No Script

ساعاتٌ من حبْس الأنفاس انطفأت معها الملفات السياسية

أزمة الرهائن في مصرف لبناني... البلاد كلها رهينة


بسام الشيخ حسين يُطالب بحقه... المسلوب
بسام الشيخ حسين يُطالب بحقه... المسلوب
تصغير
تكبير

- الشيخ حسين وافق على 30 ألف دولار من وديعة الـ 210 آلاف... وسلّم نفسه لـ «المعلومات»
- بوصعب: الاعتداء على غزة أخّر ملف الترسيم... وحفاظاً على الاستقرار يجب أن تنتهي الأمور قبل سبتمبر

لبنان كله كان الرهينة أمس، خلف البوابة الحديد لفرع مصرف «فدرال بنك» في منطقة الحمراء، حيث انفجرت «جبهة» المودعين - المصارف، بعد أيامٍ قليلة من تَجَدُّد «الاشتباك» بين البنوك والقضاء ومن خلفه السلطة السياسية، في حمأة الأزمة المالية الشاملة التي تعصف منذ نحو 30 شهراً بالوطن الصغير الذي ما زال يتدحرج في قلب هاويةٍ «دُفنت» فيها هويّةٌ مالية وسياسية للبنان... الذي كان.

منذ أن كُشف احتجاز المواطن بسام الشيخ حسين عدداً من الرهائن، غالبيتهم من موظفي فرع «فدرال بنك» - الحمراء، مطالباً باستعادة كامل وديعته بالدولار الفريش (210 آلاف $) ومهدداً بـ «حرق المصرف بمَن فيه» بالبنزين الذي سكبه في المكان، «انطفأت» كل الملفات في لبنان الذي تَسَمَّر أمام الشاشات التي راحت تنقل الحَدَث على طريقة تلفزيون الواقع، وسط أنفاس محبوسة بانتظار نهايةٍ لن تكون إلا مغمّسة بالمفارقات.

ساعاتٌ من البث الحيّ، انطبعَ فيها بسام (42 عاماً) بصورٍ لرجلٍ لم يَعُدْ لديه ما يَخسره... يَظْهَر في فيديوهاتٍ من داخل المصرف وهو يحمل سلاحاً حربياً (زعم أفراد من عائلته أنه استلّه من داخل البنك ولم يكن يحمله)، ويصرّ، ولو «وقعت مجزرة»، على «حقي كاملاً» الذي قال شقيقه إنه لسداد مستحقاتٍ مالية (نحو 5500 دولار) لأحد المستشفيات لقاء معالجة والده ولاستكمال العلاج المكلف، وفي الوقت نفسه لا يتوانى عن إطلاق أحد الرهائن (من المودعين الذي صودف وجوده في الفرع) كونه يعاني مشكلة صحية.

وسرعان ما تحوّل بسام «رمزاً» لإشكاليةٍ كبرى لم تنجح السلطات اللبنانية في التصدي لها منذ بدء الانهيار «رسمياً» في مارس 2020، وضاعت معها المسؤوليات عن واحدة من 3 أسوأ أزمات مالية عرفها العالم منذ 1850.

... هل الشيخ حسين هو مَن يحتجز الرهائن، أم أن الدولة والمصارف هم مَن استسهلوا أخذ المودعين أسرى تلكؤٍ فاضح وبات يثير دهشة المؤسسات والصناديق الدولية عن إنجاز الأرضية القانونية والهيكلية البديهية لوضع البلاد على سكة التعافي؟

سؤالٌ طغى على المشهدية السوريالية داخل «فدرال بنك» وفي محيطه... ففي الفرع، مودِعٌ اختار أخْذ حقه بيده من مصرفٍ احتجز أمواله، كما فعلت سائر المصارف التي تعتبر أن الودائع «استهلكتْها» الدولة بسياسات الاستدانة التي فُرض على القطاع المصرفي الانخراط في بعضها، وأن الحلّ يكون بتحمُّل مَن أنفق الأموال على الهدر والكهرباء مسؤولية فجوةٍ مالية بنحو 78 مليار دولار تُلْقي خطةُ النهوض المقترَحة القسم الأكبر من خسائرها على المصارف وأكثر على المودعين، مع خط حماية كامل فقط للودائع حتى 100 ألف دولار تُعاد على دفعات... على سنوات.

وأمام المصرف، مودعون احتشدوا دعماً لمَن اعتبروا أنه ينفّذ مَهمّة باسم كل واحد منهم، وكأنها استعارة من أحد مشاهد «لا كاسا دي بابل» (money heist) التي تتكرّر بين الحين والآخر، ولكل منها «بروفسور»، كان اسمه هذه المرة بسام الشيخ حسين وقبل أشهر (في البقاع) عبدالله الساعي، وغداً ربما أكثر من مودع «يزنّر» نفسه ومَن حوله بـ... «آخِر الدواء الكي».

في محيط «فدرال بنك»، حيث وافق بسام، أخيراً وبعد ساعات من التهديدات و»المساومات»، على «تسوية» تُفْرِج له عن 30 ألف دولار لتنتهي الأزمة «على خير» ويسلم نفسه لفرع المعلومات، لم يكن من مكانٍ لمفارقة أن نجاحه في تحصيل كامل وديعته «بالقوة» (تردد أنه كان يطالب أيضاً بوديعة نصف مليون دولار لشقيقه) ستكون بطريقة أو بأخرى «من جيْب» مودع آخر «مستضعَف» لا إمكان لينال حقّه «من دون زيادة أو نقصان»، لأن غالبية الودائع تبخّرت وما بقيَ منها لا يكفي إلا «ليتقاتل» المودعون ويتسابقوا عليه، وسط استمرار السلطة في نفض يدها من إقرار خطة التعافي وقانونيْ «الكابيتال كونترول» وإعادة هيكلة المصارف.

فهنا بدا بسام وكأنه «واحدٌ يثأر للجميع» و«يستردّ بالقوة ما أُخذ بالقوة»... وما هتافات «يسقط يسقط حكم المصرف» التي صدحت بينما كانت عملية احتجاز الرهائن مستمرة، والأهمّ مطالبات البعض بأن «تكر سبحة» استهداف البنوك، إلا تعبيراً - اعتبر البعض أنه تأخّر - عن مخاطر ترْك هذا الفتيل مشتعلاً، فيما البلاد على مَشارف استحقاقاتٍ دستورية كبرى يُخشى أن تكون فاتحة أنفاق مظلمة إضافية يوغل معها لبنان في أزماته المعيشية والاجتماعية.

ففي حين كانت قضيةُ الرهائن في «فدرال بنك» تحتلّ المشهد اللبناني، تعمّقتْ مؤشراتُ أخْذِ الانتخابات الرئاسية (مهلتها الدستورية بين 31 أغسطس الجاري و31 أكتوبر المقبل) رهينةَ الصراعات الداخلية بأبعادها الإقليمية ما يُنْذر بعملية عض أصابع على تخوم هذا الاستحقاق وفي مرحلة الشغور الرئاسي التي ترتسم في أفقه من ضمن ما يُخشى أن يكون مساراً من الإنهاك «المتعمّد» وصولاً إلى نتيجة... مرسومة.

وإذ يسود تسليمٌ بأن الحكومةَ العتيدةَ، العالق تشكيلها منذ أسابيع، باتت في «معتقل» رئاسية 2022، فإن مخاوفَ بدأت تلوح من دخولِ ملف الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل مرحلة من الضبابية تستبطن تدوير «الخسائر والأرباح» وتوزيعها بما «يموّه» التنازلات، فيما المفاوضات تسير على «حبل مشدود» من مهل نهائية حدّدها «حزب الله» في سبتمبر ورسم حولها... «إصبعاً على الزناد».

ولم يكن عابراً إعلان نائب رئيس البرلمان اللبناني الياس بوصعب (المكلف من رئيس الجمهورية ملف الترسيم) بعد لقائه الرئيس ميشال عون أمس، «ان الاعتداء المدان الذي قامت به إسرائيل على غزة، أخّر هذا الملف، ولكن جميع المسؤولين اللبنانيين متفقون على إننا لا نملك ترف الوقت، والوقت ليس مفتوحاً الى ما لا نهاية، فكلما اقتربنا من سبتمبر، يزداد الوقت حرجاً في هذا الملف. وحفاظاً على الاستقرار، يجب ان تنتهي الأمور قبل سبتمبر».

ورداً على سؤال قال بوصعب: «حُكي في الاعلام عن زيارتين قام بهما الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لإسرائيل، بعد اجتماعه مع الرؤساء عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي في قصر بعبدا. والحقيقة ان الوسيط الأميركي، وبعد المعطيات التي حصل عليها من هذا الاجتماع، انتقل الى إسرائيل، واجتمع برئيس الوزراء الإسرائيلي (يائير لابيد)، ولكنه لم يعد مرة ثانية الى إسرائيل كما ذُكر في الاعلام».

وتابع «نحن طبعاً نتابع هذا الملف، ونتواصل معه في شأنه. والكلام السلبي الذي يذكر في الإعلام، إن كان لدى العدو الاسرائيلي أو في وسائل الاعلام اللبنانية، يبقى إعلامياً. نحن استفسرنا، وتبين لنا ان الموقف الرسمي مُخالِف لما يُذكر في الاعلام. وما تبلغناه الى اليوم، لا علاقه له بالكلام الإعلامي، إن كان سلباً او ايجاباً.

لا نعرف ماذا سيكون الجواب النهائي، لكن تم التأكيد لنا ان الجهد الذي يُبذل ما زال قائماً، ولم يتوقف.

والوسيط الأميركي حريص على مواصلة الجهود، بناء على الاجتماع الأخير الذي حصل في بعبدا».

وعن ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، أشار بوصعب إلى «اننا ننتظر بين اليوم والغد صدور مرسوم تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز من قبل مجلس القضاء الأعلى، ليأخذ بعدها التحقيق مجراه من جديد».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي