No Script

من الخميس إلى الخميس

ونش التحرير و«ظريف» ورطوبة

تصغير
تكبير

اللص الظريف شخصية اخترعها القاص الفرنسي موريس لبلان، المولود عام 1864م، أطلق المؤلف على هذا اللص اسم (ارسين لوبين)، وأصبح شخصية معروفة في العالم لا سيما في الربع الأول من القرن العشرين وحتى نهاية الستينات، وقد ظهر هذا اللص الذي كسب تعاطف القراء من جميع أنحاء العالم بسبب سرقته أموال السارقين وتوزيعها على الفقراء، ظهر هذا اللص للمرة الأولى عام 1907 ولم يمت بموت مخترعه عام 1941م، بل زادت مبيعات الكتاب ووصلت لنا في الكويت نهاية الخمسينات وبداية الستينات؛ وأغلب محبي القراءة في ذلك الزمن كانوا من مدمني قراءة روايات (ارسين لوبين، اللص الظريف).

ورغم سعة مخيلة المؤلف إلا أن الواقع في العالم أوجد لصوصاً ظرفاء فاق ظُرفهم ارسين لوبين الشهير، ورغم أنهم لم يسرقوا من السارقين الكبار؛ ولم يعطوا الأموال للفقراء إلا أنهم اخترعوا سرقة أثارت الاستغراب وخلقت أجواء من الإثارة والطرافة عقوداً طويلة، ومن أشهر هؤلاء اللصوص الظرفاء الذين استمررت في متابعة ظرفهم منذ أوائل الثمانينات هم الذين سرقوا (الرافعة) الونش من ميدان التحرير في القاهرة، ولأننا نعيش في الكويت هذه الأيام أجواء ساخنة جداً ورطوبة تكتم على النفس فربما تُساهم هذه البدعة الظريفة في تخفيف ما نحن فيه.

ففي ثمانينات القرن الماضي، طالت أيدي اللصوص مترو أنفاق القاهرة الذي كان في بداية تجهيزه، وتم سرقة ونش كان يُستخدم في عمليات حفر قطار الأنفاق (المترو) في ميدان التحرير، أحد أكثر ميادين القاهرة ازدحاماً، وفروا به في شوارع العاصمة. ورغم حجم الرافعة التي تزن عشرات الأطنان إلا أنها اختفت كفص ملح ذاب بالماء، فلم ير أحد الونش المسروق؛ ولم يسمعوا صوته الهادر بالطريق ولم تُغلق له شوارع حتى يمر، هذا العملاق مشى بالطرقات دون أن يترك أثراً، وقد صُدمت الشرطة والمباحث بل وكل الناس بالخبر ورغم كل الجهود الجبّارة لم تصل الشرطة إلى أي أثر له حتى أصبحت هذه السرقة طُرفة تُحكى في جلسات السمر؛ وحيكت حولها (النكت) التي اشتهر بها إخواننا في مصر.

لقد تسبّبت هذه السرقة الظريفة في إحراج حكومة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في أول عهده بالحُكم؛ وقد أصبح حل اللغز تحدياً واجه الحكومة، ورغم كل ذلك لم يتم الاستدلال على سر اختفاء الونش، وبَقِيَ السؤالُ عالقاً على صفحة الأيام، أين اختفى الونش العملاق؟

إن الزمن أقوى كاشف للحقيقة فرغم مُضي كل تلك العقود؛ وانتهاء عصر؛ واختفاء قادة إلا أن ذِكرى الونش ما زالت هناك، كامنة في مخيلة مَن عاشوا تلك الفترة ولم ينجحوا بفك اللغز واستمرت معهم عُقدة الونش، سواء المعنيون بالقضية أو المتابعون الذين من هواياتهم فك الألغاز، وما أكثرهم في كل زمن.

قبل فترة وجيزة، انكشف سر الونش المفقود، فقد تبيّن أن الونش المسروق لم يكن له وجودٌ بالأصل! فقد تم توريده على الورق؛ وقبض أمواله ونقله على الورق؛ وتعيين عاملين عليه وصيانته على الورق؛ وعندما انتهى المطلوب منه وتحصيل الأموال كاملة تم الإبلاغ عن سرقته، وأتوا بالشهود الذين رأوه يعمل بل وعملوا عليه، وطبعاً البوليس كان يصدق الورق والشهود فذهب يبحث عن الونش المفقود الذي تبخر بالهواء لسبب بسيط وهو أنه لم يكن موجوداً أصلاً.

حبكة واقعية من لصوص ظرفاء نجحوا في تأليف قصة استمرت تُروى لعقود طويلة وطُرفة ولدّت عشرات من النكت التي أحيت سهرات؛ وأضحكت قلوباً ملّت من الحر وشدة الرطوبة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي