بدأت منذ فترة بالتحضير لإحتمالات رفض التيار خروج رئيس الجمهورية. وتَعَزَّزَ ذلك مع تلويح باسيل أكثر من مرة بعدم التسليم بالفراغ الرئاسي. وهذه هي الحجة التي يستخدمها التيار في تبرير أي محاولة لإبقاء رئيس الجمهورية في بعبدا إذا لم تتشكل حكومة كاملة الصلاحيات وبشروط باسيل.
في مقابل الجو السياسي المشحون رفضاً لأي مخالفة دستورية لإبقاء عون في بعبدا، يُسلّط الضوء على وضع الجيش والحرس الجمهوري. ففي التسعينات كان عون قائداً للجيش وكانت القوى العسكرية والألوية الموالية له لا تأتمر إلا بأوامره. أما حالياً، فإن عون أمام حالة فريدة من مفارقتين، الأولى أن قائد الجيش العماد جوزف عون الذي إختاره رئيس الجمهورية بنفسه لهذا الموقع، هو مرشح ضمني لرئاسة الجمهورية. وقائد الجيش، مع إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية لن يغطي أي بقاءٍ غير شرعي. وهذا أمر محسوم في تعامل قيادة الجيش مع أي مغامرة وراءها باسيل. ومعروف ان العلاقة بين باسيل والعماد جوزف عون غير سليمة. إضافة إلى ان الحرس الجمهوري، الذي يتبع حالياً لقيادة الجيش لكنه في إمرة رئيس الجمهورية، يصبح ليل 31 أكتوبر في إمرة قائد الجيش بالكامل. ومن الصعب على أي لواء أو ضابط أو عسكري تجاوز إمرة القيادة لخدمة «التيار الوطني الحر» وخصوصاً بعد الخلافات الأخيرة لمرتين بين القصر وقائديْ الحرس الجمهوري سليم الفغالي، الذي كان من المقرّبين لعون وأقصي وعُيِّن بدلاً عنه العميد بسام الحلو الذي وَقَعَ خلاف بينه وبين باسيل أخيراً وهو الآن في إجازة.
هذه المخاوف من مغبة تكرار سيناريو عام 1990، بدأت تتسم بالجدية على طاولة كل المعنيين في ملف الرئاسة، وحسْمها سيكون على يد «حزب الله» هذه المَرة وليس بيد عون أو باسيل.