الظلم ظُلمات إذا انتشر في وسط فإنه يغيّر الحقّ إلى باطل، ويبدّد الآمال، ويقضي على الأحلام، ويجعل الناس في فوضى لا يقدرون على أن يركنوا إلى ركن وثيق.
ولا يتبدّد الظلم إلّا بنهضة الأحرار الذين يطرقون باب الحرية بيد مضرجة بالدماء.
رأى أبو عبدالله الحسين، عليه السلام، الظلم فقاومه بكل ما يملك من قوة، واجه الظالمين بالحجة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن فقال: (إني لن أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله).
فلم يجد من القوم إلّا الأسنة والحراب جواباً... واجههم بأهله وأصحابه الميامين، رجالٌ تواصلوا حيث طابت أصولهم وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبراً... منعوا عنه وعن أصحابه الماء فاشتد الأذى بالصغار وأراد أبو الشهداء أن يستعطف القوم فرفع إليهم ولده الرضيع وطلب جرعة من الماء له فما كان من القساة الظالمين إلا أن سدّدوا إلى الطفل سهماً فأرداه قتيلاً.
قست القلوب فلم تمل لهداية
تباً لهاتيك القلوب القاسية
نهض أبو عبدالله الحسين، عليه السلام، هو وأهل بيته وأصحابه يقاتل الظالمين لينشر الحق ويقضي على الظلم والاستبداد والطغيان، إلا أن القوم زادوا في طُغيانهم وظلمهم واستبدادهم فقتلوا الأطفال ومثّلوا بالرجال، فقدّم أبو الأحرار دمه ودماء إخوته وأبنائه وآل بيته وأصحابه فداءً للحق ونصرة للدين وللقضاء على الجَور والاستبداد.
يتعلّم من الحسين، عليه السلام، الناس كيف يكونون مظلومين فينتصرون كما تعلّم غاندي وتعلّم جميع الأحرار المناضلين الأخيار.
شاركت الحوراء (زينب) أخته عليهما السلام في هذه النهضة،
وتشاطرت هي والحسين بدعوة
حكم القضاء عليهما أن يندبا
هذا بمشتبك النصول وهذه
في حيف معترك المكاره في السبا
قامت الحوراء برعاية الأطفال والمحافظة عليهم بعد انتهاء المعركة فأبلت بلاء حسناً وأعطت دروساً لجهاد المرأة ونضالها وقوتها في الحفاظ على العيال والنساء.
دروس كثيرة يجب على المسلمين أن يستخلصوها من نهضة أبي الأحرار في الصبر والإيثار والاجتهاد والمثابرة وإنكار الذات ونصرة المظلوم والتصدي للظالمين.
وسيبقى الحسين، عليه السلام، نبراساً تستلهم منه الأمم الخير كله في مواقف الخير والتصدي إلى الشر والطغيان حتى يندحر.
وصدق محمد مهدي الجواهري،رحمه الله، حيث يقول في رائعته:
فداءً لمثواك من مضجع
تنوّر بالأبلجِ الأروعِ
بأعبق من نفحاتِ الجنانِ
رَوحاً ومن مسكِها أضوعِ
ورعياً ليومكَ يوم «الطُّفوف»
وسقياً لأرضك من مصرعِ
وحزناً عليك بحبسِ النفوس
على نهجك النيرِ المهيعِ
وصوناً لمجدكَ من أن يُذال
بما أنت تأباهُ من مُبدعِ
فيا أيها الوترُ في الخالدينَ
فذّاً إلى الآن لم يشفعِ
ويا عظة الطامحينَ العظامِ
للاهينَ عن غَدهم قُنّع
تعاليت من مُفزعٍ للحتوفِ
وبُورك قبركَ من مفزعِ