تحت التنفس الاصطناعي بعدما قُطِعت أعصاب ذراعه وتعرّض كبده للتلف وقد يفقد إحدى عينيه
سلمان رشدي... سنوات التخفّي الـ 33 لم تحمه
- رشدي كان يشارك في نقاش عن توفير الولايات المتحدة ملاذاً للكتّاب والفنانين في المنفى
- اتهام المهاجم بالشروع في القتل واحتجازه من دون كفالة
يرقد الكاتب البريطاني سلمان رشدي، الذي أصدر مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة آية الله الخميني، فتوى بهدر دمه في العام 1989 بسبب روايته «آيات شيطانية»، في المستشفى، موصولاً بجهاز تنفس اصطناعي بعدما طعنه الجمعة، شاب يدعى هادي مطر، في عنقه وبطنه، في قاعة محاضرات في مركز ثقافي في تشوتوكوا (شمال غربي ولاية نيويورك).
وصرح الميجور في شرطة ولاية نيويورك يوجين ستانيزيفسكي، بأن رشدي (75 عاماً) نُقل على الفور بمروحية إلى أقرب مستشفى حيث خضع بسرعة لعملية جراحية.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن وكيل أعماله أندرو ويلي، أنّ «الأنباء ليست جيّدة»، موضحاً أن رشدي «سيفقد إحدى عينيه على الأرجح وقُطِعت أعصاب ذراعه وتعرّض كبده للطّعن والتلف».
وفور وقوع الحادثة، أعلنت الشرطة أن «مشتبها به اندفع قبيل الساعة 11.00 (15.00 ت غ) إلى مسرح (المدرج) وهاجم سلمان رشدي ومحاوره»، موضحة أنه «طعن» الكاتب «في رقبته».
وأضافت الشرطة مساء الجمعة أن الرجل طعن رشدي «في البطن» أيضاً. أما محاوره مضيف المؤتمر رالف هنري ريس (73 عاما)، فقد «أصيب بجروح طفيفة في الوجه».
واعتقل المهاجم على الفور وأوقف قيد التحقيق. وقال الميجور ستانيزيفسكي إنه يدعى هادي مطر (24 عاماً) ومن مدينة فيرفيلد في ولاية نيوجرسي. وتم اتهامه رسمياً بـ «الشروع في القتل من الدرجة الثانية والاعتداء من الدرجة الثانية»، وتم احتجازه من دون كفالة.
وكان رشدي يستعد لإلقاء محاضرة أدبية في مدينة تشوتوكوا الصغيرة التي تبعد مئة كيلومتر عن بوفالو، بالقرب من بحيرة إيرييه التي تفصل الولايات المتحدة عن كندا.
وهرع عدد من الأشخاص إلى المنصّة وثبّتوا المشتبه به أرضاً، قبل أن يعتقله أحد عناصر الأمن، بينما قدّم طبيب كان موجوداً بين الحاضرين إسعافات أوّليّة لرشدي قبل وصول رجال الإسعاف.
وذكر كارل ليفان، أستاذ العلوم السياسية الذي كان في القاعة، في اتصال هاتفي مع «فرانس برس»، أن رجلاً ألقى بنفسه على المسرح حيث كان رشدي يجلس وطعنه بعنف مرات عدة. وأضاف أن المهاجم «كان يحاول قتل سلمان رشدي».
وقال برادلي فيشر، الذي كان ضمن الحاضرين، «قفز رجل على المنصة، لا أعرف من أين، وبدا أنه يضربه في الصدر، وكرر ضربات بقبضة يده في صدره وعنقه... كان الناس يصرخون».
وذكر موقع معهد تشوتوكوا على الإنترنت، أن رشدي كان يشارك في نقاش عن توفير الولايات المتحدة ملاذاً للكتاب والفنانين في المنفى و«موطناً لحرية التعبير الإبداعي».
ودان البيت الأبيض في بيان «الاعتداء المشين» على الكاتب. وقال مستشار الأمن القومي ديك ساليفان إن «البلاد والعالم شهدا اعتداء مشيناً على الكاتب سلمان رشدي»، مشيراً إلى أن هذا الهجوم «عمل عنف مروع».
وكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على «تويتر»، «منذ 33 عاماً، يُجسّد سلمان رشدي الحرّية ومحاربة الظلامية (...) نضاله هو نضالنا، وهو نضال عالميّ. اليوم، نقف إلى جانبه أكثر من أيّ وقت مضى».
من جهته، دان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الهجوم «المروّع» الذي تعرّض له الكاتب «أثناء ممارسته حقاً علينا ألا نتوقّف عن الدفاع عنه»، في إشارة إلى حرّية التعبير.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إنّه يشعر بالهلع حيال هذا الهجوم، مضيفاً بلسان الناطق باسمه «الكلمات لا يمكن بأي حال من الأحوال الرد عليها بالعنف».
فتوى الخميني
باريس - أ ف ب - في 14 فبراير العام 1989، أصدر مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله روح الله الخميني، فتوى بهدر دم الكاتب البريطاني إثر صدور روايته «آيات شيطانية».
وجاء في الفتوى، أن «مؤلف الكتاب الذي دوّن وطبع ووزّع بهدف معاداة الإسلام والرسول والقرآن، وكذلك الناشرين المطّلعين على فحوى الكتاب، يُحكم عليهم بالإعدام».
وطلب الخميني «من المسلمين الغيارى المبادرة إلى إعدام هؤلاء على وجه السرعة اينما وجدوهم كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على الإساءة إلى مقدسات المسلمين».
وعرضت مكافأة كبيرة لقتل الكاتب المتهم بالإساءة إلى «الإسلام والرسول والقرآن» في روايته التي اشعلت احتجاجات في أنحاء واسعة من العالم الإسلامي.
واضطر رشدي إلى التواري بحراسة أمنية وبدّل مخبأه 56 مرة خلال الأشهر الستة الأولى وحدها.
وعانى عندها عزلة كبيرة تفاقمت مع الانفصال عن زوجته الروائية الأميركية ماريان ويغينز التي أهداها كتابه المثير للجدل. وهو يعيش بعيداً عن الأنظار في نيويورك حيث استأنف حياة شبه طبيعية تدريجياً.
وأثار الكتاب منذ صدوره موجة استنكار في العالم الإسلامي مع خروج تظاهرات اتهمت رشدي بالكفر والإساءة إلى الإسلام. واستهدفت هجمات العديد من مترجمي كتابه جرح بعضهم وقتل آخرين مثل الياباني هيتوشي إيغاراشي الذي أصيب بطعنات عدة في 1991.
وسلمان رشدي مولود في 19 يونيو 1947 في بومباي قبل شهرين من استقلال الهند، ونشأ في عائلة من المثقفين المسلمين الأثرياء والتقدميين.
وأثار منحه وسام فارس من قبل ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في 2007 احتجاجات واسعة.
وقال رشدي الذي يؤكّد أنه غير سياسيّ، في خريف 2018 «مضت 30 سنة. الآن كلّ شيء على ما يرام. كان عمري 41 عاماً في ذلك الوقت (عند صدور الفتوى)، عمري اليوم 71 عاماً. نعيش في عالم تتبدّل فيه المواضيع ذات الاهتمام بسرعة كبيرة. هناك الآن دوافع أخرى تبعث على الخوف، أشخاص آخرون مطلوب قتلهم».
وللكاتب الذي يعتبر من كبار أدباء الواقعيّة السحريّة، نحو 15 مؤلّفاً بالإنكليزيّة ما بين رواية وقصص للأحداث وقصص قصيرة ومقالات وكتابات نقدية.
«إيران»: رقبة الشيطان ضُربت بشفرة حلاقة
طهران - أ ف ب - كتبت صحيفة «كيهان» الإيرانية المحافظة المتشددة، أمس، «مبروك لهذا الرجل الشجاع المدرك للواجب الذي هاجم المرتد والشرير سلمان رشدي»، بينما اعتبرت صحيفة «إيران» الرسمية، أن «رقبة الشيطان» «ضُربت بشفرة حلاقة».
وأضافت «كيهان»، التي يعين المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، رئيسها، «لنقبل يد من مزق رقبة عدو الله بسكين».
وتماشياً مع الخط الرسمي، وصفت كل وسائل الإعلام الإيرانية، رشدي بأنه «مرتد»، باستثناء «اعتماد» الإصلاحية.
وكتب محمد مراندي، مستشار فريق المفاوضين حول الملف النووي في تغريدة على «تويتر»، «لن أذرف الدموع على كاتب يدين بكراهية واحتقار لا حدود لهما للمسلمين والإسلام».
وأضاف أن «رشدي بيدق إمبراطورية يتظاهر بأنه روائي ما بعد الاستعمار».
وتساءل «أليس من الغريب أننا بينما نقترب من صفقة نووية محتملة، تزعم الولايات المتحدة أن هجوماً على (مستشار الأمن القومي السابق في البيت الأبيض جون) بولتون كان مخططاً له (...) ثم بعدها يحدث هذا»؟
رشدي «قلق» حيال التهديدات للديموقراطية الأميركية
قبل أسبوعين من الهجوم الذي تعرض له، الجمعة، في نيويورك، أعرب الروائي سلمان رشدي عن اعتقاده بأنه يعيش حياة طبيعية بعد أعوام طويلة من التواري عن الأنظار.
وتحدث رشدي في مقابلته مع مجلة «شتيرن» الألمانية عن تهديدات أخرى لا تتعلق به، إنما بالديموقراطية الأميركية، على ما أوردت وكالة «رويترز».
ووصف نفسه بأنه شخص متفائل بطبعه، وأشار إلى أن الفتوى التي صدرت في إيران عام 1989، ودعت إلى قتله.
وكان من المقرر أن تنشر المقابلة في 18 أغسطس، لكن «شتيرن» قررت نشرها أمس.
وقال رشدي المولود في الهند، وصار مواطناً أميركياً في عام 2016، ويعيش في مدينة نيويورك، إنه يشعر بالقلق حيال التهديدات التي تواجه الديموقراطية في الولايات المتحدة.
وأضاف أن هذه التهديدات مدفوعة بالعنصرية وكراهية إنجازات الليبرالية وتشكل «مرحلة أولية من الفاشية».
وحول ما إذا كان يشعر بالحنين إلى حياته السابقة، قال رشدي (75 عاماً): «ليس بالضرورة. أنا أحب التاريخ، لكن عندما يتعلق الأمر بحياتي، أفضل أن أتطلع إلى الأمام».
لا إجراءات أمنية كافية
قال مصدران لشبكة «سي إن إن»، مساء الجمعة، إن المكان الذي تعرض فيه سلمان رشدي، للطعن كان رفض التوصيات السابقة لتشديد الإجراءات الأمنية.
وبحسب المصدرين، فقد رفض معهد تشوتوكوا الثقافي توصيات في شأن الإجراءات الأمنية الأساسية، بما في ذلك فحص الحقائب وأجهزة الكشف عن المعادن، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى حدوث انقسام بين المتحدثين والجمهور.
وأوضح المصدران، اللذان رفضا الكشف عن هويتهما، أن رئاسة المعهد كانت تخشى أن تؤدي تلك إلإجراءات إلى حدوث تغييرات في ثقافة عمل المؤسسة.
وأكد بعض الحضور، أن العاملين كانوا يراجعون فقط تذاكر الدخول.