نقاش رقابي مصرفي على تنشيط طلب الأموال في ما بينها لآجال طويلة
بنوك تبحث تعيين صانع سوق لمغازلة بعضها في «الإنتربنك»... بالودائع
- الناظم الرقابي يحفّز المصارف لاتخاذ تدابير إضافية تضمن نجاح تخفيفه للنسب
- تعديل نسب السيولة الأخير يسهّل إدارتها لكن البنوك تطمح لمساحة راحة إضافية
- يصعُب على جميع البنوك تحمّل مخاطر القيام بصانع السوق إذا ضعف الاهتمام بين القطاع
- تنشيط «الإنتربنك» ليس سهلاً فطلبات شراء البنوك لسندات «المركزي» تتجاوز قيمتها بأضعاف
- غياب الفرصة الاستثمارية المناسبة لامتصاص فوائض السيولة المركونة يزيد تحديات نجاح المهمة
- تحريك السوق يقلّل تنافس المصارف على الودائع الحكومية ويجعلها أكثر مرونة في ترتيب سلمها
علمت «الراي» من مصادر ذات صلة أن نقاشاً مصرفياً رقابياً فُتح أخيراً، وجّه خلاله الناظم الرقابي مسؤولي البنوك بالعمل على تحريك سوق «الإنتربنك»، أو ما يعرف باسم سوق الودائع في ما بين البنوك.
وذكرت المصادر أن بنك الكويت المركزي أدخل خلال الشهر الجاري بعض التعديلات على نظام السيولة لدى المصارف المحلية وفقاً لسلم الاستحقاقات، حيث سمح لها بتصنيف 20 في المئة من ودائع العملاء الأفراد ضمن الفئات الزمنية حتى 6 أشهر، على أن يتم الإبقاء على نسبة 80 في المئة المتبقية ضمن الفترة الزمنية «يوم العمل التالي»، الأمر الذي من شأنه التخفيف عن البنوك وتسهيل قيامها بإدارة السيولة لديها، ويعطي مساحة إضافية لها للتصرّف بجزء من ودائعها.
لكن من الواضح أن هذا القرار لم يعكس كل ما ترجوه البنوك من الرقيب، حيث يعتقد مسؤولو الخزينة أن تعميم تخفيف نسب السيولة الأخير يوفّر فقط جزءاً من الراحة المستهدفة مصرفياً في تنظيم السيولة.
إعادة النظر
وأضافت المصادر أن تحرّك البنوك باتجاه مطالبة الناظم الرقابي بإعادة النظر في تعليمات تنظيم سلم الاستحقاقات لديها، يأتي انسجاماً مع المعدلات العالمية ووفقاً لمعايير «بازل 3»، خصوصاً وأن سياسة «المركزي» بعد 2008 كانت تصب في رفع معدلات التحوط لدى البنوك بصورة كبيرة ومضاعفة، وأن مقتضيات المشهد المالي عموماً تغيّرت كثيراً في الوقت الحالي، وبما يقلّل الحاجة لتجنيب مستويات إضافية من السيولة الاحترازية.
في المقابل، يرى مسؤولو «المركزي» أن التخفيف المقرّر بنسب سيولة سلم الاستحقاقات لدى البنوك كافٍ في المرحلة الحالية، وعلى المصارف من ناحيتها اتخاذ تدابير إضافية تضمن نجاح الإجراء، ومن ضمن ذلك تحريك مياه «الإنتربنك» الراكدة لاسيما للآجال الطويلة، بعد أن وصلت تعاملاتها في هذه السوق لمعدلات متدنية، واقتصرت تعاملاته على ودائع الليلة والأسبوع والشهر.
ركود ملموس
ويربط مصرفيون خمول سوق «الإنتربنك» إلى تخمة السيولة ذات الآجال المتشابهة بين المصارف، وتراجع فرص امتصاص الأموال طويلة الأجل، فضلاً عن وفرة السيولة في السوق عموماً في موازاة نمو منطقي وطلب هادئ على الأموال، ما أدى إلى إحداث تصاعد ملموس لسقف أسعارها لدرجة تجاوزت فيها مستويات الفائدة المعروضة معدلات السوق.
ويعتقد هؤلاء المسؤولون بأن خطوة تنشيط سوق «الإنتربنك» كما هو مأمول رقابياً ومصرفياً ليست سهلة، ويرجع ذلك إلى أكثر من سبب ليس أقلها محدودية سوق الدينار لجهة أدوات السيولة المتوافرة والتي يمكن من خلالها امتصاص فوائض الأموال واستعادتها في حال نقص السيولة لدى البنوك. وأوضحوا أن القناة الوحيدة التي تستخدمها البنوك لتصريف فوائض السيولة لديها بخلاف «الإنتربنك» تعتمد على البنك المركزي، والسندات التي يعيد طرحها كلما انتهت فتراتها، مع الأخذ بالاعتبار أن طلبات الشراء التي تقدّمها البنوك تتجاوز قيمة السندات التي يطرحها «المركزي» في كل مرة بأضعاف، ما يدلّل على ارتفاع مستويات فوائض السيولة المركونة، وقلّة الفرص المتاحة لامتصاصها.
تنشيط مستهدف
في المقابل، يغمز البعض إلى إمكانية تنشيط سوق «الإنتربنك» عبر الاتفاق على قيام بنك أو أكثر بدور صانع سوق، حيث وقتها ستتنامى فرص التنشيط مع ضمان تحقيق التسعير الهادئ.
لكن من الواضح مصرفياً أن القيام بدور صانع سوق ليس مرحباً به من البنوك، حيث يصعب على جميع المصارف لعب هذا الدور حالياً باعتبار أن هذا النشاط يحمل مخاطرة على البنك الصانع، إذا لم يلقَ اهتماماً واسعاً لدى أكثر من بنك، حيث قد يتصدّر بنك أو بنكان المشهد العام، ويقومان بتصريف السيولة لفترات طويلة «شراء ومن ثم بيع».
وإذا ربطنا الاعتبار الثاني، باعتبار تباطؤ فرص امتصاص السيولة استثمارياً تزداد معدلات المخاطرة في هذه الحالة، فمع غياب الفرصة الاستثمارية المناسبة لامتصاص فوائض السيولة المكونة، ستكون طلبات بيع السيولة أكثر بكثير من طلبات شرائها وبالتالي يكون البنك الذي يغامر ويحصل على ودائع لفترات طويلة كمن يدفع مقابلاً دون أن تكون لديه خطط للحصول على عوائد إضافية تعوّض نشاطه، ورغم ذلك نوهت المصادر إلى أن البنوك ستدرس خيار وجود صانع سوق في «الإنتربنك».
ضغط تنافسي
وبعيداً عن التحديات التي تواجه تنشيط «الإنتربنك» بالآجال الطويلة، يبقى حسب المصادر أن مجرد إلقاء أي حجر في مياهه الراكدة سيؤدي إلى تحرير مستويات إضافية من السيولة المتراكمة مصرفياً، ويخفّف الضغط التنافسي في ما بين البنوك على استقطاب الودائع المستقرة، ووقتها تتحقّق فائدة مزدوجة، فمن ناحية سيتراجع تسعير البنوك لما تحتاجه من أموال لمستوياته الطبيعية، ومن جهة أخرى ستكون البنوك أكثر مرونة في ترتيب سلم استحقاقها.
وعلى صعيد متصل، أكدت المصادر أن «المركزي» مستمر بمتابعة ومراجعة النسبة الملائمة بشكل دوري وفق المعطيات والظروف المالية المحلية، وبما يوفّر مصدّاً صلباً للقطاع المصرفي ويدعم ملاءة البنوك في البلاد، مشدّداً على ضرورة توافر ما يتوجب تلبيته من التزامات حالية ومستقبلية.
وقالت المصادر إن البنوك كانت تتعامل قبل آخر 8 سنوات في «اﻹنتربنك» بمعدلات سيولة كافية، لكنه بدا واضحاً خصوصاً في آخر 5 أعوام أنه كان خاملاً كثيراً، ونوهت إلى أن تحريك هذه السوق إلى جانب سماح «المركزي» بتصنيف 20 في المئة من ودائع عملاء البنوك الأفراد بالدينار، ضمن الفئات الزمنية حتى 6 أشهر فأقل، من شأنه التخفيف عن المصارف وتسهيل قيامها بإدارة السيولة لديها، ويعطي مساحة إضافية لها للتصرف بجزء من أموال الودائع لديها.
البنوك تراجع حجم سيولتها يومياً
وفقاً لنظام «الإنتربنك»، يراجع كل بنك حجم السيولة النقدية المتوافرة لديه يومياً، وبناء عليه يحدّد السعر الذي يرغب في إتمام عمليات الشراء والبيع به. وتتشارك البنوك معاً هذه اﻷسعار في اجتماع يومي صباحي يتم عبر هذه الشبكة «اﻹنتربنك»، ليتم استبعاد السعر اﻷعلى والسعر اﻷقل، ثم حساب متوسط بقية اﻷسعار ليصبح سعر الصرف الذي يتم اعتماده عبر البنوك، وتتم مشاركته مع الشبكات اﻷخبارية اﻷساسية لتعلن عنه.